صيد الخاطر/فصل: إذعان العقل فحكمة الله
فصل: إذعان العقل فحكمة الله
تأملت حالا عجيبة، وهي أن الله سبحانه تعالى قد بنى هذه الأجسام متقنه على قانون الحكمة. فدل بذلك المصنوع على كمال قدرته، ولطيف حكمته. ثم عاد فنقضها فتحيرت العقول بعد إذعانها له بالحكمة، في سر ذلك الفعل. فأعلمت أنها ستعاد للمعاد وأن هذه البنية لم تخلق إلا لتجوز في مجاز المعرفة، وتتجر في موسم المعاملة، فسكنت العقول لذلك. ثم رأت أشياء من هذا الجنس أظرف منه، مثل احترام شاب ما بلغ بعض المقصود بنياته. وأعجب من ذلك أخذ طفل من أكف أبويه يتململان. ولا يظهر سر سلبه، والله الغني عن أخذه، وهما أشد الخلق فقرا إلى بقائه. وأظرف منه إبقاء هرم لا يدري معنى البقاء، وليس له فيه إلا مجرد أذى. ومن هذا الجنس تقتير الرزق على المؤمن الحكيم، وتوسعته على الكافر الأحمق. وفي نظائر لهذه المذكورات يتحير العقل في تعليلها، فيبقى مبهوتا. فلم أزل أتلمح جملة التكاليف، فإذا عجزت قوى العقل عن الاطلاع على حكمه ذلك، وقد ثبت لها حكمة الفاعل، علمت قصورها عن ادراك جميع المطلوب، فأذعنت مقرة بالعجز. وبذلك تؤدي مفروض تكليفها. فلو قيل للعقل: قد ثبت عندك حكمة الخالق بما بنى أفيجوز أن ينقدح في حكمته أنه نقض؟ لقال: لأني عرفت بالبرهان أنه حكيم، وأنا أعجز عن إدراك علله فأسلم على رغمي مقرأ بعجزي.