صيد الخاطر/فصل: سبب النهي عن الاشتغال بالكلام
فصل: سبب النهي عن الاشتغال بالكلام
ما نهى السلف عن الخوض في الكلام إلا لأمر عظيم، وهو أن أن الإنسان يريد أن ينظر ما لا يقوى عليه بصره، فربما تحير فخرج إلى الحجب. لأنا إذا نظرنا في ذات الخالق حار العقل وبهت الحس، فهو لا يعرف شيئا لا بداية له. إنه لا يعلم إلا الجسم والجوهر والعرض، فإثبات ما يخرج عن ذاك لا يفهمه. وإن نظرنا في أفعاله رأيناه يحكم البناء ثم ينقضه ولا نطلع على تلك الحكمة، فالأولى للعاقل أن يكف كف التطلع إلى ما لا يطبق النظر إليه. ومتى قام العقل فنظر في دليل وجود الخالق بمصنوعاته، وأجاز بعثه نبي واستدل بمعجزاته، كفاه ذلك أن يتعرض لما قد أغنى عنه. إذا قال القرآن كلام الله تعالى بدليل قوله حتى يسمع كلام الله كفاه. وأما من تحذلق فقال: التلاوة هي المتلو أو غير المتلو، والقراءة هي المقروء أو غير المقروء، فيضيع الزمان في غير تحصيل، والمقصود العمل بما فهم. وقد حكى أن ملكا كتب إلى عماله في البلدان أني قدم عليكم فاعملوا كذا وكذا، فعملوا إلا واحد منهم، فإنه قعد يتفكر في الكتاب فيقول: أترى كتبه بمداد أو بحبر؟ أترى كتبه قائما أو قاعدا؟ فما زال يفكر حتى قدم الملك ولم يعمل مما أمر به شيئا. فأحسن جوائز الكل وقتل هذا.