صيد الخاطر/فصل: رجاء الرحمة
فصل: رجاء الرحمة
تأملت على الخلق وإذا هم في حالة عجيبة، يكاد يقطع معها بفساد العقل. وذلك أن الإنسان يسمع المواعظ، وتذكر له الآخرة، فيعلم صدق القائل، فيبكي وينزعج على تفريطه، ويعزم على الإستدلاك، ثم يتراخى عمله بمقتضى ما عزم عليه. فإذا قيل له: أتشك فيما وعدت به؟ قال: لا والله، فيقال له: فاعمل، فينوي ذلك ثم يتوقف عن العمل. وربما مال إلى لذة محرمة، وهو يعلم النهي عنها. ومن هذا الجنس تأخر الثلاثة الذين خلفوا، ولم يكن لهم عذر، هم يعلمون قبح التأخر، وكذلك كل عاص فتأملت السبب مع أن الإعتقاد صحيح، والفعل بطىء، فإذا له ثلاثة أسباب: أحدها: رؤية الهوى العاجل، فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه. والثاني: التسويف بالتوبة، فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير، فربما هجم الموت ولم تحصل التوبة. والعجب ممن يجوز سلب روحه قبل مضي ساعة، ولا يعمل على الحزم، غير أن الهوى يطيل الأمد، وقد قال صاحب الشرع ﷺ: صل الصلاة مودع. وهذا نهاية الدواء لهذا الداء، فإنه من ظن أنه لا يبقى إلى الصلاة أخرى جد واجتهد. والثالث: رجاء الرحمة، فيرى العاصي يقول: ربي رحيم، وينسى أنه شديد العقاب. ولو علم أن رحمته ليست رقة إذ لو كانت كذلك لما ذبح عصفورا ولا آلم طفلا وعقابه غير مأمون، فإن شرع قطع اليد الشريفة بسرقة خمسة قراريط. فنسأل الله عز وجل أن يهب لنا حزما يبت المصالح جزما.