صيد الخاطر/فصل: في الأسباب والمسببات
فصل: في الأسباب والمسببات
قلوب العارفين يغار عليها من الأسباب وإن كانت لا تساكنها لأنها لما إنفردت لمعرفتها أنفرد لها بتولي أمورها. فإذا تعرضت بالأسباب محى أثر الأسباب: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا. وتأمل في حال يعقوب وحذره على يوسف عليهم السلام، حتى قال: أخاف أن يأكله الذئب فقالوا: أكله الذئب. فلما جاء أوان الفرج، خرج يهوذا بالقميص فسبقه الريح إني لأجد ريح يوسف. وكذلك قول يوسف عليه السلام للساقي: اذكرني عند ربك فعوقب بأن لبث سبع سنين، وإن كان يوسف عليه السلام يعلم أنه لا خلاص إلا بإذن الله، وأن التعرض بالأسباب مشروع، غير أن الغيرة أثرت في العقوبة. ومن هذا قصة مريم عليها السلام وكفلها زكريا فغار المسبب من مساكنة الأسباب كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا. ومن هذا القبيل ما يروى عن النبي ﷺ أنه قال: أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب. والأسباب طريق، ولا بد من سلوكها. والعارف لا يساكنها غير أنه يجلي له من أمرها ما لا يجلي لغيره، من أنها لا تساكن، وربما عوقب إن مال إليها وإن كان ميلا لا يقبله، غير أن أقل الهفوات يوجب الأدب، وتأمل عقبي سليمان عليه السلام لما قال: [ لأطوقن الليلة على مائة إمرأة، تلد كل واحدة منهن غلاما ولم يقل: إن شاء الله، فما حملت إلا واحدة جاءت بشق غلام ]. ولقد طرقني حالة أوجبت التشبث ببعض الأسباب إلا أنه كان من ضرورة ذلك لقاء بعض الظلمة، ومداراته بكلمة. فبينا أنا أفكر في تلك الحال دخل علي قارئ فاستفتح فتفاءلت بما يقرأ فقرأ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون. فبهت من إجابتي على خاطري، وقلت لنفسي: إسمعي فإنني طلبت النصر في هذه المداراة فأعلمني القرآن أنني إذا ركنت إلى ظالم فاتنى ما ركنت لأجله من النصر. فيا طوبى لمن عرف المسبب وتعلق به، فإنها الغاية القصوى، فنسأل الله أن يرزقنا.