صيد الخاطر/فصل: بدع أدخلت على الدين
فصل: بدع أدخلت على الدين
نظرت في قول أبي الدرداء رضي الله عنه: ما أعرف شيئا مما كنا عليه اليوم إلا القبلة. فقلت: واعجبا، كيف لو رآنا اليوم وما معنا من الشريعة إلا الرسم؟ الشريعة هي الطريق. وإنما تعرف شريعة رسول الله ﷺ إما بأفعاله أو أقواله. وسبب الانحراف عن طريقه ﷺ: إما الجهل بها، فيجري الإنسان مع الطبق والعادات، وربما اتخذ ما يضاد الشريعة طريقا، وقد كانت الصحابة شاهدته وسمعت منه فقل أن ينحرف أحد منهم عن جادته إلا أن أبا الدرداء رضي الله عنه رأى بعض الإنحراف لميل الطباع فضج فإنه قد يعرف الإنسان الصواب، غير أن طبعه يميل عنه. وما زالت الأحاديث المنقولة عن الرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم يقل الإسعاد بها والنظر فيها إلى أن أعرض عنها بالكلية في زماننا هذا وجهلت إلا النادر، واتخذت طرائق تضاد الشريعة، وصارت عادات، وكانت أسهل عند الخلق من اتباع الشريعة. وإذا كان عامة من ينسب إلى العلم قد أعراض عن علوم الشريعة فكيف العوام؟ ولما أعرض كثير من العلماء عن المنقولات ابتدعوا في الأصول والفروع. فالأصوليون تشاغلوا بالكلام وأخذوه من الفلاسفة وعلماء المنطق. ودخلت أيدي الفروعيين في ذلك فتشاغلوا بالجدل، وتركوا الحديث الذي يدور عليه الحكم. ثم رأى القصاص أن النفاق بالنفاق، فأقبل قوم منهم على التلبيس بالزهد، ومقصودهم الدنيا. ورأى جمهورهم أن القلوب تميل إلى الأغاني، فأحضروا المطربين من القراء وأنشدوا أشعار الغزل، وتركوا الإشتغال بالحديث، ولم يلتفتوا إلى نهي العوام عن الربا والزنا، وأمرهم بأداء الواجبات. وصار متكلمهم يقطع المجلس بذكر ليلى والمجنون والطور وموسى وأبي يزيد والحلاج، والهذيان الذي لا محصول له. وانفرد أقوام بالتزهد والانقطاع، فامتنعوا عن عيادة المرضى، والمشي بين الناس، وأظهروا التخاشع، ووضعوا كتبا للرياضيات، والتقلل من الطعام. وصارت الشريعة عندهم كلام أبي يزيد والشبلي والمتصوفة. ومعلوم أن من سبر الشريعة لم ير فيها من ذاك شيئا. أما الأمراء فجروا مع العادات، وسموا ما يفعلونه من القتل والقطع سياسات لم يعملوا فيها بمقتضى الشريعة، وتبع الأخير في ذلك المتقدم. فأين الشريعة المحمدية؟ ومن أين تعرف مع الإعراض عن المنقولات؟ نسأل الله عز وجل التوفيق للقيام بالشريعة، والإعانة على رد البدع إنه قادر.