الفتاوى الكبرى/مسائل منثورة/4
1029 - / 5 - مسألة: هل قال النبي ﷺ: زدني فيك تحيرا وقال بعض العارفين: أول المعرفة الحيرة وآخرها الحيرة قيل: من أين تقع الحيرة؟ قيل: من معنيين: أحدهما: كثرة اختلاف الأحوال عليه والآخر: شدة الشر وحذر الأياس
وقال الواسطي: نازلة تنزل بقلوب العارفين بين الأياس والطمع لا تطمعهم في الوصل فيستريحون ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحون
وقال بعض: متى أصل إلى طريق الراجين وأنا مقيم في حيرة المتحيرين
وقال محمد بن الفضل العارف: كلما انتقل من حال إلى حال استقبله الدهشة والحيرة
وقال: أعرف الناس بالله أشدهم فيه تحيرا وقال الجنيد: انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة
وقال ذو النون: غاية العارفين التحير
وأنشد بعضهم:
( قد تحيرت فيك خذ بيدي... يا دليلا لمن تحير فيه )
فبينوا لنا القول في ذلك بيانا شافيا؟
الجواب: الحمد لله هذا الكلام المذكور: زدني فيك تحيرا من الأحاديث المكذوبة على النبي ﷺ ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث
وإنما يرويه جاهل أو ملحد فإن هذا الكلام يقتضي أنه كان حائرا وأنه سأل الزيادة في الحيرة وكلاهما باطل فإن الله هداه بما أوحاه إليه وعلمه ما لم يكن يعلم وأمره بسؤال الزيادة من العلم بقوله: { رب زدني علما } وهذا يقتضي أنه كان عالما وأنه أمر بطلب المزيد من العلم ولذلك أمر هو والمؤمنون بطلب الهداية في قوله: { اهدنا الصراط المستقيم } وقد قال تعالى: { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } فمن يهدي الخلق كيف يكون حائرا والله قد ذم الحيرة في القرآن في قوله: { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى }
وفي الجملة فالحيرة من جنس الجهل والضلال ومحمد ﷺ أكمل الخلق علما بالله وبأمره وأكمل الخلق اهتداء في نفسه وأهدى لغيره وأبعد الخلق عن الجهل والضلال قال تعالى: { والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى } وقال تعالى: { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } وقال تعالى: { وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } إلى قوله: { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فإنه قد هدى المؤمنين به
وقال تعالى: { اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم } فقد كفل الله لمن آمن به أن يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها وقال تعالى: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } ومثل هذا كثير في القرآن والحديث
ولم يمدح الحيرة أحد من أهل العلم والإيمان ولكن مدحها طائفة من الملاحدة كصاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله من الملاحدة الذين هم حيارى فمدحوا الحيرة وجعلوها أفضل من الاستقامة وادعوا أنهم أكمل الخلق وأن خاتم الأولياء منهم يكون أفضل في العلم بالله من خاتم الأنبياء وأن الأنبياء يستفيدون العلم بالله منهم وكانوا في ذلك كما يقال فيمن قال: { فخر عليهم السقف من فوقهم } لا عقل ولا قرآن فإن الأنبياء أقدم فكيف يستفيد المتقدم من المتأخر وهم عند المسلمين واليهود والنصارى أفضل من الأنبياء؟ فخرج هؤلاء عن العقل الدين دين المسلمين واليهود والنصارى وهؤلاء قد بسطنا الرد عليهم في غير هذا الموضع ولهم في وحدة الوجود والحلول والاتحاد كلام من شر كلام أهل الإلحاد
وأما غير هؤلاء من الشيوخ الذين يذكرون الحيرة فإن كان الرجل منهم يخبر عن حيرته فهذا لا يقتضي مدح الحيرة بل الحائر مأمور بطلب الهدى كما نفل عن الإمام أحمد أنه علم رجلا أن يدعو يقول: يا دليل الحائرين دلني على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين
فأما الذي قال: أول المعرفة الحيرة وآخرها الحيرة فقد يريد ذلك معنى صحيحا مثل أن يريد أن الطالب السالك يكون حائرا قبل حصول المعرفة والهدى فإن كل طالب للعلم والهدى هو قبل حصول مطلوبه في نوع من الحيرة وقوله: آخرها الحيرة وقد يراد به أنه لا يزال طالب الهدى والعلم فهو بالنسبة إلى ما يصل إليه حائرا وليس في ذلك مدح الحيرة ولكن يراد به أنه لا بد أن يعتري الإنسان نوع من الحيرة التي يحتاج معها إلى العلم والهدى
وقوله: والحيرة من معنيين: أحدهما كثرة اختلاف الأحوال الآخر شدة الشر وحذر الإياس إخبار عن سلوك معين فإنه ليس كل سالك بعتريه هذا ولكن من السالكين من تختلف عليه الأحوال حتى لا يدري ما يقبل وما يرد وما يفعل وما يترك والواجب على من ان كذلك دوام الدعاء لله سبحانه وتعالى والتضرع إليه والاستهداء بالكتاب والسنة وكذلك بشدة الشر وحذر الإياس فإن في السالكين من يبتلى بأمور من المخالفات يخاف معها أن يصير إلى اليأس من رحمة الله لقوة خوفه وكثرة المخالفة عند نفسه ومثل هذا ينبغي أن يعلم سعة رحمة الله وقبول التوبة من عباده وفرحه بذلك
وقول الآخر: نازلة تنزل بقلوب العارفين بين اليأس والطمع فلا تطمعهم في الوصول فيستريحون ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحون فيقال: هذا أيضا حال عارض لبعض السالكين ليس هذا أمرا لازما لكل من سلك طريق الله ولا هو أيضا غاية محمودة ولكن بعض السالكين يعرض له هذا كما يذكر عن الشبلي أنه كان ينشد في هذا المعنى:
( أظلت علينا منك يوما سحابة... أضاءت لنا برقا وأبطأ رشاشها )
( فلا غيمها يجلو فييأس طامع... ولا غيثها يأتي فيروي عطاشها )
وصاحب هذا الكلام إلى أن يعفو الله عنه ويغفر له مثل هذا الكلام أحوج منه إلى أن يمدح عليه أو يقتدى به فيه ومثل هذا كثير قد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع لما تكلمنا على ما يعرض لطائفة من كلام فيه معاتبة لجانب الربوبية وإقامة حجة عليه بالمجنون المتحير وإقامة عذر المحب وأمور تشبه هذا قد تحير من قال بموجبها إلى الكفر والإلحاد إذ الواجب الإقرار لله بفضله وجوده وإحسانه وللنفس بالتقصير والذنب كما في الحديث الصحيح: [ سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها إذا أصبح موقنا بها فمات من يومه دخل الجنة ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة ]
[ وفي الحديث الصحيح الإلهي: يقول الله تعالى: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ]
[ وفي الحديث الصحيح: يقول الله من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب إل ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ]
[ وفي الحديث الصحيح: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ]
وقد ثبت أن الله تعالى كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل وقد ثبت من حكمته ورحمته وعدله ما يبهر العقول لأن هذه المسألة تتعلق بأصول كبار من مسائل القدر والأمر والوعد والوعيد والأسماء والصفات قد بسط الكلام عليها في غيرها الموضع
والمقصود هنا الكلام على ما ذكر من هؤلاء الشيوخ فقول القائل: لا تطمعهم في الوصول فيستريحون ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحون هي حال عارض لشخص قد تعلقت همته بمطلوب معين وهو يتردد فيه بين اليأس الطمع وهذا حال مذموم لأن العبد لا ينبغي له أن يقترح على الله شيئا معينا بل تكون همته فعل المأمور وترك المحظور والصبر على مالمقدور فمتى أعين على هذه الثلاثة جاءت بعد ذلك من المطالب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولو تعلقت همته بمطلوب فدعا الله به فإن الله يعطيه إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له من الخير مثلها وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها
ولفظ الوصول لفظ مجمل فإنه ما من سالك إلا وله غاية يصل إليها
وإذا قيل: وصل إلى الله أو إلى توحيده أو معرفته أو نحو ذلك ففي ذلك من الأنواع المتنوعة والدرجات المتباينة ما لا يحصيه إلا الله تعالى
ويأس الإنسان أن يصل إلى ما يحبه الله ويرضاه من معرفته وتوحيده كبيرة من الكبائر بل عليه أن يرجو ذلك ويطمع فيه لكم من رجا شيئا يطلبه ومن خاف من شيء هرب منه وإذا اجتهد واستعان بالله تعالى ولازم الاستغفار والاجتهاد فلا بد أن يؤتيه الله من فضله ما لم يخطر ببال وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية فليكثر التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان فإن الله يقول: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } وعليه بإقامة الفرائض ظاهرا وباطنا ولزوم الصراط المستقيم مستعينا بالله متبركا من الحول والقوة إلا به
ففي الجملة: ليس لأحد أن ييأس بل عليه أن يرجو رحمة الله كما أنه ليس له أن لا ييأس بل عليه أن يخاف عذابه قال تعالى: { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا }
قال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبده بالحب والرجاء والخوف فهو مؤمن موحد
وأما قول القائل متى أصل إلى طريق الراجين وأنا مقيم في حيرة المتحيرين فهذا إخبار منه عن حال مذموم هو فيها كما يخبر الرجل عن نقص إيمانه وضعف عرفانه وريب في يقينه وليس مثل هذا مما يطلب بل هو مما يستعاذ بالله منه
وأما قول محمد بن الفضل أنه قال: العارف كلما انتقل من حال إلى حال استقبلته الدهشة الحيرة فهذا قد يراد به أنه كلما انتقل إلى مقام من المعرفة واليقين حصل له تشوق إلى مقام لم يصل إليه من المعرفة فهو حائر بالنسبة إلى ما لم يصل إليه دون ما وصل إليه
وقوله: أعرف الناس بالله أشدهم فيه تحيرا أي أطلبهم لزيادة العلم والمعرفة فإن كثرة علمه ومعرفته توجب له الشعور بأمور لم يعرفها بعد بل هو حائر فيها طالب لمعرفتها والعلم بها
ولا ريب أن أعلم الخلق بالله قد قال: [ لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ] والخلق ما أوتوا من العلم إلا قليلا وما نقل عن الجنيد: انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة فهذا ما أعرفه من كلام الجنيد وفيه نظر هل قاله ولعل الأشبه أنه ليس من كلامه المعهود فإن كان قد قال هذا فأراد عدم العلم بما لم يضل إليه لم يرد بذلك أن الأنبياء والأولياء لم يحصل لهم يقين ومعرفة وهدى وعلم فإن الجنيد أجل من أن يريد هذا وهذا الكلام مردود على من قاله
لكن إذا قيل: إن أهل المعرفة مهما حصل لهم من العرفة واليقين والهدى فهناك أمور لم يصلوا إليها فهذا صحيح كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند وأبو حاتم في صحيحه: [ اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي فإن من قال هذا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا ] فقد أخبر أن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب عنده وهذه لا يعلمها ملك ولا بشر
فإذا أراد المريد أن عقول العقلاء لم تصل إلى معرفة مثل هذه الأمور فهذا صحيح وأما إذا أراد أن العقلاء ليس عندهم علم ولا يقين بل حيرة وريب فهذا باطل قطعا
وما ذكر عن ذي النون في هذا الباب مع أن ذا النون قد وقع منه كلام أنكر عليه وعزره الحارث بن مسكين وطلبه المتوطل إلى بغداد واتهم بالزندقة وجعله الناس من الفلاسفة فما أدري هل قال هذا أم لا بخلاف الجنيد فإن الاستقامة والمتابعة غالبة عليه وإن كان كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ وما تم معصوم من الخطأ غير الرسول لكن الشيوخ الذين عرف صحة طريقتهم فعلم أنهم لا يقصدن ما يعلم فساده بالضرورة من العقل والدين وهذا قدر ما احتملته هذه الورقة والله أعلم
1030 - / 6 - مسألة: قوله ﷺ: [ لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ] فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية؟ بينوا لنا ذلك
الجواب: الحمد لله قوله: [ لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ] مروي بألفاظ أخر كقوله: [ يقول الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ]
وفي لفظ: [ لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر يقلب الليل والنهار ]
وفي لفظ: [ يقول ابن آدم يا خيبة الدهر وأنا الدهر ]
فقوله في الحديث: [ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ] يبين أنه ليس المراد به أنه الزمان فإنه قد أخبر أنه يقلب الليل والنهار والزمان هو الليل والنهار فدل نفس الحديث على أنه هو يقلب الزمان ويصرفه كما دل عليه قوله تعالى: { ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار * يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } وازجاء السحاب سوفه والودق: المطر فقد بين سبحانه خلقه للمطر وإنزاله على الأرض فإنه سبب الحياة في الأرض فإنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي
ثم قال: { يقلب الله الليل والنهار } إذ تقليبه الليل والنهار تحويل أحوال العالم بإنزال المطر الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن وذلك سبب تحويل الناس من حال إلى حال المتضمن وفع قوم وخفض آخرين
وقد أخبر سبحانه بخلقه الزمان في غير موضع كقوله: { وجعل الظلمات والنور }
وقوله: { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون }
وقوله: { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا }
وقوله: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب }
وغير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان
ولا يتوهم عاقل أن الله هو الزمان فإن الزمان مقدار الحركة والحركة مقدارها من باب الأعراض والصفات القائمة بغيرها كالحركة والسكون والسواد والبياض ولا يقول عاقل أن خالق العالم هو من باب الأعراض والصفات المفتقرة إلى الجواهر والأعيان فإن الأعراض لا تقوم بنفسها بل هي مفتقرة إلى محل تقوم به والمفتقر إلى ما يغيره لا يوجد بنفسه بل بذلك الغير فهو محتاج إلى ما به وجوده فليس هو غنيا في نفسه عن غيره فكيف يكون هو الخالق لكل ماسواه ومعلوم أن المراتب ثلاث
ثم أن يستغني بنفسه وأن يحتاج إليه ما سواه وهذه صفة الخالق سبحانه فكيف يتوهم أنه من النوع الأول
وأهل الإلحاد القائلون بالوحدة أو الحلول أو الاتحاد لا يقولون أنه هو الزمان ولا أنه من جنس الأعراض والصفات بل يقولون هو مجموع العالم أو حال في مجموع العالم فليس في الحديث شبهة لهم لو لم يكن قد بين فيه أنه سبحانه مقلب الليل والنهار فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار
إذا تبين هذا فللناس في الحديث قولان معروفان لأصحاب أحمد وغيرهم:
أحدهما: وهو قول أبي عبيد وأكثر العلماء أن هذا الحديث خرج الكلام فيه لرد ما يقوله أهل الجاهلية ومن أشبههم فإنهم إذا أصابتم مصيبة أو منعوا أغراضهم أخذوا يسبون الدهر والزمان يقول أحدهم: قبح الله الدهر الذي شتت شملنا ولعن الله الزمان الذي جرى فيه كذا وكذا
وكثيرا ما جرى من كلام الشعراء وأمثالهم نحو هذا كقولهم: يا دهر فعلت كذا وهم يقصدون سب من فعل تلك الأمور ويضيفونها إلى الدهر فيقع السب على الله تعالى لأنه هو الذي فعل تلك الأمور وأحدثها والدهر مخلوق له هو الذي يقلبه ويصرفه والتقدير أن ابن آدم يسب من فعل هذه الأمور وأنا فعلتها فإذا سب الدهر فمقصوده سب الفاعل وإن أضاف الفعل إلى الدهر والدهر لا فعل له وإنما الفاعل هو الله وحده
وهذا كرجل قضى عليه قاض بحق أو أفتاه مفت بحق فجعل يقول: لعن الله من قضى بهذا أو أفتى بهذا ويكون ذلك من قضاء النبي ﷺ وفتياه فيقع السب عليه وإن كان الساب لجهله اصاف الأمر إلى المبلغ في الحقيقة والمبلغ فعل من التبليغ بخلاف الزمان فإن الله يقلبه ويصرفه
والقول الثاني: قول نعيم بن حماد وطائفة معه من أهل الحديث والصوفية: إن الدهر من أسماء الله تعالى معناه القديم الأزلي ورووا في بعض الأدعية: يا دهر يا ديهور يا ديهار وهذا المعنى صحيح لأن الله سبحانه هو الأول ليس قبله شيء وهو الآخر ليس بعده شيء فهذا المعنى صحيح إنما النزاع في كونه يسمى دهرا
بكل حال فقد أجمع المسلمون وهو مما علم بالعقل الصريح أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان أو ما يجري مجرى الزمان فإن الناس متفقون على الزمان الذي هو الليل والنهار وكذلك ما يجري مجرى ذلك في الجنة كما قال تعالى: { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } قالوا: على مقدار البكرة والعشي في الدنيا الآخرة يوم الجمعة يوم المزيد والجنة ليس فيها شمس ولا زمهرير ولكن تعرف الأوقات بأنوار أخر قد روي أنه تظهر من تحت العرش فالزمان هنالك مقدار الحركة التي بها تظهر تلك الأنوار
وهل وراء ذلك جوهر قائم بنفسه سيال هو الدهر؟ هذا مما تنازع فيه الناس فأثبته طائفة من المتفلسفة من أصحاب أفلاطون كما أثبتوا الكليات المجردة في الخارج التي تسمى المثل الأفلاطونية والمثل المطلقة وأثبتوا الهيولى التي هي مادة مجردة عن الصور وأثبتوا الخلاء جوهرا قائما بنفسه
وأما جماهير العقلاء من الفلاسفة وغيرهم فيعلمون أن هذا كله لا حقيقة له في الخارج وإنما هي أمور يقدرها الذهن ويفرضها فيظن الغالطون أن هذا الثابت في الأذهان هو بعينه ثابت في الخارج عن الأذهان كما ظنوا مثل ذلك في الوجود المطلق مع أن المطلق بشرط الإطلاق وجوده في الذهن وليس في الخارج إلا شيء معين وهي الأعيان وما يقوم بها من الصفات فلا مكان إلا الجسم أو ما يقوم به ولا زمان إلا مقدار الحركة ولا مادة مجردة عن الصور بل ولا مادة مقترنة بها غير الجسم الذي يقوم به الأعراض ولا صورة إلا ما هو عرض قائم بالجسم أو ما هو جسم يقوم به العرض
وهذا وأمثاله مبسوط في غير هذا الموضع وإنما المقصود التنبيه على ما يتعلق بذلك على وجه الاختصار والله أعلم
1031 - / 7 مسألة: في الغنم والبقر ونحو ذلك إذا أصابه الموت وأتاه الإنسان: هل يذكي شيئا منه وهو متيقن حياته حين ذبحه وأن بعض الدواب لم يتحرك منه جارحة حين ذكاته فهل الحركة تدل على وجود الحياة وعدمها يدل على عدم الحياة أم لا؟ فإن غالب الناس يتحقق حياة الدابة عند ذبحها وإراقة دمها ولم تتحرك فيقول: إنها ميتة فيرميها وهل الدم الأحمر الرقيق الجاري حين الذبح يدل على أن فيها حياة مستقرة؟ والدم الأسود الجامد القليل دم الموت أم لا؟ وما أراد النبي ﷺ بقوله: [ ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ] وهل يجوز ذكاة المرأة الحائض وغير الحائض من المسلمات أم لا؟ وهل إذا ذبح المسلم شيئا من الأنعام ونسي أن يذكر اسم الله عليه حتى ذبحه حلال أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى: { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } وقوله تعالى: { إلا ما ذكيتم } عائد إلى ما تقدم من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع عند عامة العلماء كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم فما أصاب الموت قبل أن يموت أبيح لكن تنازع العلماء فيما يذكى من ذلك فمنهم من قال: ما تيقن موته لا يذكى كقول مالك ورواية عن أحمد ومنهم من يقول: ما يعيش معظم اليوم ذكي ومنهم من يقول: ما كانت فيه حياة مستقرة ذكي كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد
ثم من هؤلاء من يقول: الحياة المستقرة ما يزيد على حركة المذبوح ومنهم من يقول: ما يمكن أن يزيد على حياة المذبوح والصحيح أنه إذا كان حيا فذكي حل أكله ولا يعتبر في ذلك حركة مذبوح فإن حركات المذبوح لا تنضبط بل فيها من يطول زمانه وتعظم حركته وفيها ما يقل زمانه وتضعف حركته وقد قال النبي ﷺ: [ ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ] فمتى جرى الدم الذي يجري من المذبوح الذي ذبح وهو حي حل أكله
والناس يفرقون بين دم ما كان حيا ودم ما كان ميتا فإن الميت يجمد دمه ويسود ولهذا حرم الله الميتة لاحتقان الرطوبات فيها فإذا جرى منه الدم الذي يخرج من المذبوح الذي ذبح وهو حي حل أكله وإن تيقن أنه يموت فإنه المقصود ذبح وما فيه حياة فهو حي وإن تيقن أنه يموت بعد ساعة
فعمر بن الخطاب رضي الله عنه تيقن أنه يموت وكان حيا جازت وصيته وصلاته وعهوده وقد أفتى غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم بأنها إذا مصعت بذنبها أو طرفت بعينها أو ركضت برجلها بعد الذبح حلت ولم يشترطوا أن تكون حركتها قبل ذلك أكثر من حركة المذبوح وهذا قاله الصحابة لأن الحركة دليل على الحياة والدليل لا ينعكس فلا يلزم إذا لم يوجد هذا منها أن تكون ميتة بل قد تكون حية وإن لم يوجد منها مثل ذلك والإنسان قد يكون نائما فيذبح وهو نائم ولا يضطرب وكذلك المغمى عليه يذبح ولا يضطرب وكذلك الدابة قد تكون حية فتذبح ولا تضطرب لضعفها عن الحركة وإن كانت حية ولكن خروج الدم الذي لا يخرج إلا من مذبوح وليس هو دم الميت دليل على الحياة والله أعلم
فصل=
وتجوز ذكاة المرأة والرجل وتذبح المرأة وإن كانت حائضا فإن حيضتها ليست في يدها وذكاة المرأة جائزة باتفاق المسلمين وقد ذبحت امرأة شاة فأمر النبي ﷺ بأكلها
فصل
والتسمية على لاذبيحة مشروعة لكن قيل: هي مستحبة كقول الشافعي وقيل: واجبة مع العمد وتسقط مع السهو كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه وقيل: تجب مطلقا فلا تؤكل الذبيحة بدونها سواء تركها عمدا أو سهوا كالرواية الأخرى عن أحمد اختارها أبو الخطاب وغيره وهو قول غير واحد من السلف وهذا أظهر الأقوال فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع كقوله: { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } وقوله: { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } { وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه }
وفي الصحيحين أنه قال: [ ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ]
وفي الصحيح أنه قال لعدي: [ إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فقتل فكل وإن خالط كلبك كلاب آخر فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ]
وثبت في الصحيح أن الجن سألوه الزاد لهم ولدوابهم فقال: [ لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم ] قال النبي ﷺ [ فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن ]
فهو ﷺ لم يبح للجن المؤمنين إلا ما ذكر اسم الله عليه فكيف بالإنس ولكن إذا وجد الإنسان لحما قد ذبحه غيره جاز له أن يأكل منه ويذكر اسم الله عليه لحمل أمر الناس على الصحة والسلامة كما ثبت في الصحيح أن قوما قالوا: يا رسول الله إن ناسا حديثي عهد بالإسلام يأتونا باللحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا فقال: [ سموا أنتم وكلوا ]
1032 - / 8 - مسألة: في قصة إبليس وإخباره النبي ﷺ وهو في المسجد مع جماعة من أصحابه وسؤال النبي ﷺ له عن أمور كثيرة والناس ينظرون إلى صورته عيانا ويسمعون كلامه جهرا فهل ذلك حديث صحيح أم كذب مختلق؟ وهل جاء ذلك في شيء من الصحاح والمسانيد والسنن أم لا؟ وهل يحل لأحد أن يروي ذلك؟ وماذا يجب على من يروي ذلك ويحدثه للناس ويزعم أنه صحيح شرعي؟
الجواب: الحمد لله بل هذا حديث مكذوب مختلق ليس هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة لا الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ومن علم أنه كذب على النبي ﷺ لم يحل له أن يرويه عنه ومن قال إنه صحيح فإنه يعلم بحاله فإنه أصر عوقب على ذلك
ولكن فيه كلام كثير قد جمع من أحاديث نبوية فالذي كذبه واختلقه جمعه من أحاديث بعضها كذب وبعضها صدق فلهذا يوجد فيه كلمات متعددة صحيحة وإن كان أصل الحديث وهو مجيء إبليس عيانا إلى النبي ﷺ بحضرة أصحابه وسؤاله له كذبا مختلقا لم ينقله أحد من علماء المسلمين والله سبحانه وتعالى أعلم
1033 - / 9 - مسألة: فيمن سمع رجلا يقول: لو كنت فعلت كذا لم يجر عليك شيء من هذا فقال له رجل آخر سمعه: هذه الكلمة قد نهى النبي ﷺ عنها هي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر فقال رجل آخر: قال النبي ﷺ في قصة موسى مع الخضر: [ يرحم الله موسى وددنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما ] واستدل الآخر بقوله ﷺ: [ المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ] إلى أن قال [ فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان ] فهل هذا ناسخ لهذا أم لا؟
الجواب: الحمد لله جميع ما قاله الله ورسوله حق ولو تستعمل على وجهين:
أحدهما: على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور فهذا هو الذي نهى عنه كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } وهذا هو الذي نهى عنه النبي ﷺ حيث قال: [ وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن - اللو - تفتح عمل الشيطان ] أي تفتح عليك الحزن والجزع وذلك يضر ولا ينفع بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك كما قال تعالى: { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } قالوا: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم
والوجه الثاني: أن يقال لو لبيان علم نافع كقوله: { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ولبيان محبة الخير وإرادته كقوله: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل ونحو جائز وقول النبي ﷺ: [ وددت لو أن موسى صبر ليقص الله علينا من خبرهما ] هو من هذا الباب كقوله: { ودوا لو تدهن فيدهنون } فإن نبينا ﷺ أحب أن يقص الله خبرهما فذكرها لبيان محبته للصبر المترتب عليه فعرفه ما يكون لما ذلك من المنفعة ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يجب من الصبر على المقدور
وقوله: وددت لو أن موسى صبر قال النحاة: تقديره وددت أن موسى صبر وكذلك قوله: { ودوا لو تدهن فيدهنون } تقديره ودوا أن تدهن وقال بعضهم بل هي لو شرطية وجوابها محذوف والمعنى على التقديرين معلوم وهي محبة ذلك الفعل وإرادته ومحبة الخير وإرادته محمود والحزن والجزع وترك الصبر مذموم والله أعلم
1034 - / 10 - مسألة: في قوله تعالى: { وقالت اليهود عزير ابن الله } كلهم قالوا ذلك أم بعضهم وقول النبي ﷺ: [ يؤتى باليهود يوم القيامة فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: العزيز الحديث ] هل الخطاب عام أم لا؟
الجواب: الحمد لله المراد باليهود جنس اليهود كقوله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } لم يقل جميع الناس ولا قالوا إن جميع الناس قد جمعوا لكم بل المراد به الجنس وهذا ما قال الطائفة الفلانية تفعل كذا وأهل الفلاني يفعلون كذا وإذا قال بعضهم فسكت الباقون ولم ينكروا ذلك فيشتركون في إثم القول والله أعلم
1035 - / 11 - مسألة: في الذين غالب أموالهم حرام مثل: المكاسين وأكلة الربا وأشباههم ومثل أصحاب الحرف المحرمة: كمصوري الصور والمنجمين ومثل أعوان الولاة فهل يحل أخذ طعامهم بالمعاملة أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا كان في أموالهم حلال وحرام ففي معاملتهم شبهة لا يحكم بالتحريم إلا إذا عرف أنه يعطيه ما يحرم إعطاؤه ولا يحكم بالخلاص إلا إذا عرف أنه أعطاه من الحلال فإن كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة وإن كان هو الأغلب قيل بحل المعاملة وقيل بل هي محرمة
فأما المعامل بالربا فالغالب على ماله الحلال إلا أن يعرف الكره من وجه آخر وذلك أنه إذا باع ألفا بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال بل له أن يأخذ قدر الحلال كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر فإنه يقسم بين الشريكين وكذلك من اختلط بماله الحلال الحرام أخرج قدر الحرام والباقي حلال له والله أعلم
1036 - / 12 - مسألة: في المصحف العتيق إذا تمزق ما يصنع به ومن كتب شيئا من القرآن ثم محاه بماء أو حرقه فهل له حرمة أم لا؟
الجواب: الحمد لله أما المصحف العتيق والذي تخرق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه فإنه يدفن في مكان يصان فيه كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه في موضع يصان فيه وإذا كتب شيء من القرآن أو الذكر في إناء أولوح ومحي بالماء وغيره وشرب ذلك فلا بأس به نص عليه أحمد وغيره ونقلوا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكتب كلمات من القرآن والذكر ويأمر بأن تسقى لمن به داء وهذا يقتضي أن لذلك بركة والماء الذي توضأ به النبي ﷺ هو أيضا ماء مبارك صب منه على جابر وهو مريض وكان الصحابة يتبركون به ومع هذا فكان يتوضأ على التراب وغيره فما بلغني أن مثل هذا الماء ينهى عن صبه في التراب ونحوه ولا أعلم في ذلك نهيا فإن أثر الكتابة لم يبق بعد المحو كتابة ولا يحرم على الجنب مسه ومعلوم أنه ليس له حرمة كحرمته ما دام القرآن والذكر مكتوبا به كما أنه لو صيغ فضة أو ذهب أو نحاس على صورة كتابة القرآن والذكر أو نقش حجر على ذلك على تلك الصورة ثم غيرت تلك الصياغة وتغير الحجر لم يجب لتلك المادة من الحرمة ما كان لها حين الكتابة
وقد كان العباس بن عبد المطلب يقول في ماء زمزم لا أحله لمغتسل ولكن لشارب حل وبل وروي عنه أنه قال لشارب ومتوضئ ولهذا اختلف العلماء هل يكره الغسل والوضوء من ماء زمزم وذكروا فيه روايتين عن أحمد والشافعي احتج بحديث العباس والمرخص احتج بحديث فيه أن النبي ﷺ توضأ من ماء زمزم والصحابة توضأوا من الماء الذي نبع من بين أصابعه مع بركته لكن هذا وقت حاجة والصحيح أن النهي من العباس إنما جاء عن الغسل فقط لا عن الوضوء
والفريق بين الغسل والوضوء هو لهذا الوجه فإن الغسل يشبه إزالة النجاسة ولهذا يجب أن يغسل من الجنابة ما يجب أن يغسل من النجاسة وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النجاسات متوجه بخلاف صونها من التراب ونحوه من الطاهرات
والله أعلم
1037 - / 13 - مسألة: في رجل يحب رجلا عالما فإذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل سبه الغشي من أجل الافتراق وإذا كان الرجل العالم مشغولا بحيث لا يلتفت إليه لم يحصل له هذا الحال فهل من الرجل المحب أم هو من تأثير الرجل العالم
الجواب: الحمد لله سببه من هذا ومن هذا مثل الماء إذا شربه العطشان حصلت له لذة وطيبة وسببها عطشه وبرد الماء وكذلك النار إذا وقعت في القطن سببه منها ومن القطن والعالم المقبل على الطالب يحصل له لذة وطيب وسرور بسبب إقباله هذا وتوجهه وهذا حال المحب مع المحبوب والله أعلم
1038 - / 14 - مسألة: في رجل لعن اليهودي ولعن دينه وسب التوراة فهل يجوز لمسلم أن يسب كتابهم أم لا؟
الجواب: الحمد لله ليس لأحد أن يلعن التوراة بل من أطلق لعن التوراة فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن كان ممن يعرف أنها منزلة من عند الله وأنه يجب الإيمان بها فهذا يقتل بشتمه لها
ولا تقبل توبته في أظهر قولي العلماء وأما لعن دين اليهود الذين هم عليه في هذا الزمان فلا بأس به ذلك إنهم ملعونون هم ودينهم وكذلك أنسب التوراة التي عندهم بما يبين أن قصده ذكر تحريفها مثل أن يقال: نسخ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها من عمل اليوم بشرائها المبدلة والمنسوخة فهو كافر فهذا الكلام ونحوه حق لا شيء على قائله والله أعلم
1039 - / 15 - مسألة: ما معنى قوله: من أتى إلى طعام لم يدع إليه فقد دخل سارقا وخرج مغيرا
الجواب: الحمد لله معناه الذي يدخل إلى دعوة بغير إذن أهلها فإنه يدخل مختفيا كالسارق ويأكل بغير اختيارهم فيستحيون من نهيه فيخرج كالمغير الذي يأخذ أموال الناس بالقهر والله تعالى أعلم
1040 - / 16 - مسألة: ما معنى إجماع العلماء؟ وهل يسوغ للمجتهد خلافهم؟ وما معناه؟ وهل قول الصحابي حجة؟ وما معنى قولهم: حديث حسن أو مرسل أو غريب وجمع الترمذي بين الغريب والصحيح في حديث واحد؟ وهل في الحديث متواتر لفظا ومعنى؟ وهل جمهور أحاديث الصحيح تفيد اليقين والظن؟ وما هو شرط البخاري ومسلم فإنهم قد فرقوا بين شرط البخاري ومسلم فقالوا: على شرط البخاري ثم مسلم؟
الجواب: الحمد لله معنى الإجماع أنت تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولكن كثيرا من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعا ولا يكون الأمر كذلك بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة
وأما أقوال بعض الأمة كالفقهاء الأربعة وغيرهم فليس حجة لازمة ولا إجماعا باتفاق المسلمين بل قد ثبت عنهم رضي الله عنهم أنهم نهوا الناس عن تقليدهم وأمروا إذا رأوا قولا في الكتاب والسنة أقوى من قولهم أن يأخذوا بما دل عليه الكتاب والسنة ويدعو أقوالهم ولهذا كان الأكابر من أتباع الأئمة الأربعة لا يزالون إذا ظهر لهم دلالة الكتاب أو السنة على ما يخالف قول متبوعهم اتبعوا ذلك مثل مسافة القصر فإن تحديدها بثلاثة أيام أو سنة عشر فرسخا لما كان قولا ضعيفا كان طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم ترى قصر الصلاة في السفر الذي هو دون ذلك كالسفر من مكة إلى عرفة فإنه قد ثبت أن أهل مكة قصروا مع النبي ﷺ بمنى وعرفة وكذلك طائفة من أصحاب مالك وأبي حنيفة وأحمد قالوا: إن جمع الطلاق الثلاث محرم بدعة لأن الكتاب والسنة عندهم إنما يدلان على ذلك وخالفوا أئمتهم وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة رأوا غسل الدهن النجس وهو خلاف قول الأئمة الأربعة
وطائفة من أصحاب أبي حنيفة رأوا تحليف الناس بالطلاق وهو خف الأئمة الأربعة بل ذكر ابن عبد البر أن الإجماع منعقد على خلافه وطائفة من أصحب مالك وغيرهم قالوا من حلف بالطلاق فإنه يكفر يمينه وكذلك من حلف بالعتاق وكذلك قال طائفة من أصحاب أبي حنيفة الشافعي وقالوا إن من قال الطلاق يلزمني لا يقع به طلاق ومن حلف بذلك لا يقع به طلاق وهذا منقول عن أبي حنيفة نفسه
وطائفة من العلماء قالوا إن الحالف بالطلاق لا يقع به طلاق ولا تلزمه كفارة وقد ثبت عن الصحابة وأكابر التابعين في الحلف بالعتق أنه لا يلزمه بل تجزئه كفارة يمين وأقوال الأئمة الأربعة بخلافه فالحلف بالطلاق بطريق الأولى ولهذا كان من هو من أئمة التابعين يقول الحلف بالطلاق لا يقع به الطلاق ويجعله يمينا فيه الكفارة
وهذا بخلاف إيقاع الطلاق فإنه إذا وقع على الوجه اشرعي وقع باتفاق الأمة ولم تكن فيه كفارة باتفاق الأمة بل لا كفارة في الإيقاع مطلقا وإنما الكفارة خاصة في الحلف فإذا تنازع المسلمون في مسألة وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب أتباعه كقول من فرق بين النذر والعتق والطلاق وبين اليمين بذلك فإن هذا هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس فإن الله ذكر حم الطلاق في قوله تعالى: { إذا طلقتم النساء } وذكر حكم اليمين في قوله: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم }
وثبت في الصحاح عن النبي ﷺ أنه قال: [ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ]
فمن جعل اليمين بها لها حكم والنذر والاعتاق والتطليق له حكم آخر كان قوله موافقا للكتاب والسنة ومن جعل هذا وهذا سواء فقد خالف الكتاب والسنة ومن ظن في هذا إجماعا كان ظنه بحسب علمه حيث لم يعلم فيه نزاعا وكيف تجتمع الأمة على قول ضعيف مرجوح ليس عليه حجة صحيحة بل الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والقياس الصحيح يخالفه
والصيغ ثلاثة: صيغة إيقاع كقوله: أنت طالق فهذه ليست يمينا باتفاق الناس وصيغة قسم كقوله: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا فهذه صيغة يمين باتفاق الناس وصيغة تعليق كقوله: إن زنيت فأنت طالق هذا إن قصد به الإيقاع عند وجود الصفة بأن يكون يريد إذا زنت إقاع الطلاق ولا يقيم مع زانية فهذا إيقاع وليس بيمين وإن قصد منعها وزجرها ولا يريد طلاقها إذا زنت فهذا يمين باتفاق الناس
فصل
وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم بعضهم له باتفاق العلماء وإن قال بعضهم قولا ولم يقل بعضهم بخلافة ولم ينتشر فهذا فيه نزاع وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه والشافعي في أحد قوليه وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع ولكن من الناس من يقول هذا هو القول القديم
فصل
والمرسل من الحديث أن يرويه من دون الصحابة ولا يذكر عمن أخذه من الصحابة ويحتمل أنه أخذه من غيرهم ثم من الناس من لا يسمي مرسلا إلا ما أرسله التابعي ومنهم من يعد ما أرسله غير التابعي مرسلا وكذلك ما يسقط من إسناده رجل فمنهم من يخصه باسم المنقطع ومنهم من يدرجه في اسم المرسل كما أن فيهم من يسمي كل مرسل منقطعا وهذا كله سائغ في اللغة
وأما الغريب: فهو الذي لا يعرف إلا من طريق واحد ثم قد يكون صحيحا كحديث [ إنما الأعمال بالنيات ] ونهيه عن بيع الولاء وهبته وحديث أنه دخل مكة وعلى رأسه المغفر فهذه صحاح في البخاري ومسلم وهي غريبة عند أهل الحديث
فالأول: إنما ثبت عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب
والثاني: إنما يعرف من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر
والثالث: إنما يعرف من رواية مالك عن الزهري عن أنس ولكن أكثر الغرائب ضعيفة
وأما الحسن في اصطلاح الترمذي فهو ما روي عن وجهين وليس في روايته من هو متهم بالكذب ولا هو شاذ مخالف الأحاديث الصحيحة فهذه الشروط هي التي شرطها الترمذي في الحسن لكن من الناس من يقول قد يسمى حسنا ما ليس كذلك مثل حديث يقول فيه: حسن غريب فإنه لم يرو إلا من وجه واحد وقد سماه حسنا وقد أجيب عنه بأنه قد يكون غريبا لم يرو إلا عن تابعي واحد لكن روي عن من وجهين فصار حسنا لتعدد طرقه عن ذلك الشخص وهو في أصله غريب
وكذلك الصحيح الحسن الغريب قد يكون لأنه روي بإسناد صحيح غريب ثم روي عن الراوي الأصلي بطريق صحيح وطريق آخر فيصير حسنا مع أنه صحيح غريب لأن الحسن ما تعدد طرقه وليس فيها متهم فإن كان صحيحا من الطريقين فهذا صحيح محض وإن كان أحد الطريقين لم تعلم صحته فهذا حسن
وقد يكون غريب الإسناد فلا يعرف بذلك الإسناد إلا من ذلك الوجه وهو حسن المتن لأن المتن روي من وجهين ولهذا يقول: وفي الباب عن فلان وفلان فيكون لمعناه شواهد تبين أن متنه حسن وإن كان إسناده غريبا
وإذا قال مع ذلك إنه صحيح فيكون قد ثبت من طريق صحيح وروي من طريق حسن فاجتمع فيه الصحة والحسن
وقد يكون غريبا من ذلك الوجه لا يعرف بذلك الإسناد إلا من ذلك الوجه
وإن كان هو صحيحا من ذلك الوجه فقد يكون صحيحا غريبا وهذا لا شبهة فيه وإنما الشبهة في اجتماع الحسن والغريب وقد تقدم أنه قد يكون غريبا حسنا ثم صار حسنا وقد يكون حسنا غريبا كما ذكر من المعنيين
وأما المتواتر: فالصواب الذي عليه الجمهور أن المتواتر ليس له عدد محصور بل إذا حصل العلم عن إخبار المخبرين كان الخبر متواترا وكذلك الذي عليه الجمهور أن العلم يختلف باختلاف حال المخبرين به فرب عدد قليل أفاد خبرهم العلم بما يوجب صدقهم وأضعافهم لا يفيد خبرهم العلم ولهذا كان الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم
وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي ﷺ قاله: تارة لتواتره عندهم وتارة لتلقي الأمة له بالقبول
وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وهو أقول أكثر أصحاب الأشعري كالاسفرائني وابن فورك فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي لأن الإجماع معصوم فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تحتف بالأخبار توجب لهم العلم ومن علم ما عملوه حصل له من العلم ما حصل لهم
فصل
وأما شرط البخاري ومسلم فلهذا رجال يروي عنهم يختص بهم ولهذا رجال يروي عنهم يختص بهم وهما مشتركان في رجال آخرين وهؤلاء الذين اتفقا عليهم مدار الحديث المتفق عليه وقد يروي أحدهم عن رجل في المتابعات والشواهد دون الأصل وقد يروي عنه ما عرف من طريق غيره ولا يروي ما انفرد به وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه فيظن من لا خبرة له أن كل ما رواه ذلك الشخص يحتج به أصحاب الصحيح وليس الأمر كذلك فإن معرفة علل الحديث علم شريف يعرفه أئمة الفن كيحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري صاحب الصحيح والدارقطني وغيرهم وهذه علوم يعرفها أصحابها والله أعلم
1041 - / 17 - مسألة: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أهل الجنة هل يتناسلون أم لا؟ وهل الولدان أولاد أهل الجنة؟ وما حكم الأولاد؟
وعن أرواح أهل الجنة والنار إذا خرجت من الجسد هل تكون في الجنة تنعم والتي في النار تعذب؟ أو تكون في مكان مخصوص إلى حيث يبعث الجسد؟
وما حكم ولد الزنا إذا مات هل يكون مع أهل الأعراف أو في الجنة؟ وما الصحيح في أولاد المشركين هل هم من أهل النار أم من أهل الجنة وهل تسمى الأيام في الآخرة كما تسمى في الدنيا مثل السبت والأحد؟
وسئل عن قوله ﷺ [ أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر؟ ]
وعن فاطمة أنها أتت النبي ﷺ وقالت يا رسول الله إن عليا يقوم الليالي كلها إلا ليلة الجمعة فإنه يصلي الوتر ثم ينام إلى أن يطلع الفجر فقال: إن الله يرفع روح علي كل ليلة جمعة تسبح في السماء إلى طلوع الفجر فهل ذلك صحيح أم لا؟ وهل هذا صحيح عن علي أنه قال: اسألوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض؟
أجاب: الحمد لله الولدان الذين يطوفون على أهل الجنة هم خلق من خلق الجنة ليسوا أبناء أهل الدنيا بل أبناء أهل الدنيا إذا دخلوا الجنة يكمل خلقهم كأهل الجنة على صورة آدم أبناء ثلاث وثلاثين سنة في طول ستين ذراعا وقد روي أيضا أن العرض سبعة أذرع وأرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار إلى أن تعاد إلى الأبدان وولد الزنا إن آمن وعمل صالحا دخل الجنة وإلا جوزي بعمله كما يجازى غيره والجزاء على الأعمال لا على النسب وإنما يذم ولد الزنا لأنه مظنة أن يعمل عملا خبيثا كما يقع كثيرا كما تحمد الأنساب الفاضلة لأنها مظنة عمل الخير فأما إذا ظهر العمل فالجزاء عليه وأكرم الخلق عند الله أتقاهم
وأما أولاد المشركين: فأصح الأوجه فيهم جواب رسول الله ﷺ كما في الصحيحين عنه أنه قال: [ ما من مولود إلا يولد على الفطرة الحديث قيل: يا رسول الله أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال: الله أعلم بما كانوا عاملين فلا يحكم على معين منهم لا بجنة ولا نار ]
ويروى أنهم يوم القيامة يمتحنون في عرصات القيامة فمن أطاع الله حينئذ دخل الجنة ومن عصى دخل النار ودلت الأحاديث الصحيحة أن بعضهم في الجنة وبعضهم في النار
والجنة ليس فيها شمس ولا قمر وليل ولا نهار ولكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قبل العرش والله أعلم
وأما قوله: أسفروا بالفجر فإنه أعظم الأجر فإنه صحيح لكن استفاض عن النبي ﷺ أنه كان يغلس بالفجر حتى كانت تنصرف نساء المؤمنين متلفعات بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس فلهذا أول الحديث بوجهين:
أحدها: أنه أراد الأسفار بالخروج منها أي أطيلوا القراءة حتى تخرجوا منها مسفرين فإن النبي ﷺ كان يقرأ فيها بالستين آية إلى المائة نحو نصف جزء
والوجه الثاني: أنه أراد أن يتبين الفجر ويظهر فلا يصلي مع غلبة الظن بطلوعه
وأما الحديث المذكور عن علي: فكذب ما رواه أحد من أهل العلم
وأما قوله: اسألوني عن طرق السماء فأنه قاله ولم يرد بذلك طريقا للهدى وإنما يريد بمثل هذا الكلام الأعمال الصالحة التي يتقرب بها والله أعلم