صيد الخاطر/فصل: الأدب يتبع لطافة البدن وصفاء الروح
المظهر
فصل: الأدب يتبع لطافة البدن وصفاء الروح
رأيت كلاب الصيد إذا مرت بكلاب المحلة نبحتها هذه، وبالغت وأسرعت خلفها، وكأنها تراها مكرمة مجللة فتحسدها على ذلك. ورأيت كلاب الصيد حينئذ لا تلتفت إليها ولا تعيرها الطرف ولا تعد نباحها شيئا، فرأيت أن كلاب الصيد كأنها ليست من جنس تلك الكلاب. لأن تلك غليظة البدن كشيفة الأعضاء لا أمانة لها، وهذه لطيفة دقيقة الخلقة ومعها آداب قد ناسبت خلقتها اللطيفة. وأنها تحبس الصيد على مالكها خوفا من عقابه، أو مراعاة لشكر نعمته عليها. فرأيت أن الأدب وحسن العشرة يتبع لطافة البدن وصفاء الروح. وهكذا المؤمن العاقل لا يلتفت إلى حاسده ولا يعده شيئا، إذ هو في واد وذاك في واد. ذاك يحسده على الدنيا، وهذا همته الآخرة، فيا بعد ما بين الواديين.