صيد الخاطر/فصل: فضول الدنيا
فصل: فضول الدنيا
تأملت أحوال الفضلاء، فوجدتهم ـ في الأغلب ـ قد بخسوا من حظوظ الدنيا، ورأيت الدنيا غالبا ـ في أيدي أهل النقائص. فنظرت في الفضلاء، فإذا هم يتأسفون على ما فاتهم مما ناله أولو النقص، وربما تقطع بعضهم أسفا على ذلك. فخاطبت بعض المتأسفين فقلت له، ويحك تدبر أمرك، فإنك غالط من وجوه: أحدها: أنه إن كانت لك همة في طلب الدنيا، فاجتهد في طلبها تربح التأسف على فوتها، فإن قعودك ـ متأسفا على ما ناله غيرك، مع قصور اجتهادك ـ غاية العجز. الثاني: أن الدنيا إنما تراد لتعبر لا لتعمر، وهذا هو الذي يدلك عليه علمك ويبلغه فهمك. وما يناله أهل النقص من فضولها يؤذي أبدانهم وأديانهم. فإذا عرفت ذلك ثم تأسفت على فقد ما فقده أصلح لك، كان تأسفك عقوبة لتأسفك على ما تعلم المصلحة في بعده، فاقنع بذلك عذابا عاجلا إن سلمت من العذاب الآجل. والثالث: أنك قد علمت بخس حظ الآدمي في الجملة، من مطاعم الدنيا ولذاتها بالإضافة إلى الحيوان البهيم، لأنه ينال ذلك أكثر مقدارا، مع أمن وأنت تناله مع خوف، وقلة مقدار. فإذا ضوعف حظك من ذلك كان ذلك لاحقا بالحيوان البهيم، من جهة أنه يشغله ذلك عن تحصيل الفضائل. وتخفيف المؤن يحث صاحبه على نيل المراتب. فإذا آثرت الفضول مع قلة الفضول ـ عدت على ما علمت بالإزراء، فشنت علمك، ودللت على اختلاط رأيك...