انتقل إلى المحتوى

الفتاوى الكبرى/كتاب الجنائز/1

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

كتاب الجنائز

163 - 1 - مسألة: عن قوم مسلمين مجاوري النصارى فهل يجوز للمسلم إذا مرض النصراني أن يعوده؟ وإذا مات أن يتبع جنازته؟ وهل على من فعل ذلك من المسلمين وزر أم لا؟

أجاب: الحمد لله رب العالمين لا يتبع جنازته وأما عيادته فلا بأس بها فإنه قد يكون في ذلك مصلحه لتأليفه على الإسلام فإذا مات كافرا فقد وجبت له النار: ولهذا لايصلى عليه والله أعلم

263 - 2 - مسألة: هل يجوز التداوي بالخمر؟

الجواب: التداوي بالخمر حرام بنص رسول لله وعلى ذلك جماهير أهل العلم ثبت عنه في الصحيح: أنه سئل عن الخمر تصنع للدواء فقال: [ إنها داء وليت بدواء ] وفي السنن عنه: أنه نهى عن الدواء بالخبيث وقال ابن مسعود: إن لله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وروى ابن حبان في صحيحه عن النبي أنه قال: [ إن لله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ] وفي السنن أنه سئل عن ضفدع تجعل في دواء فنهى عن قتلها وقال: [ إن نقيقها تسبيح ] وليس هذا مثل أكل المضطر للميتة فإن ذلك يحصل به المقصود قطعا وليس له عنه عوض والأكل منها واجب فمن اضطر إلى الميتة ولم يأكل حتى مات دخل النار وهنا لا يعلم حصول الشفاء ولا يتعين هذا الدواء بل لله تعالى يعافي العبد باسباب متعددة والتداوي ليس بواجب عند جمهور العلماء ولا يقاس هذا بهذا والله أعلم

363 - 3 - سئل: عن المداواة بالخمر: وقول من يقول إنها جائزة فما معنى قول النبي : [ إنها داء وليست بدواء ] فالذي يقول تجوز للضرورة فما حجته وقالوا إن الحديث الذي قال فيه: [ إن الله لم يجعل شقاء أمتي فيما حرم عليها ] ضعيف والذي يقول بجواز المداواة به فهو خلاف الحديث والذي يقول ذلك ما حجته؟

أجاب: وأما التداوي بالخمر فإنه حرام عند جماهير الأئمة: كمالك وأحمد وأبي حنيفة وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي لأنه قد ثبت في الصحيح عن النبي أنه سئل عن الخمر تصنع للدواء فقال: [ إنها داء وليست بدواء ] وفي سنن أبي داود عن النبي : [ أنه نهى عن الدواء الخبيث ] والخمر أم الخبائث وذكر البخاري وغيره عن أبن مسعود أنه قال [ إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ] ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه مرفوعا إلى النبي

والذين جوزوا التداوي بالمحرم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات: كالميتة والدم للمضطر وهذا ضعيف لوجوه:

أحدها: أن المضطر يحصل مقصوده يقينا بتناول المحرمات فإنه إذا أكلها سدت رمقه وأزالت ضرورته وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتيقن حصول الشقاء بها فما أكثر من يتداوى ولا يشفى ولهذا أباحوا دفع الغصة بالخمر لحصول المقصود بها وتعينها له بخلاف شربها للعطش فقد تنازعوا فيه: فإنهم قالوا: إنها لا تروي

الثاني: أن المضطر لا طريق له إلى إزالة ضرورته إلا الأكل من هذه الأعيان وأما التداوي فلا يتعين بتناول هذا الخبيث طريقا لشفائه فإن الأدوية أنواع كثيرة وقد يحصل الشفاء بغير الأدوية كالدعاء والرقية وهو أعظم نوعي الدواء حتى قال بقراط: نسبة طبنا إلى طب أرباب الهياكل كنسبة طب العجائز إلى طبنا

وقد يحصل الشفاء بغير سبب اختياري بل بما يجعله الله في الجسم من القوى الطبيعية ونحو ذلك

الثالث: أن أكل الميتة للمضطر واجب عليه في ظاهر مذهب الأئمة وغيرهم كما قال مسروق: من اضطر إلى الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار وأما التداوي فليس بواجب عند جماهير الأئمة وإنما أوجبه طائفة قليلة كما قال بعض أصحاب الشافعي وأحمد بل قد تنازع العلماء: أيما أفضل: التداوي؟ أم الصبر للحديث الصحيح حديث ابن عباس عن الجارية التي كانت تصرع وسألت النبي أن يدعو لها فقال [ إن أحببت أن تصبري ولك الجنة وإن أحببت دعوت الله أن يشفيك ] فقالت: بل أصبر ولكني انكشف فادع الله لي أن لا أنكشف فدعا لها أن لا تتكشف ولأن خلقا من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون بل فيهم من اختار المرض كأبي بن كعب وأبي ذر ومع هذا فلم ينكر عليهم ترك التداوي

وإذا كان أكل الميتة واجبا والتداوي ليس بواجب لم يجز قياس أحدهما على الآخر فإن ما كان واجبا قد يباح فيه مالا يباح في غير الواجب لكون مصلحة أداء الواجب تغمر مفسدة المحرم والشارع يعتبر المفاسد والمصالح فإذا اجتمعا قدم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة ولهذا أباح في الجهاد الواجب ما لم يبحه في غيره حتى أباح رمي العدو بالمنجنيق وإن أفضى ذلك إلى قتل النساء والصبيان وتعمد ذلك يحرم ونظائر ذلك كثيرة في الشريعة ولله أعلم

364 - 4 - سئل: عن رجل وصف له شحم الخنزير لمرض به: هل يجوز له ذلك؟ أم لا؟

أجاب: وأما التداوي بأكل شحم الخنزير فلا يجوز

وأما التداوي بالتطلخ به ثم يغسله بعد ذلك فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة وفيه نزاع مشهور والصحيح أنه يجوز للحاجة كما يجوز استنجاء الرجل بيده وإزالة النجاسة بيده

وما أبيح للحاجة جاز التداوي به كما يجوز التداوي بلبس الحرير على أصح القولين وما أبيح لضرورة كالمطاعم الخبيثة فلا يجوز التداوي بها كما لا يجوز التداوي بشرب الخمر لاسيما على قول من يقول: إنهم كانوا ينتفعون بشحوم الميتة في طلي السفن ودهن الجلود والاستصباح به وأقرهم النبي على ذلك وإنما نهاهم عن ثمنه

ولهذا رخص من لم يقل بطهارة جلود الميتة بالدباغ في الانتفاع بها في اليابسات في أصح القولين وفي المائعات التي لا تنجسها

365 - 5 - مسألة: فيمن يتداوى بالخمر ولحم الخنزير وغير ذلك من المحرمات هل يباح للضرورة أم لا؟ وهل هذه الآية: { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } في إباحة ما ذكر؟ أم لا؟

الجواب: لا يجوز التداوي بذلك بل قد ثبت في الصحيح عن النبي أنه سئل عن الخمر يتداوى بها فقال: [ إنها داء وليست بدواء ] وفي السنن عنه أنه نهى عن الدواء بالخبيث وقال: [ إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ]

وليس ذلك بضرورة فإنه لا يتيقن الشفاء بها كما يتيقن الشبع باللحم المحرم ولأن الشفاء لا يتعين له طريق بل يحصل بأنواع من الأدوية وبغير ذلك بخلاف المخمصة فإنها لا تزول إلا بالأكل

366 - 6 - مسألة: في المريض إذا قالت له الأطباء: مالك دواء غير أكل لحم الكلب أو الخنزير فهل يجوز له أكله مع قوله تعالى: { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } وقول النبي : [ إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ]؟ وإذا وصف له الخمر أو النبيذ: هل يجوز شربه مع هذه النصوص؟ أم لا؟

وعن النبي هل يؤلف تحت الأرض؟ أم لا؟

الجواب: لا يجوز التداوي بالخمر وغيرها من الخبائث لما رواه وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي عن الخمر فنهاه عنها فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: [ أنه ليس بدواء ولكنه داء ] رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه وعن أبي الدرداء: قال رسول الله : [ أن الله أنزل الدواء وأنزل الداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام ] رواه أبو داود وعن أبي هريرة قال: [ نهى رسول الله عن الدواء بالخبيث ] وفي لفظ يعني السلم رواه أحمد وابن ماجه والترميذي

وعن عبد الرحمن بن عثمان قال: [ ذكر طبيب عند رسول الله دواء وذكر الضفدع تجعل فيه فنهى رسول الله عن قتل الضفدع ] رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقال عبد الله بن مسعود في السكر: [ إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ] ذكره البخاري في صحيحه وقد رواه حاتم بن حبان في صحيحه مرفوعا إلى النبي فهذه النصوص وأمثالها صريحة في النهي عن التداوي بالخبائث مصرحة بتحريم التداوي بالخمر إذ هي أم الخبائث وجماع كل إثم

والخمر اسم لكل مسكر كما ثبت بالنصوص عن النبي كما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عمر عن النبي أنه قال: [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] وفي رواية: [ كل مسكر حرام ] وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: قلت: يا رسول الله ! افتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر: وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد؟ وكان رسول الله قد أعطي جوامع الكلم فقال: [ كل مسكر حرام ]

وكذلك في الصحيحين عن عائشة قالت: سئل رسول الله عن البتع وهو نبيذ العسل - وكان أهل اليمن يشربونه فقال: [ كل شراب اسكر فهو حرام ] ورواه مسلم في صحيحه والنسائي وغيرهما: عن جابر أن رجلا من حبشان من اليمن [ سأل رسول الله عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المزر فقال: أمسكر هو؟ قال: نعم فقال: كل مسكر حرام إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال ] الحديث فهذه الأحاديث المستفيضة صريحة بأن كل مسكر حرام وأنه خمر من أي شيء كان ولايجوز التداوي بشىء من ذلك

وأما قول الأطباء: أنه لا يبرأ من هذا المرض إلا بهذا الدواء المعين فهذا قول جاهل لا يقوله من الطب أصلا فضلا عمن يعرف الله ورسوله فإن الشفاء ليس في سبب معين يوجبه في العادة كما للشبع سبب معين يوجبه في العادة إذ من الناس من يشفيه الله بلا دواء ومنهم من يشفيه الله بالأدوية الجثمانية حلالها وحرامها وقد يستعمل فلا يحصل الشفاء لفوات شريط أو لوجود مانع وهذا بخلاف الأكل فإنه سبب للشبع ولذا أباح الله للمضطر الخبائث أن يأكلها عند الاضطرار إليها في المخمصة فإن الرجوع يزول بها ولا يزو بغيرها بل يموت أو يمرض من الجوع فلما تعينت طريقا إلى المقصود أباحها الله بخلاف الأدوية الخبيثة

بل قد قيل: من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلا غلى مرض في قلبه وذلك في إيمانه فإنه لو كان من أمة محمد المؤمنين لما جعل الله شفاءه فيما حرم الله عليه ولهذا إذا اضطر إلى الميتة ونحوها وجب عليه الأكل في المشهور من مذاهب الأئمة الأربعة وأما التداوي فلا يجب عند أكثر العلماء بالحلال وتنازعوا: هل الأفضل فعله؟ أو تركه على طريق التوكل؟

ومما يبين ذلك أن الله لما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها لم يبح ذلك إلا لمن اضطر إليها غير باغ ولا عاد وفي آية أخرى: { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } ومعلوم أن المتداوي غير مضطر إليها فعلم أنها لم تحل له

وأما ما أبيح لحاجة لا لمجرد الضرورة: كلبس الحرير فقد ثبت في الصحيح: [ أن النبي رخص للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة كانت بهما ] وهذا جائز على أصح قول العلماء لأن لبس الحرير إنما حرم عند الاستغناء عنه ولهذا أبيح للنساء لحاجتين إلى التزين به وأبيح لهن التستر به مطلقا فالحاجة إلى التداوي به كذلك بل أولى وهذه حرمت لما فيها من السرف والخيلاء والفخر وذلك منتف إذا احتيج إليه وكذلك لبسها للبرد: أو إذا لم يكن عنده ما يستتر به غيرها

وأما كونه يؤلف تحت الأرض أولا فلا أصل له وليس عند النبي في تحديد وقت الساعه نص أصلا بل قد قال تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض } أي خفيت على أهل السموات والأرض وقال تعلى لموسى: { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } قال ابن عباس وغيره أكاد أخفيها في نفسي فكيف أطلع عليها

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وهو في مسلم من حديث عمر أن النبي قيل له: متى الساعة؟ قال: [ ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ] فأخبر أنه ليس بأعلم بها من السائل وكان السائل في صورة أعرابي ولم نعلم أنه جبريل إلا بعد أن ذهب وحين أجابه النبي : لم نكن نظنه إلا أعرابيا

فإذا كان النبي قد قال عن نفسه أنه ليس بأعلم بالساعة من الأعرابي فكيف يجوز لغيره أن يدعي علم ميقاتها وإنما أخبر الكتاب والسنه بأشراطهاوهي علاماتها وهي كثيره تقدم بعضها وبعضها يأتي بعد ومن تكلم في وقتها المعين مثل الذي صنف كتابا وسماه الدار المنظم في معرفة المعظم وذكر فيه عشر دلالات بين فيها وقتها والذين تكلموا على ذلك من حروف المعجم والذي تكلم في عنقاء مغرب وأمثال هؤلاء فإنهم وإن كان لهم صورة عظيمة عند اتباعهم فغالبهم كاذبون مفترون وقد تبين كذبهم من وجوه كثيرة ويتكلمون بغير علم وادعوا في ذلك الكشف ومعرفة الأسرار وقد قال تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }

367 - 7 - مسألة: هل الشرع المطهر ينكر ماتفعله الشياطين الجانة من مسها وتخبيطها وجولان بوارقها على بني آدم واعتراضها؟ فهل لذلك معالجه بالمخرقات والأحراز والعزائم والأقسام والرقى والتعوذات والتمائم؟ وان بعض الناس قال: لا يحكم عليهم لأن الجن يرجعون إلى الحقائق عند عامرة الأجساد بالبوار وإن هذه الخواتم المتخذة مع كل إنسان من سرياني وعبراني وعجمي وعربي ليس لها برهان وإنها من مختلق الأقاويل وخرافات الأباطيل وأنه ليس لأحد من بني آدم من القوة ولا من القبض بحيث يفعل ما ذكرنا من متولي هذا الشأن على ممر الدهور ن والأوقات؟

الجواب: الحمد لله وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة قال الله تعالى: { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } وفي الصحيح عن النبي : [ أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ] وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقواما يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع فقال: يا بني يكذبون هذا يتكلم على لسانه

وهذا الذي قاله أمر مشهور فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما والمصروع مع ذلك لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي بقوله وقد يجر المصروع وغير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول آلات وينقل من مكان إلى مكان ويجر غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان

وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك

وأما معالجة المصروع بالرقى والتعوذات فهذا على وجهين:

فإن كانت الرقي والتعاويذ مما يعرف معناها ومما يجوز في دين الإسلام أن يتكلم بها الرجل داعيا لله ذاكرا له ومخاطبا لخلقه ونحو ذلك فإنه يجوز أن يرقى بها المصروع ويعوذ فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي : [ أنه أذن في الرقى مالم تكن شركا ] وقال: [ من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ]

وإن كان في ذلك كلمات محرمه مثل أن يكون فيها شرك أو كانت مجهولة المعنى يحتمل أن يكون فيها كفر فليس لأحد أن يرقي بها ولا يعزم ولا يقسم وإن كان الجني قد ينصرف عن المصروع بها فإنما حرمه الله ورسوله ضرره أكثر من نفعه كالسيما وغيرها من أنواع السحر فإن الساحر السيماوي وإن كان ينال بذلك بعض أغراضه كما ينال السارق بالسرقة بعض أغراضه وكما ينال الكاذب بكذبه وبالخيانة بعض أغراضه وكما ينال الشرك بشركه وكفر بعض أغراضه وهؤلاء وإن نالوا بعض أغراضهم بهذه المحرمات فإنها تعقبهم من الضرر عليهم في الدنيا والآخرة أعظم مما حصلوه من أغراضهم

فإن الله بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فكل ما أمر الله به ورسوله فمصلحته راجحة على مفسدته ومنفعته راجحة على المضرة وإن كرهته النفوس كما قال تعالى: { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } الآية فأمر بالجهاد وهو مكروه للنفوس لكن مصلحته ومنفعته راجحة على ما يحصل للنفوس من ألمه بمنزلة من يشرب الدواء الكريه لتحصل له العافية فإن مصلحة حصول العافية له راجحة على ألم شرب الدواء وكذلك التاجر الذي يتغرب عن وطنه ويسهر ويخاف ويتحمل هذه المكروهات مصلحة الربح الذي يحصل له راجحة على هذه المكاره وفي الصحيحين عن النبي أنه قال: [ حفت الجنه بالمكاره ! وحفت النار بالشهوات ]

وقد قال تعالى في حق الساحر: { ولا يفلح الساحر حيث أتى } وقال تعالى: { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } - إلى قوله: { ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } فبين سبحانه أن هؤلاء يعلمون أن الساحر ماله في الآخرة من نصيب وإنما يطلبون بذلك بعض أغراضهم في الدنيا: { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون } آمنوا واتقوا بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه لكان ما يأتيهم به على ذلك في الدنيا والآخرة خير لهم مما يحصل لهم بالسحر قال تعالى: { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } وقال: { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } وقال:

{ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة } الآيتين وقال: { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئك لهم نصيب مما كسبوا }

والأحاديث فيما يثيب الله عبده المؤمن على الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة كثيرة جدا وليس للعبد أن يدفع كل ضرر بما شاء ولا يجلب كل نفع بما شاء بل لا يجلب النفع إلا بما فيه تقوى الله ولا يدفع الضرر إلا بما فيه تقوى الله فإن كان ما يفعله من العزائم والأقسام والدعاء والخلوة والسهر ونحو ذلك ما أباحه الله ورسوله فلا بأس به وأن كان مما نهى الله عنه ورسوله لم يفعله

فمن كذب بما هو موجود من الجن والشياطين والسحر وما يأتون به على اختلاف أنواعه: كدعاء الكواكب وتخريج القوى الفعالة السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية وما ينزل من الشياطين على كل أفاك أثيم فالشياطين التي تنزل عليهم ويسمونها روحانية الكواكب وأنكروا دخول الجن في أبدان الانس وحضورها بما يستحضرون به من العزائم والأقسام وأمثال ذلك كما هو موجود فقد كذب بما لم يحط به علما

ومن جوز أن يفعل الإنسان بما رآه مؤثرا من هذه الأمور من غير أن يزن ذلك بشريعة الإسلام - فيفعل ما أباحه الله - وقد دخل فيما حرمه الله ورسوله إما من الكفر وإما من الفسوق وإما العصيان ن بل عل كل أحد أن يفعل ما أمر الله به ورسوله ويترك ما نهى الله عنه ورسوله

ومما شرعه النبي من التعوذ فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: [ من قرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطان حتى يصبح ] وفي السنن أنه كان يعلم أصحابه أن يقول أحدهم: [ أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ] ولما جاءته الشياطين بلهب من نار أمر بهذا التعوذ: [ أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ! ]

فقد جمع العلماء من الأذكار والدعوات التي يقوله العبد إذا أصبح وإذا أمسى وإذا نام وإذا خاف شيئا وأمثال ذلك من الأسباب ما فيه بلاغ فمن سلك مثل هذه السبيل فقد سلك سبيل أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ومن دخل في سبيل أهل الجبت والطاغوت الداخلة في الشرك والسحر فقد خسر الدنيا والآخرة وبذلك ذم الله من ذمه من مبدلة أهل الكتاب حيث قال: { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على } - إلى قوله -

{ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } والله سبحانه وتعالى أعلم

فصل

وأما كونه لم يتبين له كيفية الجن ومقالتهم بعدم علمه لم ينكر وجودهم إذ وجودهم ثابت بطرق كثيرة غير دلالة الكتاب والسنة فإن من الناس من رآهم وثبت ذلك عنده بالخبر واليقين ومن الناس من كلمهم وكلموه ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرف فيهم وهذا يكون لصالحين وغير صالحين

ولو ذكرت ما يجري لي ولأصحابي معهم لطال الخطاب وكذلك ما جرى لغيرنا لكن الاعتماد في الأجوبة العلمية على ما يشترك الناس في علمه لا يكون لما يختص بعلمه المجيب إلا أن يكون لمن يصدقه فيما يخبر به

368 - 8 - مسألة: في رجل مبتلي سكن في دار بين قوم أصحاء فقال بعضهم: لا يمكننا مجاورتك ولا ينبغي أن تجاور الأصحاء فهل يجوز إخراجه؟

الجواب: نعم لهم أن يمنعوه من السكن بين الأصحاء فإن النبي قال: [ لا يورد ممرض على مصح ] فنه صاحب الإبل المراض أن يوردها على صاحب الإبل الصحاح مع قوله: [ لا عدوى ولا طيرة ] وكذلك روي أنه لما قدم مجذوم ليبايعه أرسل إليه بالبيعة ولم يأذن له في دخول المدينة

369 - 9 - سئل: عن الصلاة على الميت الذي كان لا يصلي هل لأحد فيها أجر؟ أم لا؟ وهل عليه إثم إذا تركها مع علمه أنه كان لا يصلي؟ وكذلك الذي يشرب الخمر وما كان يصلي هل يجوز لمن كان يعلم حاله أن يصلي عليه أم لا؟

أجاب: أما من كان مظهرا للإسلام فإنه تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة: من المناكحة والموارثة وتغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك لكن من علم منه النفاق والزندقة فإنه لا يجوز لمن علم ذلك منه الصلاة عليه وإن كان مظهرا الإسلام فإن الله نهى نبيه عن الصلاة على المنافقين فقال: { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } وقال: { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم }

وأما من كان مظهرا للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر فهؤلاء لا بد أن يصلي عليهم بعض المسلمين ومن امتنع عن الصلاة على أحدهم زجرا لا مثاله عن مثل ما فعله كما امتنع النبي من الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغال وعلى المدين الذي لا وفاء له وكما كان كثير من السلف يمتنعون من الصلاة على أهل البدع - كان عمله بهذه السنة حسنا وقد قال لجندب بن عبد الله البجلي ابنه: إني لم أنم البارحة بشما فقال ك أما إنك لو مت لم أصل عليك ز كأنه يقول ك قتلت نفسك بكثرة الأكل وهذا من جنس هجر المظهرين الكبائر حتى يتوبوا فإذا كان في ذلك مثل هذه المصلحة الراجحة كان ذلك حسنا ومن صلى على أحدهم يرجو له رحمة الله ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة كان ذلك حسنا ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان تحصيل المصلحتين أولى من تفويت إحداهما

وكل من لم يعلم منه النفاق وهو مسلم يجوز الاستغفار له والصلاة عليه بل يشرع ذلك ويؤمر به كما قال تعالى: { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } وكل من أظهر الكبائر فإنه تسوغ عقوبته بالهجر وغيره حتى ممن في هجره مصلحة له راجحة فتحصل المصالح الشرعية في ذلك بحسب الإمكان والله أعلم

370 - 10 - سئل: عن رجل يصلي وقتا ويترك الصلاة كثيرا أو يصلي هل يصلى عليه؟؟

أجاب: مثل هذا ما زال المسلمون يصلون عليه بلى المنافقون الذين يكتمون النفاق يصلي المسلون عليهم ويغسلون وتجري عليهم أحكام الإسلام كما كان المنافقون في عهد رسول الله

وإن كان من علم نفاق شخص لم يجز له أن يصلي عليه كما نهى النبي عن الصلاة على من علم نفاقه

وأما من شك في حالة فتجوز الصلاة عليه إذا كان ظاهرا الإسلام كما صلى النبي على من لم ينه عنه وكان فيهم من لم يعلم نفاقه كما قال تعلى: { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } ومثل هؤلاء لا يجوز النهي عنه ولكن صلاة النبي والمؤمنين على المنافق لا تنفعه كما قال النبي - لما ألبس ابن أبي قميصه [ وما يغني عنه قميصي من الله ] وقال تعالى: { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم }

وترك الصلاة أحيانا وأمثاله من المتظاهرين بالفسق فأهل العلم والدين إذا كان في هجر هذا وترك الصلاة عليه منفعة للمسلمين بحيث يكون ذلك باعثا لهم على المحافظة على الصلاة عله [ هجروه ولم يصلوا عليه ] كما ترك النبي الصلاة على قاتل نفسه والغال والمدين الذي لا وفاء له وهذا شر منهم

فصل

قد ثبت عن النبي أنه امتنع عن الصلاة على من عليه دين حتى يخلف وفاء قبل أن يتمكن من وفاء الدين عنه فلما تمكن صار هو يوفيه من عنده فصار المدين يخلف وفاء

هذا مع قوله فيما رواه أبو موسى عنه: [ إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه عبد بها بعد الكبائر التي نهى عنها أن يموت الرجل وعليه دين لا يدع قضاء ] رواه أحمد فثبت بهذا ترك الدين بعد الكبائر

فإذا كان قد ترك الصلاة على المدين الذي لا قضاء له فعلى فاعل الكبائر أولى ويدخل في ذلك قاتل نفسه والغال: لما لم يصلى عليه ويستدل بذلك على أنه يجوز لذوي الفضل ترى الصلاة على ذوي الكبائر الظاهرة والدعاء إلى البدع وإن كانت الصلاة عليهم جائزة في الجملة

فأما قوله: [ الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين ] فأراد به أن صاحبه يوفاه

371 - 11 - مسألة: في رجل له مملوك هرب ثم رجع فلما رجع أخذ سكينته وقتل نفسه فهل يأثم سيده؟ وهل تجوز عليه الصلاة؟

الجواب: الحمد لله لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه بل كان عليه إذا لم يمكنه رفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرج الله

فإن كان سيده ظلمه حتى فعل ذلك مثل أن يقتر عليه في النفقة أويعتدي عليه في الاستعمال أو يضربه بغير حق أو يريد به فاحشة ونحو ذلك فإن على سيده من الوزر بقدر ما نسب إليه من المعصية

ولم يصل النبي على من قتل نفسه فقال لأصحابه: [ صلوا عليه ] فيجوز لعموم الناس أن يصلوا عليه وأما أئمة الدين الذين يقتدي بهم فإذا تركوا الصلاة عليه زجرا لغيره اقتداء بالنبي فهذا حق والله أعلم

372 - 12 - سئل: عن رجل يدعي المشيخة: فرأى ثعبانا فقام بعض من حضر ليقتله فمنعه عنه وأمسه بيده على معنى الكرامة له فلدغه الثعبان فمات فهل تجوز الصلاة عليه؟ أم لا؟

الجواب: الحمد الله رب العالمين ينبغي الأهل العلم والدين أن يتركوا الصلاة على هذا ونحوه وإن كان يصلي عليه عموم الناس كما امتنع النبي من الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغال من الغنيمة وقال: [ صلوا على صاحبكم ] وقالوا لسمرة بن جندب: إن ابنك البارحة لم يبت فقال: بشما؟ قالوا: نعم ! قال: أما إنه لو مات لم أصل عليه فبين سمرة أنه لو مات بشما لم يصل عليه لأنه يكون قاتلا لنفسه بكثرة الأكل

فهذا الذي منع من قتل الحية وأمسكها بيده حتى قتلته أولى أن يترك أهل العلم والدين الصلاة عليه لأنه قاتل نفسه بل لو فعل هذا غيره به لوجب القود عليه

وإن قيل: إنه ظن أنها لا تقتل فهذا شبيه عمله بمنزلة الذي أكل حتى بشم فإنه لم يقصد قتل نفسه فمن جنلى جناية لا تقتل غالبا كان شبه عمد وإمساك الحيات من نوع الجنايات فإنه فعل غير مباح وهذا لم يقصد بهذا الفعل إلا إظهار خارق العادة ولم يكن معه ما بمنع انخراق العادة

كيف وغلب هؤلاء كذابون ملبسون خارجون عن أمر الله تعالى ونهيه يخرجون الناس عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان ويفسدون عقل الناس ودينهم ودنياهم فيجعلون العاقل مولها كالمجنون أو متولها بمنزلة الشيطان المفتون ويخرجون الإنسان عن الشريعة التي بعث الله بها رسوله إلى بدع مضادة لها فيفتلون الشعور ويكشفون الرؤوس بدلا عن سنة رسول الله من ترجيل الشعر وتغطية الرأس ويجتمعون على المكاء والتصدية بدلا عن سنة الله ورسوله من الاجتماع على الصلوات الخمس وغيرها من العبادات ويصلون صلاة ناقصة الأركان والواجبات ويجتمعون على بدعهم المنكرة على أتم الحالات ويصنعون اللاذن وماء الورد والزعفران لإمساك الحيات ودخول النار بأنواع من الحيل الطبيعية والأحوال الشيطانية بدلا عما جعله الله لأوليائه المتقين من الطرق الشرعية والأحوال الرحمانية ويفسدون من يفسدونه من النساء والصبيان بدلا عما أمر الله به من العفة وغض البصر وحفظ الفرج وكف اللسان

ومن كان مبتدعا ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه ومن الإنكار المشروع أن يهجر حتى يتوب ومن الهجلر أمتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينزجر من يشتبه بطريقته ويدعوا إليه وقد أمر بمثل هذا مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة والله أعلم

373 - 13 - سئل: عن رجل ركب البحر للتجارة: فغرق فهل مات شهيدا؟

أجاب: نعم، مات شهيدا إذا لم يكن عاصيا بركوبه فإنه قد صح عن النبي أنه قال: [ الغريق شهيد والمبطون شهيد والحريق شهيد والميت بالطاعون شهيد والمرأة تموت في نفاسها شهيدة وصاحب الهدم شهيد ] وجاء ذكر هؤلاء

وركوب البحر للتجارة جائز إذا غلب على الظن السلامة وأما بدون ذلك له أن يركبه للتجارة فإن فعل فقد أعان على قتل نفسه ومثل هذا لا يقال: إنه شهيد والله أعلم

374 - 14 - سئل: عن رفع الصوت في الجنازة؟

أجاب: الحمد لله لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفا بل قد روي عن النبي : [ أنه نهى أن يتبع بصوت أو نار ] رواه أبو داود وسمع عبد لله بن عمر رضي الله عنهما رجلا يقول في جنازة: استغفروا لأخيكم فقال ابن عمر: وقال قيس بن عباد - وهو من أكابر التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه -: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز وعند الذكر وعند القتال

وقد أتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة

وأما قول السائل: أن هذا قد صار إجماعا من الناس فليس كذلك بل مازال في المسلمين من يكره ذلك وما زالت جنائز كثيرة تخرج بغير هذا في عدة أمصار من أمصار المسلمين

وأما كون أهل البلد أو بلدين أو عشر: تعودوا ذلك فليس هذا بإجماع: بل أهل مدينة النبي التي نزل قرأن والسنة وهي دار الهجرة والنصرة ولإيمان والعلم لم يكونوا يغفلون ذلك بل لو اتفقوا في مثل زمن مالك وشيوخه على شيء ولم ينقلوه عن النبي أو خلفائه لم يكن إجماعهم حجة عند جمهور المسلمين وبعد زمن مالك وأصحابه ليس إجماعهم حجة باتفاق المسلمين فكيف بغيرهم من أهل الأمصار

وأما قول القائل: أن هذا يشبه بجنائز اليهود والنصارى فليس كذلك بل أهل الكتاب عادتهم رفع الأصوات مع الجنائز وقد شرط عليهم في شروط أهل الذمة أن لا يفعلوا ذلك ثم إنما نهينا عن التشبه بهم فيما ليس هو من طريق سلفنا الأول وأما إذا اتبعنا طريق سلفنا الأول كنا مصيبين وإن شاركنا في بعض ذلك من شاركنا كما أنهم يشاركوننا في الدفن في الأرض وفي غير ذلك

375 - / 15 سئل: عن امرأة نصرانية بعلها مسلم: توفيت وفي بطنها جنين له سبعة أشهر فهل تدفن مع المسلمين؟ أو مع النصارى؟

الجواب: لا تدفن في مقابر المسلمين ولا مقابر النصارى لأنه اجتمع مسلم وكافر فلا يدفن الكافر مع المسلمين ولا المسلم مع الكافرين بل تدفن منفردة ويجعل ظهرها إلى القبلة لأن وجه الطفل إلى ظهرها فإذا دفنت كذلك كان وجه الصبي المسلم مستقبل القبلة والطفل مسلما بإسلام لأبيه وإن كانت أمه كافرة باتفاق العلماء

376 - / 16 سئل: مفتي الأنام بقية السلف الكرام تقي الدين بقية المجتهدين أثابه الله وأحسن إليه عن تلقين الميت في قبره بعد الفراغ من دفنه هل صح فيه حديث عن النبي أو عن صحابته؟ وهل إذا لم يكن فيه شيء يجوز فعله؟ أم لا؟

أجاب: هذا التلقين المذكور قد نقل عن طائفة من الصحابة: أنهم أمروا به كأبي أمامه الباهلي وغيره وروي فيه حديث عن النبي لكنه مما لا يحكم بصحته ولم يكن كثير من الصحابة يفعل ذلك فلهذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء: أن هذا التلقين لا بأس به فرخصوا فيه ولم يأمروا به واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وكره طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم

والذي في السنن عن النبي : أنه كان يقوم على قبر الرجل من أصحابه إذا دفن ويقول: [ سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ] وقد ثبت في الصحيحين أن النبي قال: [ لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله ] فتلقين المحتضر سنة مأمور بها وقد ثبت أن المقبور يسأل ويمتحن وأنه يؤمر بالدعاء له فلهذا قيل: أن التلقين ينفعه فإن الميت يسمع النداء كما ثيت في الصحيح عن النبي أنه قال: [ أنه ليسمع قرع نعالهم ] وأنه قال: [ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ] وأنه أمرنا بالسلام على الموتى فقال: [ ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله روحه حتى يرد عليه السلام ] والله أعلم

377 - / 17 سئل: هل يجب تلقين الميت بعد دفنه؟ أم لا؟ وهل القراءة تصل إلى الميت؟

الجواب: تلقينه بع موته ليس واجبا بالإجماع ولا كان من عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النبي وخلفائه بل ذلك مأثور عن طائفة من الصحابة كأبي أمامة وواثلة بن الأسقع

فمن الأئمة من رخص فيه كالإمام أحمد وقد استحبه طائفة من أصحابه وأصحاب الشافعي ومن العلماء من يكرهه لاعتقاده أنه بدعة فالأقوال فيه ثلاثة: الاستحباب والكراهة والإباحة وهذا أعدل الأقوال

فأما المستحب الذي أمر به وحض عليه النبي فهو الدعاء للميت

وأما القراءة على القبر فكرهها أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ولم يكن يكرهها قي الأخرى وإنما رخص فيها لأنه بلغه أن ابن عمر أوصى أن يقرأ عند قبره بفواتح البقرة وخواتيمها وروي عن بعض الصحابة قراءة سورة البقرة فالقراءة عند الدفن مأثورة في الجملة وأما بعد ذلك فلم ينقل فيه أثر والله أعلم

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16