صيد الخاطر/فصل: السمع والبصر
فصل: السمع والبصر
قرأت هذه الآية: قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به فلاحت لي فيها إشرة كدت أطيش منها. وذلك أنه إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر، فإن السمع آلة لإدراك المسموعات، والبصر آلة لإدراك المبصرات، فهما يعرضان ذلك على القلب، فيتدبر، ويعتبر. فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر، أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدل على الخالق، وتحمل على طاعة الصانع، وتحذر من بطشه عند مخالفته. وإن عنى معنى السمع والبصر، فذلك يكون بذهولها عن حقائق ما أدركا، شغلا بالهوى، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنه ما رأى، ويسمع كأنه ما سمع، والقلب ذاهل عما يتأدى به لا يدري ما يراد به، لا يؤثر عنده أنه يبلى، ولا تنفعه موعظة تجلى، ولا يدري أين هو، ولا ما المراد منه، ولا إلى أين يحمل، وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته ولا بتفكر في خسران آجلته، لا يتعبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقة كما قال الشاعر:
الناس في غفلة والموت يوقظهم وما يفيقون حتى ينفذ العمر
يشيعون أهاليهم بجمعهم وينظرون ما فيه قد قبروا
ويرجعون إلى أحلام غفلتهم كأنهم ما رأوا شيئا ولا نظروا
وهذه حالة أكثر الناس، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات.