صيد الخاطر/فصل: خطر علم الكلام على العامة
فصل: خطر علم الكلام على العامة
أضر ما على العوام المتكلمون فإنهم يخلطون عقائدهم بما يسمعونه منهم. من أقبح الأشياء أن يحضر العامي الذي لا يعرف أركان الصلاة ولا الربا في البيع مجلس الوعظ فلا ينهاه عن التواني في الصلاة، ولا يعلمه الخلاص من الربا بل يقول له القرآن قائم بالذات، والذي عندنا مخلوق. فيهون القرآن عند ذلك العامي، فيحلف به على الكذب. ويح المتكلم لو كان له فهم علم أن الله سبحانه وتعالى نصب أعلاما تأنس بها النفوس وتطأمن إليها الكعبة وسماها بيته، والعرش وذكر استواءه عليه، وذكر من صفاته اليد والسمع والبصر والعين، وينزل إلى السماء الدنيا، ويضحك، وكل هذا لتأنس بالعادات. وقد جل عما تضمنته هذه الصفات من الجوراح. وكذلك عظم أمر القرآن، ونهى المحدث أن يمس المصحف فآل الأمر لقوم من المتكلمين إلى أن أجازوا الإستنجاء به. فهؤلاء على معاندة الشريعة، لأنهم يهينون ما عظم الشرع. وهل الإيغال في الكلام مما يرقب إلى معرفة الحقائق التي لا يمكن خلافها. هيهات لو كان كذلك ما وقع بين المتكلمين خلاف. أوليس الشرب الأول ما تكلموا في شيء من هذا. وإن كانوا تعرضوا ببعض الأصول. ثم جاء فقهاء الأمصار فنهوا عن الخوض في الكلام لعلمهم ما يجلب وما يجتنب. ومن لم يقنع بعقيدته مثل الصحابة، ولا بطريق مثل طريق أحمد والشافعي في ترك الخوض فلا كان من كان. ثم بالله تأملوا أليس قد وجب علينا هجر الربا لقوله تعالى: لا تأكلوا الربا وهجر الزنا بقوله: ولا تقربوا الزنى. فأي فائدة لنا في ذكر قراءة ومقروء وتلاوة ومتلو وقديم ومحدث؟ فإن قيل: فلا بد من الاعتقاد. قلنا: طريق السلف أوضح محجة، لأن لا نقوله تقليدا بل بالدليل، ولكن لم نستفده عن جوهر وعرض وجزء لا يتجزء. بل بأدلة النقل مع مساعدة العقل من غير بحث عما لا يحتاج إليه وليس هذا مكان الشرح.