صيد الخاطر/فصل: الكبر وخطره على العالم
فصل: الكبر وخطره على العالم
انتقدت على أكثر العلماء والزهاد أنهم يبطنون الكبر. فهذا ينظر في موضعه وارتفاع غيره عليه، وهذا لا يعود مريضا فقيرا يرى نفسه خيرا منه. حتى إني رأيت جماعة يوما إليهم، منهم من يقول لا أدفن إلا في دكة أحمد بن حنبل، ويعلم أن في ذلك كسر عظام الموتى، ثم يرى نفسه أهلا لذلك التصدر. ومنهم من يقول: ادفنوني إلى جانب مسجدي، ظنا منه أنه يصير بعد موته مزارا كمعروف الكرخي. وهذه خلة مهلكة ولا يعلمون. قال النبي ﷺ: من ظن أنه خير من غيره فقد تكبر. وقل من رأيت، إلا وهو يرى نفسه. والعجب كل العجب ممن يرى نفسه، أتراه بماذا رآها؟ إن كان بالعلم، فقد سبقه العلماء، وإن كان بالتعبد، فقد سبقه العباد، أو بالمال، فأن المال لا يوجب بنفسه فضيلة دينية. فإن قال: قد عرفت ما لم يعرف غيري من العلم في زمني، فما علي ممن تقدم. قيل له: ما نأمرك يا حافظ القرآن، أن ترى نفسك في الحفظ كمن يحفظ النصف. ولا يا فقيه أن ترى نفسك في العلم كالعامي. إنما نحذر عليك أن ترى نفسك خيرا من ذلك الشخص المؤمن وإن قل علمه. فإن الخيرية بالمعاني لا بصورة العلم والعبادة. ومن تلمح خصال نفسه وذنوبها علم أنه على يقين من الذنوب والتقصير، وهو من حال غيره على شك. فالذي يحذر منه الإعجاب بالنفس، ورؤية التقدم في أحوال الآخرة، والمؤمن لا يزال يحتقر نفسه. وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن مت ندفنك في حجرة رسول الله ﷺ؟ فقال: [ لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك، أحب إلي من أن أرى نفسي أهلا لذلك ]. وقد روينا: أن رجلا من الرهبان رأى في المنام قائلا: يقول له: [ فلان الإسكافي خير منك ] فنزل من صومعته، فجاء إليه فسأله عن عمله، فلم يذكر كبير عمله. فقيل له في المنام: عد إليه، وقل له مم صفرة وجهك؟ فعاد فسأله فقال: ما رأيت مسلما إلا وظننته خيرا مني، فقيل له: فبذاك ارتفع.