صيد الخاطر/فصل: من لم يتشاغل بالعلم كيف يبلغ الشريعة للخلق؟
فصل: من لم يتشاغل بالعلم كيف يبلغ الشريعة للخلق؟
سبحان من من على الخلق بالعلماء الفقهاء الذي فهموا مقصود الأمر ومراد الشارع، فهم حفظة الشريعة، فأحسن الله جزاءهم. وإن الشيطان ليتجافاهم خوفا منهم، فأنهم يقدرون على آذاه وهو لا يقدر على أذاهم. ولقد تلاعب بأهل الجهل والقليلي الفهم. وكان من أعجب تلاعبه، أن حسن لأقوام ترك العلم، ثم لم يقنعوا بهذا حتى قدحوا في المتشاغلين به. وهذا ـ لو فهموه ـ قدح في الشريعة، فأن رسول الله ﷺ يقول: بلغوا عني، وقد قال له ربه عز وجل: بلغ. فإذا لم يتشاغل بالعلم، فكيف يبلغ الشريعة إلى الخلق؟ ولقد نقل مثل هذا عن كبار الزهاد، كبشر الحافي، فإنه قال لعباس بن عبد العظيم: [ لا تجالس أصحاب الحديث ]. وقال لإسحاق بن الضيف: [ إنك صاحب حديث، فأحب ألا تعود إلي ]. ثم اعتذر فقال: [ إنما الحديث فتنة، إلا لمن أراد الله به، وإذا لم يعمل به فتركه أفضل ]، وهذا عجب منه. من أين له أن طلابه لا يريدون الله به، وأنهم لا يعملون به؟ أو ليس العمل به على ضربين: عمل بما يجب، وذلك لا يسع أحدا تركه. والثاني: نافلة ولا يلزم. والتشاغل بالحديث، أفضل من التنفل بالصوم والصلاة. وما أظنه أراد إلا طريقة في دوام الجوع والتهجد، وذلك شيء لا يلام تاركه. فإن كان يريد ألا يوغل في علوم الحديث، فهذا خطأ، لأن جميع أقسامه محمودة. أفترى لو ترك الناس طلب الحديث كان بشر يفتي؟ فالله الله في الإلتفات إلى قول من ليس بفقيه، ولا يهولنك تعظيم إسمه فالله يعفو عنه.