صيد الخاطر/فصل: ترك أعمال العقل في النظر والاستدلال إهمال وحمق
فصل: ترك أعمال العقل في النظر والاستدلال إهمال وحمق
ليس للآدمي أعز من نفسه، وقد عجبت ممن يخاطر بها ويعرضها للهلاك. والسبب في ذلك: قلة العقل، وسوء النظر فمنهم من يعرضها للتلف ليمدح بزعمه، مثل قوم يخرجون إلى قتل السبع، ومنهم من يصعد إلى إيوان كسرى، ليقال شاطر، وساع يمشي ثلاثين فرسخا، وهؤلاء إذا تلفوا حملوا إلى النار. فأن هلك ذهبت النفس التي يراد المال لأجلها. وأعجب من الكل من يخاطر بنفسه في الهلاك ولا يدري، مثل أن يغضب فيقتل المسلم فيشفي غيظه بالتعذيب في جهنم. وأظرف من هذا اليهود والنصارى، فإن أحدهم يبلغ فيجب عليه أن ينظر في نبوة نبينا ﷺ، فإذا فرط فمات فله الخلود في جهنم. ولقد قلت لبعضهم: ويحك تخاطر بنفسك في عذاب الأبد، نحن نؤمن بنبيكم فنقول: لو أن مسلما آمن بنبينا وكذب بنبيكم أو بالتوراة خلد في النار، فما بيننا وبينكم خلاف، إذ نحن مؤمنون بصدقه وكتابه، فل لقيناه لم نحجل ولو عاتبنا مثلا وقال. هل قمتم بسبت بالسبت، والسبت من الفروع والفروع لا يعاقب عليها بالخلود. فقال لي رئيس القوم: ما نطالبكم بهذا، لأن السبت إنما يلزم بني إسرائيل. فقلت: فقد سلمنا بإجماعكم وأنتم هالكون، لأنكم تخاطرون بأرواحكم في العذاب الدائم. والعجب بمن يهمل النظر فيما إذا توانى فيه أوجب الخلود في العقاب الدائم. وأعجب من الكل جاحد الخالق، وهو يرى إحكام الصنعة، ويقول: لا صانع. والسبب في هذه الأشياء كلها قلة العقل، وترك إعماله في النظر والإستدلال.