الفتاوى الكبرى/كتاب الحدود/2
حد الزنا
48 - 694 - سئل: عمن زنا بأخته: ماذا يجب عليه؟
الجواب: وأما من زنا بأخته مع علمه بتحريم ذلك وجب قتله والحجة في ذلك ما رواه البراء بن عازب قال: مر بي أبو بردة ومعه راية فقلت: أين تذهب يا خالي ! قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج بامرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وأخمس ماله والله أعلم
49 - 695 - مسألة: في امرأة مزوجة بزوج كامل ولها أولاد فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور فلما ظهر أمرها سعت في مفارقة الزوج: فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل؟ وهل عليهم إثم في قطعها؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرا؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم؟
الجواب: الحمد لله الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها وإن احتاجت إلى القيد قيدوها وما ينبغي للولد أن يضرب أمه وأما برها فليس لهم أن يمنعوها برها ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء بل يمنعوها بحسب قدرتهم وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره وعليهم الاثم في ذلك
50 - 696 - مسألة: في بلد فيها جوار سائبات يزنون مع النصارى والمسلمين؟
الجواب: على سيد الأمة إذا زنت أن يقيم عليها الحد كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: [ إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إن زنت فليجلدها ثم إن زنت فليجلدها ثم إن زنت في الرابعة فليبعها ولو بظفير ] والظفير الحبل فإن لم يفعل ما أمره به رسول الله ﷺ كان عاصيا لله ورسوله وكان إصراره على العصية قادحا في عدالته فأما إذا كان هو يرسلها لتبغي وتنفق على نفسها من مهر البغاء أو يأخذ هو شيئا من ذلك فهذا ممن لعنه الله ورسوله وهو فاسق خبيث آذن في الكبيرة وآخذ مهر البغي ولم ينهها عن الفاحشة ومثل هذا لا يجوز أن يكون معدلا بل لا يجوز إقراره بين المسلمين بل يستحق العقوبة الغليظة حتى يصون إماءه وأقل العقوبة أن يهجر فلا يسلم عليه ولا يصلى خلفه إذا أمكنت الصلاة خلف غيره ولا يستشهد ولا يولي ولاية أصلا ومن استحل ذلك فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل وكان مرتدا لا ترثه ورثته المسلمون وإن كان جاهلا بالتحريم عرف ذلك حتى تقوم عليه الحجة فإن هذا من المحرمات المجمع عليها
697 - 51 - سئل: عمن حلف لولده أنه إن فعل منكرا يقيم عليه الحد فأقر لوالده فضربه مائة جلدة وبقي تغريب عام: فهل يجوز في تغريب العام كفارة أم لا؟
الجواب: إنه إذا غربه في الحبس ولو في دار الأب بر في يمينه وإن كان مطلقا غير مقيد في موضع معين فإنه لا يجب القيد ولا جعله في مكان مظلم والله أعلم
52 - 698 - مسألة: فيمن وجب عليه حد الزنا فتاب قبل أن يحد: فهل يسقط عنه الحد بالتوبة؟
الجواب: إن تاب من الزنا والسرقة أو شرب الخمر قبل أن يرفع إلى الإمام: فالصحيح أن الحد يسقط عنه كما يسقط عن المحاربين بالاجماع إذا تابوا قبل القدرة
53 - 699 - سئل: عن رجل أذنب ذنبا يجب عليه حد من الحدود: مثل جلد أو حصب ثم تاب من ذلك الذنب وأقلع واستغفر ونوى أن لا يعود: فهل يجزئه ذلك؟ أو يحتاج مع ذلك إلى أن يأتي إلى ولي الأمر ويعرفه بذنبه ليقيم عليه الحد أم لا؟ وهل ستره على نفسه وتوبته أفضل أم لا؟
الجواب: إذا تاب توبة صحيحة تاب الله عليه من غير حاجة إلى أن يقر بذنبه حتى يقام عليه الحد وفي الحديث: [ من ابتلي بشيء من هذه القازورات فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ] وفي الأثر أيضا: من أذنب سرا فليتب سرا ومن أذنب علانية فليتب علانيةوقد قال تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } الأية
54 - 700 - مسألة: في إثم المعصية وحد الزنا: هل تزاد في الأيام المباركة أم لا؟
الجواب: نعم المعاصي في الأيام المفضلة والأمكنة المفضلة تغلظ وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان
701 - / 55 - مسألة: في امرأة قوادة تجمع الرجال والنساء وقد ضربت وحبست ثم عادت تفعل ذلك وقد لحق الجيران الضرر بها: فهل لولي الأمر نقلها من بينهم أم لا؟
الجواب: نعم ! لولي الأمر كصاحب الشرطة أن يصرف ضررها بما يراه مصلحة: إما بحبسها وإما بنقلها عن الحرائر وإما بغير ذلك مما يرى فيه المصلحة وقد كان عمر بن الخطاب يأمر العزاب أن لا تسكن بين المتأهلين وأن لا يسكن المتآهل بين العزاب وهكذا فعل المهاجرون لما قدموا المدينة على عهد النبي ﷺ ونفوا شابا خافوا الفتنة به من المدينة إلى البصرة وثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ نفى المخنثين وأمر بنفيهم من البيوت خشية أن يفسدوا النساء فالقوادة شر من هؤلاء والله يعذبها مع أصحابها
702 - / 56 - مسألة: في الفاعل والمفعول به بعد إدراكهما ما يجب عليهما؟ وما يطهرهما؟ وما ينويان عند الطهارة؟
الجواب: أما الفاعل والمفعول به فيجب قتلهما رجما بالحجارة سواء كانا محصنين أو غير محصنين لما في السنن عن النبي ﷺ أنه قال: [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ] ولأن أصحاب النبي ﷺ اتفقوا على قتلهما وعليهما الاغتسال من الجنابة وترتفع الجنابة من الاغتسال لكن لا يطهران من نجاسة الذنب إلا بالتوبة وهذا معنى ما روي: أنهما لو اغتسلا بالماء ينويان رفع الجنابة واستباحة الصلاة
57 - 703 - مسألة: في قوله في التهذيب: من أتى بهيمة فاقتلوا المفعول واقتلوا الفاعل بها: فهل يجب ذلك أم لا؟
الجواب: الحمد لله هذا فيه حديث رواه أبو داود في السنن وهو قوله: [ من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها ] وهو أحد قولي العلماء كأحد القولين في مذهب أحمد ومذهب الشافعي
حد القذف
58 - 704 - مسألة: فيمن قذف رجلا لأنه ينظر إلى حريم الناس وهو كاذب عليه فما يجب على القاذف؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر فإنه يعزر على افترائه على هذا الشخص بما يزجره وأمثاله إذا طلب المقذوف ذلك
705 - 59 - مسألة: في رجل تزوج امرأة من أهل الخير وله مطلقة وشرط إن رد مطلقته كان الصداق حالا ثم إنه رد المطلقة وقذف هو ومطلقته عرض الزوجة ورموها بالزنا بأنها كانت حاملا من الزنا وطلقها بعد دخوله بها: فما الذي يجب عليهما؟ وهل يقبل قولهما؟ وهل يسقط الصداق أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين أما مطلقته فتحد على قذفها ثمانين جلدة إذا طلبت ذلك المرأة المقذوفة ولا تقبل لها شهادة أبدا لأنها فاسقة وكذلك الرجل عليه ثمانون جلدة إذا طلبت المرأة ذلك ولا تقبل له شهادة أبدا وهو فاسق إذا لم يتب
وهل له إسقاط الحد باللعان؟ فيه للفقهاء ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره قيل: يلاعن وقيل: إن كان ثم ولد يريد نفيه لاعن وإلا فلا وصداقها باق عليه لايسقط باللعان كما سن ذلك رسول الله ﷺ وهذا كله باتفاق الأئمة إلا ما ذكرناه من جواز اللعان ففيه الأقوال الثلاثة
أحدهما: لا يلاعن بل يحد حد القذف وتسقط شهادته وهذا مذهب أحمد في أشهر الروايات عنه وأحد الوجهين في مذهب الشافعي
والثاني: يلاعن وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه
والثالث: إن كان هناك حمل لاعن لنفيه وإلا فلا وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي ورواية عن أحمد والله أعلم
60 - 706 مسألة: في رجل قال لرجل: أنت فاسق شارب الخمر ومنعه من أجرة ملكه الذي يملك انتفاعه شرعا؟
الجواب: إذا كان المقذوف محصنا وجب على القاذف حد القذف إذا طلبه المقذوف وأما شتمه بغير ذلك إذا كان كاذبا فعليه أن يعزر على ذلك وأما ضربه وحبسه إذا كان ظالما فإنه يفعل به كما فعل وما عطله عليه من المنفعة ضمنه
61 - 707 مسألة: في رجل قذف رجلا وقال له: أنت علق ولد زنا: فما الذي يجب عليه؟
الجواب: إذا قذفه بالزنا أو أو اللواط كقوله: أنت علق وكان ذلك الرجل حرا مسلما لم يشتهر عنه ذلك فعليه حد القذف إذا طلبه المقذوف وهو ثمانون جلدة إن كان القاذف حرا وأربعون إن كان رقيقا: عند الأئمة الأربعة
حد المسكر
62 - 708 - مسألة: في الخمر والميسر هل ( فيهما إثم كبير ومنافع للناس )؟ وما هي المنافع؟
الجواب: هذه الآية أول ما نزلت في الخمر فإنهم سألوا عنها النبي ﷺ فأنزل الله هذه الآية ولم يحرمها فأخبرهم أن فيها إثما وهو ما يحصل بها من ترك المأمور وفعل المحظور وفيها منفعة وهو ما يحصل من اللذة ومنفعة البدن والتجارة فيها فكان من الناس من لم يشربها ومنهم من شرب ثم بعد هذا شرب قوم الخمر فقاموا يصلون وهم سكارى فخلطوا في القراءة فأنزل الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فنهاهم عن شربها قرب الصلاة فكان منهم من تركها ثم بعد ذلك أنزل الله تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } فحرمها الله في هذه الآية من وجوه متعددة فقالوا: انتهينا انتهينا ومضى حينئذ أمر النبي ﷺ بإراقتها الدنان والظروف ولعن عاصرها ومعتصرها وشاربها وآكل ثمنها
63 - 709 مسألة: هل يجوز شرب قليل ما أسكر كثيره من غير خمر العنب: كالصرماء والقمز والمزر؟ أو لا يحرم إلا القدح الأخير؟
الجواب: الحمد لله قد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى قال: قلت يا رسول الله ! افتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع وهو العسل ينبذ حتى يشتد والمزر وهو من الذرة ينبذ حتى يشتد قال: وكان رسول الله ﷺ قد أعطي جوامع الكلم فقال: [ كل مسكر حرام ] وعن عائشة قالت: سألت رسول الله ﷺ عن البتع وهو نبيذ العسل وكان أهل اليمن يشربونه فقال: [ كل شراب أسكر فهو حرام ] وفي صحيح مسلم عن جابر [ أن رجلا من اليمن سأل رسول الله ﷺ عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المزر فقال: أمسكر هو؟ قال: نعم فقال: كل مسكر حرام إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا: يا رسول الله ! وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار ]
ففي هذه الأحاديث الصحيحة أن النبي ﷺ سئل عن أشربة من غير العنب كالمزر وغيره فأجابهم بكلمة جامعة وقاعدة عامة: [ إن كل مسكر حرام ] وهذا يبين أنه أراد كل شراب كان جنسه مسكرا حرام سواء سكر منه أو لم يسكر كما في خمر العنب ولو أراد بالمسكر القدح الأخير فقط لم يكن الشراب كله حراما ولكان بين لهم فيقول أشربوا منه ولا تسكروا ولأنه سألهم عن المزر أمسكر هو؟ فقالوا: نعم فقال: كل مسكر حرام فلما سألهم أمسكر هو؟ إنما أراد يسكر كثيره كما يقال الخبز يشبع والماء يروي وإنما يحصل الري والشبع بالكثير منه لا بالقليل كذلك المسكر إنما يحصل السكر بالكثير منه فلما قالوا له: هو مسكر قال: كل مسكر حرام فبين أنه أراد بالمسكر كما يراد بالمشبع والمروي ونحوهما ولم يرد آخر قدح وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ قال: [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] وفي لفظ: [ كل مسكر حرام ] ومن تأوله على القدح الأخير لا يقول: إنه خمر والنبي ﷺ جعل كل مسكر حراما
وفي السنن عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله ﷺ [ إن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا ومن الزبيب خمرا ومن العسل خمرا ] وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب قال على منبر النبي ﷺ: أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل والأحاديث في هذا الباب كثيرة عن النبي ﷺ تبين أن الخمر التي حرمها اسم لكل مسكر سواء كان من العسل أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو لبن الخيل أو غير ذلك وفي السنن عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: [ كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام ] قال الترمذي حديث حسن وقد روى أهل السنن عن النبي ﷺ: [ ما أسكر كثيره فقليله حرام ] من حديث جابر وابن عمر وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وغيرهم وصححه الدارقطني وغيره وهذا الذي عليه جماهير أئمة المسلمين: من الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار والآثار
ولكن بعض علماء المسلمين سمعوا أن النبي ﷺ رخص في النبيذ وأن الصحابة كانوا يشربون النبيذ: فظنو أنه المسكر وليس كذلك بل النبيذ الذي شربه النبي ﷺ والصحابة هو أنهم كانوا ينبذون التمر أو الزبيب أو نحو ذلك في الماء حتى يحلوا فيشربه أول يوم وثاني يوم وثالث يوم ولا يشربه بعد ثلاث لئلا تكون الشدة قد بدت فيه وإذا اشتد قبل ذلك لم يشرب وقد روى أهل السنن عن النبي ﷺ أنه قال: [ ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ] وروي هذا عن النبي ﷺ من أربعة أوجه وهذا يتناول من شرب هذه الأشربة التي يسمونها الصرما وغير ذلك والأمر في ذلك واضح فإن خمر العنب قد أجمع المسلمون على تحريم قليلها وكثيرها ولا فرق في الحس ولا العقل بين خمر العنب والتمر والزبيب والعسل فإن هذا يصد عن ذكر وعن الصلاة وهذا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهذا يوقع العداوة والبغضاء وهذا يوقع العداوة والبغضاء
والله سبحانه قد أمر بالعدل والاعتبار وهذا هو القياس الشرعي وهو التسوية بين المتماثلين فلا يفرق الله ورسوله بين شراب مسكر وشراب مسكر فيبيح قليل هذا ولا يبيح قليل هذا بل يسوي بينهما وإذا كان قد حرم القليل من أحدهما حرم القليل منهما فإن القليل يدعو إلى الكثير وأنه سبحانه أمر باجتناب الخمر ولهذا يؤمر بإراقتها ويحرم اقتناؤها وحكم بنجاستها وأمر بجلد شاربها كل ذلك حسما لمادة الفساد فكيف يبيح القليل من الأشربة المسكرة ! ! والله أعلم
64 - 710 مسألة: في نبيذ التمر والزبيب والمزر والسويفة التي تعمل من الجزر الذي يعمل من العنب يسمى النصوح: هل هو حلال؟ وهل يجوز استعمال شيء من هذا أم لا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين كل شراب مسكر فهو خمر فهو حرام بسنة رسول الله ﷺ المستفيضة عنه باتفاق الصحابة كما ثبت عنه في الصحيح من حديث أبي موسى: أنه سئل عن شراب يصنع من الذرة يقال له المزر وشراب يصنع من العسل يقال له البتع وكان قد أوتي النبي ﷺ جوامع الكلم فقال: [ كل مسكر حرام ] وفي الصحيحين عن عائشة أنه قال: [ كل شراب أسكر فهو حرام ] وفي الصحيح عن ابن عمر عنه أنه قال: [ كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ] وفي لفظ الصحيح: [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] وفي السنن عنه أنه قال: [ ما أسكر كثيره فقليله حرام ] وقد صحح ذلك غير واحد من الحفاظ
والله عز وجل حرم عصير العنب النيء إذا غلا واشتد وقذف بالزبد لما فيه من الشدة المطربة التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتوقع العداوة والبغضاء وكل ما كانت فيه هذه الشدة المطربة فهو خمر من أي مادة كان: من الحبوب والثمار وغير ذلك وسواء كان نيئا أو مطبوخا لكنه إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه لم يبق مسكرا اللهم إلا أن يضاف إليه أفاويه أو نوع آخر
والأصل في ذلك أن كل ما أسكر فهو حرام وهذا مذهب جماهير العلماء الأئمة كما قال الشافعي وأحمد وغيرهم وهذا المسكر يوجب الحد على شاربه وهو نجس عند الأئمة
وكذلك الحشيشة المسكرة يجب فيها الحد وهي نجسة في أصح الوجوه وقد قيل: إنها طاهرة وقيل: يفرق بين يابسها ومائعها: والأول الصحيح لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النيء بخلاف ما لا يسكر بل يغيب العقل كالبنج أو يسكر بعد الاستحالة كجوزة الطيب فإن ذلك ليس بنجس ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها فإنه لولا ما فيها من اللذة لم يتناولوها ولا أكلوها بخلاف البنج ونحوه مما لا لذة فيه والشارع فرق في المحرمات بين ما تشتهيه النفوس وما لا تشتهيه فما لا تشتهيه النفوس كالدم والميتة اكتفى فيه بالزاجر الشرعي فجعل العقوبة فيه التعزير وأما ما تشتهيه النفوس فجعل فيه مع الزاجر الشرعي زاجرا طبيعيا وهو الحد والحشيشة من هذا الباب
65 - 711 مسألة: في عن النصوح هل هو حلال أم حرام؟ وهم يقولون: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعمله
وصورته أن يأخذ ثلاثين رطلا من ماء عنب ويغلى حتى يبقى ثلثه فهل هذه صورته؟ وقد نقل من فعل بعض ذلك أنه يسكر وهو اليوم جهارا في الاسكندرية ومصر ونقول لهم: هو حرام فيقولون: كان على زمن عمر ولو كان حراما لنهي عنه؟
أجاب: الحمد لله قد ثبت بالنصوص المستفيضة عن النبي ﷺ في الصحاح والسنن والمسانيد أنه حرم كل مسكر وجعله خمرا كما في صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] وفي لفظ [ كل مسكر حرام ] وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي ﷺ أنه قال: [ كل شراب أسكر فهو حرام ] وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي ﷺ: أنه سئل عن شراب العسل يسمى المزر وكان قد أوتي جوامع الكلم فقال: [ كل مسكر حرام ] وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال على المنبر - منبر النبي ﷺ - أن الله حرم الخمر وهي من خمسة أشياء: من الحنطة والشعير والعنب والتمر والزبيب والخمر ما خامر العقل وهو في السنن مسند عن ابن عمر عن النبي ﷺ وروى عنه من غير وجه أنه قال: [ ما أسكر كثيره فقليله حرام ] وقد صححه طائفة من الحفاظ والأحديث في ذلك كثيرة
فذهب أهل الحجاز واليمن ومصر والشام والبصرة وفقهاء الحديث: كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: أن كل ما أسكر كثيره فقليله حرام وهو خمر عندهم من أي مادة كانت: من الحبوب والثمار وغيرها سواء كان من العنب أو التمر أو الحنطة أو الشعير أو لبن الخيل أو غير ذلك فمتى كان كثيره مسكرا حرم قليله بلا نزاع بينهم
ومع هذا فهم يقولون بما ثبت عن عمر فإن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام وأراد أن يطبخ للمسلمين شرابا لا يسكر كثيره طبخ العصير حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وصار مثل الرب فأدخل فيه أصبعه فوجده غليظا فقال: كأنه الطلا يعني الطلا الذي يطلى به الإبل فسمو ذلك الطلا فهذا الذي أباحه عمر لم يكن يسكر وذكر ذلك أبو بكر عبد العزيز بن جعفر صاحب الخلال: أنه مباح بإجماع المسلمين وهذا بناء على أنه لا يسكر ولم يقل أحد من الأئمة المذكورين إنه مباح مع كونه مسكرا
ولكن نشأت شبهة من جهة أن هذا المطبوخ قد يسكر لأشياء إما لأن طبخه لم يكن تاما فإنهم ذكروا صفة طبخه أنه يغلى عليه أولا حتى يذهب وسخه ثم يغلى عليه بعد ذلك حتى يذهب ثلثاه فإذا ذهب ثلثاه والوسخ فيه كان الذاهب منه أقل من الثلثين لأن الوسخ يكون حينئذ من غير الذاهب وإما من جهة أنه قد يضاف إلى المطبوخ من الأفاويه وغيرها ما يقويه ويشده حتى يصير مسكرا فيصير بذلك من باب الخليطين وقد استفاض عن النبي ﷺ أنه نهى عن الخليطين لتقوية أحدهما صاحبه كما نهى عن خليط التمر والزبيب وعن الرطب والتمر ونحو ذلك
وللعلماء نزاع في الخليطين إذا لم يسكر كما تنازع العلماء في نبيذ الأوعية التي لايشتد ما فيها بالغليان وكما تنازعوا في العصير والنبيذ بعد ثلاث وأما إذا صار الخليطان من المسكر فإنه حرام باتفاق هؤلاء الأئمة فالذي أباحه عمر من المطبوخ كان صرفا فإذا خلطه بما قواه وذهب ثلثاه لم يكن ذلك ما أباحه عمر وربما يكون لبعض البلاد طبيعة يسكر فيها ما ذهب ثلثاه فيحرم إذا أسكر فإن مناط التحريم هو السكر باتفاق الأئمة ومن قال: إن عمر أو غيره من الصحابة أباح مسكرا فقد كذب عليهم
66 - 712 مسألة: فيمن قال: إن خمر العنب والحشيشة يجوز بعضه إذا لم يسكر في مذهب الإمام أبي حنيفة: فهل هو صادق في هذه الصورة؟ أم كاذب في نقله؟ ومن استحل ذلك: هل يكفر أم لا؟ وذكر أن قليل المزر يجوز شربه فهل حكمه حكم خمر العنب في مذهب الإمام أبي حنيفة؟ أم له حكم آخر كما ادعاه هذا الرجل؟
الجواب: الحمد لله أما الخمر التي هي عصير العنب الذي إذا غلا واشتد وقذف بالزبد فيحرم قليلها وكثيرها باتفاق المسلمين ومن نقل عن أبي حنيفة إباحة قليل ذلك فقد كذب بل من استحل ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ولو استحل شرب الخمر بنوع شبهة وقعت لبعض السلف أنه ظن أنها إنما تحرم على العامة لا على الذين آمنوا وعملوا الصالحات فاتفق الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أن مستحل ذلك يستتاب فإن أقر بالتحريم جلد وإن أصر على استحلالها قتل
بل وأبو حنيفة يحرم القليل والكثير من أشربة أخر: وإن لم يسمها خمرا كنبيذ التمر والزبيب النيء فإنه يحرم عنده قليله وكثيره إذا كان مسكرا وكذلك المطبوخ من عصير العنب الذي لم يذهب ثلثاه فإنه يحرم عنده قليله إذا كان كثيره يسكر فهذه الأنواع الأربعة تحرم عنده قليلها وكثيرها وإن لم يسكر منها
وإنما وقعتالشبهة في سائر المسكر كالمزر الذي يصنع من القمح ونحوه: فالذي عليه جماهير أئمة المسلمين كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن أهل اليمن قالوا يا رسول الله ! إن عندنا شرابا يقال له البتع من العسل وشرابا من الذرة يقال له المزر وكان النبي ﷺ قد أوتي جوامع الكلم فقال: [ كل مسكر فهو حرام ] وفي الصحيحين عن عائشة عنه أنه قال: [ كل شراب أسكر فهو حرام ] وفي الصحيح أيضا عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: [ كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ] وفي السنن من غير وجه عنه أنه قال: [ ما أسكر كثيره فقليله حرام ] واستفاضت الأحاديث بذلك
فإن الله لما حرم الخمر لم يكن لأهل مدينة النبي ﷺ شراب يشربونه إلا من التمر فكانت تلك خمرهم وجاء عن النبي ﷺ أنه كان يشرب النبيذ والمراد به النبيذ الحلو وهو أن يوضع التمر أو الزبيب في الماء حتى يحلو ثم يشربه وكان النبي ﷺ قد نهاهم أن ينتبذوا في القرع والخشب والحجر والظرف المزفت لأنهم إذا انتبذوا فيها دب السكر وهم لا يعلمون فيشرب الرجل مسكرا ونهاهم عن شرب النبيذ بعد ثلاث لأنه قد يصير فيه السكر والإنسان لا يدري كل ذلك مبالغة منه ﷺ فمن اعتقد من العلماء أن النبيذ الذي أرخص فيه يكون مسكرا يعني من نبيذ العسل والقمح ونحو ذلك فقال: يباح أن يتناول منه ما لم يسكر - فقد أخطأ
وأما جماهير العلماء فعرفوا أن الذي أباحه هو الذي لا يسكر وهذا القول هو الصحيح في النص والقياس وأما النص
فالأحاديث الكثيرة فيه وأما القياس فلأن جميع الأشربة المسكرة متساوية في كونها تسكر والمفسدة الموجودة في هذا موجودة في هذا والله تعالى لا يفرق بين المتماثلين بل التسوية بين هذا وهذا من العدل والقياس الجلي فتبين أن كل مسكر خمر حرام والحشيشة المسكرة حرام ومن استحل السكر منها فقد كفر بل هي أصح قولي العلماء نجسة كالخمر فالخمر كالبول والحشيشة كالعذرة
67 - 713 - مسألة: فيمن يأكل الحشيشة ما يجب عليه؟
الجواب: الحمد لله هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر والسكر منها حرام باتفاق المسلمين ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وأما إن اعتقد ذلك قربة وقال: هي لقيمة الذكر والفكر وتحرك العزم الساكن إلى أشرف الأماكن وتنفع في الطريق: فهو أعظم وأكبر فإن هذا من جنس دين النصارى الذين يتقربون بشرب الخمر ومن جنس من يعتقد الفواحش قربة وطاعة قال الله تعالى: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } ومن كان يستحل ذلك جاهلا وقد سمع بعض الفقهاء يقول:
( حرموها من غير عقل ونقل... وحرام تحريم غير الحرام )
فإنه ما يعرف الله ورسوله وأنها محرمة والسكر منها حرام بالاجماع وإذا عرف ذلك ولم يقر بتحريم ذلك فإنه يكون كافرا مرتدا كما تقدم وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب فإن تغيب العقل حرام باجماع المسلمين وأما تعاطي البنج الذي لم يسكر ولم يغيب العقل ففيه التعزير
وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة وإنما يتناولها الفجار لما فيها من النشوة والطرب فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك والخمر توجب الحركة والخصومة وهذه توجب الفتور والذلة وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل وفتح باب الشهوة وما توجبه من الدياثة: مما هي من شر شراب المسكر وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار
وعلى تناول القليل منها والكثير حد الشرب: ثمانون سوطا أو أربعون إذا كان مسلما يعتقد تحريم المسكر ويغيب العقل
وتنازع الفقهاء في نجاستها؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: إنها ليست نجسة
والثاني: إن مائعها نجس وإن جامدها طاهر
والثالث: وهو الصحيح أنها نجسة كالخمر فهذه تشبه العذرة وذلك يشبه البول وكلاهما من الخبائث التي حرمها ورسوله ومن ظهر منه أكل الحشيشة فهو بمنزلة من ظهر منه شرب الخمر وشر منه من بعض الوجوه ويهجر ويعاقب على ذلك كما يعاقب هذا للوعيد الوارد في الخمر مثل قوله ﷺ: [ لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها وآكل ثمنها ] ومثل قوله: [ من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد وشربها لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد وشربها لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه وإن عاد فشربها في الثالثة أو الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال وهي عصارة أهل النار ] وقد ثبت عنه في الصحيح ﷺ أنه قال: [ كل مسكر حرام ] وسئل عن هذه الأشربة وكان قد أوتي جوامع الكلم فقال ﷺ: [ كل مسكر حرام ]
68 - 714 - مسألة: فيما يجب على آكل الحشيشة؟ ومن ادعى أن أكلها جائز حلال مباح؟
الجواب: أكل هذه الحشيشة الصلبة حرام وهي من أخبث الخبائث المحرمة وسواء أكل منها قليلا أو كثيرا لكن الكثير المسكر منها حرام باتفاق المسلمين ومن استحل ذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين وحكم المرتد شر من حكم اليهودي والنصراني سواء اعتقد أن ذلك يحل للعامة أو للخاصة الذين يزعمون أنها لقمة الفكر والذكر وأنها تحرك العزم الساكن إلى أشرف الأماكن وأنهم لذلك يستعملونها
وقد كان بعض السلف ظن أن الخمر تباح للخاصة متأولا قوله تعالى: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا } فلما رفع أمرهم إلى عمر بن الخطاب وتشاور الصحابة فيهم اتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة رضي الله عنهم على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا وإن أصروا على الاستحلال قتلوا وهكذا حشيشة العشب من اعتقد تحريمها وتناولها فإنه يجلد الحد ثمانين سوطا أو أربعين هذا هو الصواب وقد توقف بعض الفقهاء في الجلد لأنه ظن أنها مزيلة للعقل غير مسكرة كالبنج ونحوه مما يغطي العقل من غير سكر فإن جميع ذلك حرام باتفاق المسلمين: إن كان مسكرا ففيه جلد الخمر وإن لم يكن مسكرا ففيه التعزير بما دون ذلك ومن اعتقد حل ذلك كفر وقتل
والصحيح أن الحشيشة مسكرة كالشراب فإن آكليها ينشون بها ويكثرون تناولها بخلاف البنج وغيره فإنه لا ينشي ولا يشتهى وقاعدة الشريعة أن ما تشتهيه النفوس من المحرمات كالخمر والزنا ففيه الحد وما لا تشتهيه كالميتة ففيه التعزير والحشيشة مما يشتهيها آكلوها ويمتنعون عن تركها ونصوص التحريم في الكتاب والسنة على من يتناولها كما يتناول غير ذلك وإنما ظهر في الناس أكلها قريبا من نحو ظهور التتار فإنها خرجت وخرج معها سيف التتار
69 - 715 - مسألة: فيمن يأخذ شيئا من العنب ويضيف إليه أصنافا من العطر ثم يغليه إلى أن ينقص الثلث ويشرب منه لأجل الدواء ومتى أكثر شربه أسكر؟
الجواب: الحمد لله متى كان كثيره يسكر فهو حرام وهو خمر ويحد صاحبه كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ وعليه جماهير السلف والخلف كما في صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: [ كل مسكر خمر وكل خمر حرام ] وفي الصحيحين عن عائشة قالت: سئل رسول الله ﷺ عن البتع وهو نبيذ العسل وكان أهل اليمن يشربونه فقال: [ كل شراب أسكر فهو حرام ] وفي الصحيح عن أبي موسى قال قلت يا رسول الله !: أفتنا في شراب كنا نصنعه في اليمن البتع وهو من نبيذ العسل ينبذ حتى يشتد فقال: [ كل مسكر حرام ] وفي صحيح مسلم عن جابر أن رجلا من حبشان اليمن سأل رسول الله ﷺ عن شراب يصنعونه بأرضهم يقال له المزر فقال: أيسكر؟ قال نعم فقال: كل مسكر حرام إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا: يا رسول الله ! وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أوعصارة أهل النار وقد روي عن النبي ﷺ من وجوه متعددة: ما أسكر كثيره فقليله حرام وقد صحح ذلك غير واحد من الحفاظ والأحاديث في ذلك متعددة
وإذا طبخ العصير حتى يذهب ثلثه أو نصفه وهو يسكر فهو حرام عند الأئمة الأربعة بل هو خمر عند مالك والشافعي وأحمد وأما إن ذهب ثلثاه وبقي ثلثه: فهذا لا يسكر في العادة إلا إذا انضم إليه ما يقويه أو لسبب آخر فمتى أسكر فهو حرام بإجماع المسلمين وهو الطلاء الذي أباحه عمر بن الخطاب للمسلمين وأما إن أسكر بعد ما طبخ وذهب ثلثاه: فهو حرام أيضا عند مالك والشافعي وأحمد
70 - 716 - مسألة: في المداومة على شرب الخمر وترك الصلاة وما حكمه في الإصرار على ذلك؟
الجواب: الحمد لله أما شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت ذلك عليه وحده أربعون جلدة أو ثمانين جاز باتفاق الأئمة وإن اقتصر على الأربعين ففي الأجزاء نزاع مشهور فمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه يجب الثمانون ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه أن الأربعين الثانية تعزير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام فإن احتاج إلى ذلك لكثرة الشرب أو إصرار الشارب ونحو ذلك فعل وقد كان عمر بن الخطاب يعزر بأكثر من ذلك كما روي عنه أنه كان ينفي الشارب عن بلده ويمثل به بحلق رأسه
وقد روي من وجوه عن النبي ﷺ قال: [ من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شربها فاجلدوه ثم إن شربها فاجلدوه ثم إن شربها في الثالثة أو الرابعة: فاقتلوه ]
فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة وأكثر العلماء لا يوجبون القتل بل يجعلون هذا الحديث منسوخا وهو المشهور من مذاهب الأئمة وطائفة يقولون: إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك كما في حديث آخر في السنن أنه نهاهم عن أنواع من الأشربة قال: فإن لم يدعوا ذلك فاقتلوهم والحق ما تقدم وقد ثبت في الصحيح أن رجلا كان يدعى حمارا وهو كان يشرب الخمر فكان كلما شرب جلده النبي ﷺ فلعنه رجل فقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي ﷺ؟ !
فقال: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله وهذا يقتضي أنه جلد مع كثرة شربه
وأما تارك الصلاة فإنه يستحق العقوبة باتفاق الأئمة وأكثرهم - كمالك والشافعي وأحمد - يقولون: إنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهل يقتل كافرا مرتدا أو فاسقا كغيره من أصحاب الكبائر؟ على قولين فإذا لم تمكن إقامة الحد على مثل هذا فإنه يعمل معه الممكن: فيهجر: ويوبخ حتى يفعل المفروض ويترك المحظور
ولا يكون ممن قال الله فيه: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } مع أن إضاعتها تأخيرها عن وقتها فكيف بتاركها؟ ! !
717 - 71 - مسألة: في رجل عنده حجرة خلفها فلوة: فهل يجوز الشرب من لبنها أم لا؟
الجواب: يجوز الشرب من لبنها إذا لم يصر مسكرا
72 - 718 - مسألة: في رجل اعتاد أن يتناول كل ليلة قبل العصر شيئا من المعاجين مدة سنين فسئل عن ذلك؟ فقال: أرى فيه أشياء من المنافع: فهل يباح ذلك له أم لا؟
الجواب: إن كان ذلك يغيب العقل لم يجز له أكله فإن كل ما يغيب العقل يحرم باتفاق المسلمين
73 - 719 - سئل: عن قوله ﷺ: من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه هل لهذا الحديث أصل؟ ومن رواه؟
الجواب: نعم له أصل وهو مروي من وجوه متعددة وهو ثابت عند أهل الحديث لكن أكثر العلماء يقولون: هو منسوخ وتنازعوا في ناسخه؟ على عدة أقاويل ومنهم من يقول: بل حكمه باق وقيل: بل الوجوب منسوخ والجواز باق وقد رواه أحمد والترمذي وغيرهما ولا أعلم أحدا قدح فيه والله أعلم
74 - 720 - مسألة: فيمن هش الذرة فأخذ يغلي في قدره ثم ينزله ويعمل عليه قمحا ويخليه إلى بكرة ويصفيه: فيكون مما لا يسكر في ذلك اليوم ثم يخليه يومين أو ثلاثة بعد ذلك فيبقى يسكر: هل يجوز أن يشرب منه في أول يوم أم لا؟
الجواب: يجوز شربه ما لم يسكر إلى ثلاثة أيام فأما إذا أسكر فإنه حرام بنص رسول الله ﷺ سواء أسكر بعد الثلاثة أو قبل الثلاثة ومتى أسكر حرم فإنه ثبت عنه في الصحيح أنه قال: [ كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ]
75 - 721 - مسألة: في الخمر إذا غلى على النار ونقص الثلث: هل يجوز استعماله أم لا؟
الجواب: الحمد لله إذا صار مسكرا فإنه حرام تجب إراقته ولا يحل بالطبخ وأما إذا طبخ قبل أن يصير مسكرا حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه لم يسكر فإنه حلال عند جماهير المسلمين وأما إن طبخ قبل أن يصير مسكرا حتى ذهب ثلثه أو نصفه فإن كان مسكرا فإنه حرام في مذهب الأئمة الأربعة وإن لم يكن مسكرا فإنه يستعمل ما لم يسكر إلى ثلاثة أيام
76 - 722 - مسألة: في جماعة من المسلمين رجال كهول وشبان وهم حجاج مواظبون على أداء ما افترض عليهم: من صوم وصلاة وعبادة وفيهم كبير القدر معروفون بالثقة والأمانة بين المسلمين في أقوالهم وأفعالهم ليس عليهم شيء من ظواهر السوء والفسوق وقد اجتمعت عقولهم وأذهانهم ورأيهم على أكل الغبيراء وكان قولهم واعتقادهم فيها أنها معصية وسيئة غير أنهم مع ذلك يقولون في اعتقادهم بدليل كتاب الله سبحانه وتعالى وهو { إن الحسنات يذهبن السيئات } وذكروا أيضا أنها حرام غير أن لهم وردا بالليل وتعبدات ويزعمون أنها إذا حصلت نشوتها برؤوسهم تأمرهم بتلك العبادة ولا تأمرهم بسوء ولا فاحشة ونسبوا أنه ليس لها ضرر لأحد من خلق الله تعالى كالزنا وشرب الخمر والسرقة وأنه لا يجب على من أكلها حد من الحدود إلا أنها تتعلق بمخالفة أمر من أمور الله سبحانه وتعالى والله يغفر ما بين العبد وربه واجتمع بهم رجل صادق القول وذكر عنهم ذلك ووافقهم على أكلها بحكمهم عليه وحديثهم له واعترف على نفسه بذلك فهل يجب على آكلها حد شارب الخمر أم لا؟ أفتونا
الجواب: الحمد لله رب العالمين نعم يجب على آكلها حد شارب الخمر وهؤلاء القوم ضلال جهال عصاة لله ولرسوله وكفى برجل جهلا أن يعرف بأن هذا الفعل محرم وأنه معصية لله ولرسوله ثم يقول: إنه تطيب له العبادة وتصلح له حاله ! ! ! ويح هذا القائل؟ ! أيظن أن الله سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ حرم على الخلق ما ينفعهم ويصلح لهم حالهم؟ ! نعم قد يكون في الشيء منفعة وفيه مضرة أكثر من منفعته فيحرمه الله سبحانه وتعالى لأن المضرة إذا كانت أكثر من المنفعة بقيت الزيادة مضرة محضة وصار هذا الرجل كأنه قال لرجل: خذ مني هذا الدرهم وأعطني دينارا فجهله يقول له: هو يعطيك درهما فخذه والعقل يقول: إنما يحصل الدرهم بفوات الدينار وهذا ضرر لا منفعة له بل جميع ما حرمه الله ورسوله إن ثبت فيه منفعة ما فلا بد أن يكون ضرره أكثر
فهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها الموجبة لسخط الله وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين المعرضة صاحبها لعقوبة الله إذا كانت كما يقوله الضالون: من أنها تجمع الهمة وتدعو إلى العبادة فإنها مشتملة على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه أضعاف ما فيها من خير ولا خير فيها ولكن هي تحلل الرطوبات فتتصاعد الأبخرة إلى الدماغ وتورث خيالات فاسدة فيهون على المرء ما يفعله من عبادة ويشغله بتلك التخيلات عن إضرار الناس وهذه رشوة الشيطان يرشو بها المبطلين ليطيعوه فيها بمنزلة القصة القليلة في الدرهم المغشوش وكل منفعة تحصل بهذا السبب فإنها تنقلب مضرة في المآل ولا يبارك لصاحبها فيها وإنما هذا نظير السكران بالخمر فإنها تطيش عقله حتى يسخو بماله ويتشجع على أقرانه فيعتقد الغر أنها أورثته السخاء والشجاعة وهو جاهل وإنما أورثته عدم العقل ومن لا عقل له لا يعرف قدر النفس والمال فيجود بجهله لا عن عقل فيه
وكذلك هذه الحشيشة المسكرة إذا أضعفت العقل وفتحت باب الخيال: تبقى العادة فيها مثل العبادات في الدين الباطل دين النصارى فإن الراهب تجده يجتهد في أنواع العبادة لا يفعلها المسلم الحنيف فإن دينه باطل والباطل خفيف ولهذا تجود النفوس في السماع المحرم والعشرة المحرمة بالأموال وحسن الخلق لما لا تجود به في الحق وما هذا بالذي يبيح تلك المحارم أو يدعو المؤمن إلى فعله لأن ذلك إنما كان لأن الطبع لما أخذ نصيبه من الحظ المحرم ولم يبال بما بذله عوضا عن ذلك وليس في هذا منفعة في دين المرء ولا دنياه وإنما ذلك لذة ساعة بمنزلة لذة الزواني حال الفعل ولذة شفاء الغضب حال القتل ولذة الخمر حال النشوة ثم إذا صحا من ذلك وجد عمله باطلا وذنوبه محيطة به وقد نقص عليه عقله ودينه وخلقه
وأين هؤلاء الضلال مما تورثه هذه الملعونة من قلة الغيرة وزوال الحمية حتى يصير آكلها إما ديوثا وأما مأبونا وأما كلاهما وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلقا كثيرا مجانين وتجعل الكبد بمنزلة السفنج ومن لم يجن منهم فقد أعطته نقص العقل ولو صحا منها فإنه لا بد أن يكون في عقله خبل: ثم إن كثيرها يسكر حتى يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهي وإن كانت لا توجب قوة نفس صاحبها حتى يضارب ويشاتم فكفى [ بالرجل شرا أنها تصده عن ذكر الله وعن الصلاة إذا سكر منها وقليلها وإن لم يسكر فهو بمنزلة قليل الخمر ثم إنها تورث من مهانة آكلها ودناءة نفسه وانفتاح شهوته: ما لا يورثه الخمر ففيها من المفاسد ما ليس في الخمر وإن كان في الخمر مفسدة ليست فيها وهي الحدة فهي بالتحريم أولى من الخمر لأن ضرر آكل الحشيشة على نفسه أشد من ضرر الخمر وضرر شارب الخمر على الناس أشد إلا أنه في هذه الأزمان لكثرة أكل الحشيشة صار الضرر الذي منها على الناس أعظم من الخمر وإنما حرم الله المحارم لأنها تضر أصحابها وإلا فلو ضرت الناس ولم تضره لم يحرمها إذ الحاسد يضره حال المحسود ولم يحرم الله اكتساب المعالي لدفع تضرر الحاسد هذا وقد قال رسول الله ﷺ: [ كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ] وهذه مسكرة ولو لم يشملها لفظ بعينها لكان فيها من المفاسد ما حرمت الخمر لأجلها مع إن فيها مفاسد أخر غير مفاسد الخمر توجب تحريمها ] والله أعلم
2377 - / 7 - مسألة: في رجل مدمن على المحرمات وهو مواظب على الصلوات الخمس ويصلي على محمد مائة مرة كل يوم ويقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله كل يوم مائة مرة فهل يكفر ذلك بالصلاة والإستغفار؟
الجواب: قال الله تعالى: { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } فمن كان مؤمنا وعمل عملا صالحا لوجه الله تعالى فإن الله لا يظلمه بل يثيبه عليه وأما ما يفعله من المحرم اليسير فيستحق عليه العقوبة ويرجى له من الله التوبة كما قال الله تعالى: { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم } وإن مات ولم يتب فهذا أمره إلى الله تعالى هو أعلم بمقدار حسناته وسيئاته ولا يشهد له بجنة ولا نار بخلاف الخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون انه من فعل كبيرة أحبطت جميع حسناته وأهل السنة والجماعة لا يقولون بهذا الإحباط بل أهل الكبائر معهم حسنات وسيئات وأمرهم إلى الله وقوله تعالى: { إنما يتقبل الله من المتقين } أي: ممن أتقاه في ذلك العمل بأن يكون عملا صالحا خالصا لوجه الله وأن يكون موافقا للسنة كما قال تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }
وكان عمر بن الخطاب يقول في دعائه اللهم اجعل عملي كله خالصا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا وأهل الوعيد لا تقبل العمل إلا ممن إتقاه بترك جميع الكبائر وهذا بخلاف ما جاء به الكتاب والسنة في قصة حمار الذي كان يشرب الخمر وقال النبي ﷺ أنه يحب الله ورسوله
وكما في أحاديث الشفاعة وإخراح أهل الكبائر من النار حتى يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فقد قال تعالى { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } الآية ومع هذا فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ] وقال: [ من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب منها حرمها في الآخرة ] وقال: [ لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وساقيها وآكل ثمنها ]
78 - 724 - مسألة: في اليهود والنصارى إذا اتخذوا خمورا هل يحل للمسلم إراقتها عليهم وكسر أوانيهم وهجم بيوتهم لذلك أم لا؟ وهل يجوز هجم بيوت المسلمين إذا علم أو ظن أن بها خمرا من غير أن يظهر شيء من ذلك لتراق وتكسر الأواني ويتجسس على مواضعه أم لا؟ وهل يحرم على الفاعل ذلك أم لا؟ إذا كان مأمورا من جهة الإمام بذلك أم يكون معذورا بمجرد الأمر دون الإكراه وإذا خشي من مخالفة الأمر وقوع محذور به فهل يكون عذرا له أم لا
الجواب: الحمد لله أما أهل الذمة فإنهم وإن أقروا على ما يستحقونه به في دينهم فليس لهم أن يبيعوا المسلم خمرا ولا يهدونها إليه ولا يعاونوه عليها بوجه من الوجوه فليس لهم أن يعصروها لمسلم ولا يحملوها له ولا يبيعوها من مسلم ولا ذمي وهذا كله مما هو مشروط عليهم في عقد الذمة ومتى فعلوا ذلك استحقوا العقوبة التي تردعهم وأمثالهم عن ذلك وهل ينتقض عهدهم بذلك وتباح دماؤهم وأموالهم على قولين في مذهب الإمام أحمد وغيره
وكذلك ليس لهم أن يستعينوا بجاه أحد ممن يخدمونه أو ممن أظهر الإسلام منهم أو غيرهما على إظهار شيء من المنكرات بل كما تجب عقوبتهم تجب عقوبة من يعينهم بجاهه أو غير جاهه على شيء من هذه الأمور وإذا شرب الذمي الخمر فهل يحد ثلاثة أقوال للفقهاء قيل يحد وقيل لا يحد وقيل يحد إن سكر وهذا إذا أظهر ذلك بين المسلمين وأما ما يختفون به في بيوتهم من غير ضرر بالمسلمين بوجه من الوجوه فلا يتعرض لهم وعلى هذا فإذا كانوا لا ينتهون عن إظهار الخمر أو عن معاونة المسلمين عليها أو بيعها وهديها للمسلمين إلا لإراقتها عليهم فإنها تراق عليهم مع ما يعاقبون به إما بما يعاقب به ناقض العهد وإما بغير ذلك
725 - 79 - مسألة: في شارب الخمر هل يسلم عليه وهل إذا سلم رد عليه وهل تشيع جنازته وهل يكفر إذا شك في تحريمها؟
الجواب: الحمد لله من فعل شيئا من المنكرات كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك فإنه يجب الإنكار عليه بحسب القدرة كما قال النبي ﷺ [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ] فإن كان الرجل متسترا بذلك وليس معلنا له أنكر عليه سرا وسترا عليه كما قال النبي ﷺ [ من ستر عبدا ستره الله في الدنيا والآخرة ] إلا أن متعدي ضرره والمتعدي لا بد من كف عدوانه وإذا نهاه المرء سرا فلم ينهه فعل ما ينكف به من هجر وغيره إذا كان ذلك أنفع في الدين وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره فلا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام إذا كان الفاعل كذلك متمكنا من غير مفسدة راجحة
وينبغي لأهل الخير والدين أن يهجروه حيا إذا كان في ذلك كف لأمثاله من المجرمين فيتركون تشييع جنازته كما ترك النبي ﷺ الصلاة على غير واحد من أهل الجرائم وكما قيل لسمرة بن جندب أن ابنك مات البارحة فقال لو مات لم أصل عليه يعني لأنه أعان على قتل نفسه فيكون كقاتل نفسه وقد ترك النبي ﷺ على قاتل نفسه وكذلك هجر الصحابة الثلاثة الذين ظهر ذنبهم في ترك الجهاد الواجب حتى تاب الله عليهم فإذا أظهر التوبة أظهر له الخير وأما من أنكر تحريم شيء من المحرمات المواترة كالخمر والميتة والفواحش أو شك تحريمه فإنه يستتاب ويعرف التحريم فإن تاب وإلا قتل وكان مرتدا عن دين الإسلام ولم يصل عليه ولم يدفن بين المسلمين
80 - 726 - مسألة: في اليهود بمصر من أمصار المسلمين وقد كثرت منهم بيع الخمر لآحاد المسلمين وقد كثرت أموالهم من ذلك وقد شرط عليهم سلطان المسلمين أنهم لا يبيعونها للمسلمين ومتى فعلوا ذلك حل منهم ما يحل من أهل الحرب فماذا يستحقون من العقوبة وهل للسلطان أن يأخذ منهم الأموال التي اكتسبوها من بيع الخمر أم لا؟
الجواب: الحمد لله يستحقون على ذلك العقوبة التي تردعهم وأمثالهم عن ذلك وينتقض بذلك عهدهم في أحد قولي العلماء في مذهب أحمد وغيره وإذا أنقض عهدهم حلت دماؤهم وأموالهم وحل منهم ما يحل من المحاربين الكفار وللسلطان أن يأخذ منهم هذه الأموال التي قبضوها من أموال المسلمين بغير حق ولا يردها إلى من اشترى منهم الخمر فإنهم إذا علموا أنهم ممنوعون عن شرب الخمر وشرائها وبيعها فإذا اشتروها كانوا بمنزلة من يبيع الخمر من المسلمين ومن باع خمرا لم يملك ثمنه فإذا كان المشتري قد أخذ الخمر فشربها لم يجمع له بين العوض والمعوض بل يؤخذ هذا المال فيصرف في مصالح المسلمين كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن وأمثال ذلك مما هو عوض عن عين أو منفعة محرمة إذا كان الماضي قد استوفى العوض وهذا بخلاف ما لو باع ذمي لذمي خمرا سرا فإنه لا يمنع من ذلك وإذا تقابضا جاز أن يعامله المسلم بذلك الثمن الذي قبضه من ثمن الخمر كما قال عمر رضي الله عنه ولو هم ببيعها وأخذوا منهم أثمانها بل أبلغ من ذلك أنه يجوز للإمام أن يخرب المكان الذي يباع فيه الخمر كالحانوت والدار كما فعل ذلك عمر بن الخطاب حيث أخرب حانوت رويشيد الثقفي قال إنما أنت فويسق لست برويشد وكما أحرق علي بن أبي طالب قرية كان يباع فيها الخمر وقد نص على ذلك أحمد وغيره من العلماء