صيد الخاطر/فصل: الاجتهاد في معرفة الحق
فصل: الإجتهاد في معرفة الحق
قد يدعي أهل كل مذهب الاجتهاد في طلب الصواب أكثرهم لا يقصد إلا الحق، فترى الراهب يتعبد ويتجوع، واليهودي يذل ويؤدي الجزية. وصاحب كل مذهب يبالغ فيه ويتحمل الضيم والأذى للهدى وتحصيل الأجر ـ في إعتقاده ـ ومع هذا فيقطع بضلال الأكثرين. وهذا قد يشكل. وإنما كشفه أنه ينبغي أن يطلب الهدى بأسبابه، ويستعمل الإجتهاد بالإبانة. فأما من فاتته الأسباب، أو فقد بعض الآلات، فلا يقال له مجتهد. فاليهود والنصارى بين عالم قد عرف صدق كنبينا ﷺ لكنه يجحد إبقاء لرئاسته فهذا معاند، وبين مقلد لا ينظر بعقله فهذا مهمل، فهو يتعبد مع إهمال الأصل، وذاك لا ينفع، وبين ناظر منهم لا ينظر حق النظر، فيقول: في التوراة إن ديننا لا ينسخ. ونسخ الشرائع لاختلاف الأزمنة حق، ولكنه يقول النسخ بداء ولا ينظر في الفرق بينهما، فينبغي أن ينظر حق النظر. ومن هذا الجنس تعبد الخوارج مع إقناعهم بعلمهم القاصر، وهو قولهم: لا حكم إلا لله، ولم يفهموا أن التحكيم من حكم الله فجعلوا قتال علي رضي الله عنه وقتله مبنيا على ظنهم الفاسد. ولما نهب مسلم بن عقبة المدينة وقتل الخلق قال: إن دخلت النار بعد هذا إنني لشقي. فظن بجهله أنهم لما خالفوا بيعة يزيد يجوز استباحتهم وقتلهم. فالويل لعامي قليل العلم لا يتهم نفسه في واقعة ولا يذاكر من هو أعلم منه، بل يقطع بظنه ويقدم. وهذا أصل ينبغي تأمله، فقد هلك في إهماله خلق لا تحصى. وقد رأينا خلقا من العوام إذا وقع لهم واقعة لم يقبلوا فتوى وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية.