الفتاوى الكبرى/كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة/5
قال البخاري: وسئل عبد الله بن إدريس عن الصلاة خلف أهل البدع فقال لم يزل في الناس إذا كان فيهم مرضى أو عدل فصل خلفه فقلت: فالجهمية قال لا هذه من المقاتل هؤلاء لا يصلي خفلهم ولا يناكحون وعليهم التوبة وسئل حفص بن غياث فقال فيهم ما قال ابن إدريس قيل فالجهمية قال لا أعرفهم قيل له قوم يقولون القرآن مخلوق قال: لا جزاك الله خيرا أوردت على قلبي شيئا لم يسمع به قط قلت فإنهم يقولونه قال: هؤلاء لا يناكحون ولا تجوز شهادتهم
وسئل ابن عيينة فقال نحو ذلك قال: فأتيت وكيعا فوجدته من أعلمهم بهم فقال: يكفرون من وجه كذا ويكفرون من وجه كذلك حتى أكفرهم من كذا وكذا وجها
قلت: وهكذا رأيت الجاحظ قد شنع على حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ قاضي البصرة بما لم يشنع به على غيرهما لأن حمادا كان معتنيا بجمع أحاديث الصفات وإظهارها ومعاذ لما تولى القضاء رد شهادة الجهمية والقدرية فلم يقبل شهادة المعتزلة ورفعوا عليه إلى الرشيد فلما اجتمع به حمده على ذلك وعظمته فلأجل معاداتهم لمثل هؤلاء الذين هم أئمة في السنة يشنعون عليهم بما إذا حقق لم يوجد مقتضيا لذم
وأما ما حكاه الأشعري عن محمد بن شجاع أن فرقة قالت إن القرآن هو الخالق وفرقة قالت هو بعضه فقد ذكر الخلال في كتاب السنة ترجمة محمد بن شجاع وسبب أمر أحمد أهل السنة بهجره فروي الخلال من مسائل أبي الحارث قال: قلت لأبي عبد الله قال لي ابن الثلاج سمعت رجلا يقول القرآن هو الله فقال لي عمه إنا بتنا عند أحمد بن نصر وكان ابن الثلاج معنا وكان عباس الأعور فتلا ابن عباس هذه الآية: { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله } قال: إلى كتاب الله فهو يتأول عليه هذا قلت له إنا قلنا لابن الثلاج يقول إن لله علما قال أنا لا أقول إن لله علما فقال أبو عبد الله استغفر الله وقلت له إني سمعته يقول كلام الله غير الله فقال دعه يقول ما شاءكم يقول لي قال ابن الثلاج وشكاني
قلت: فقد تبين بهذا أصل حكايته وهو أن ذكر أن الرد إلى الله هو الرد إلى القرآن فنقل عنه أن القرآن هو الله ولعله كان مقصود ذالك أن يستدل على أن القرآن صفة الله وأن الرد إليه هو الرد إلى الله نفسه لأنه هو كلامه القائم به كما أن الرد إلى الرسول هو الرد إلى كلامه الذي قام به وأنه لو كان القرآن إنما هو قائم ببعض الأجسام المخلوقة لكان الرد إليه ردا إلى ذلك الجسم المخلوق لا إلى الله تعالى فنقل عنه أنه جعل القرآن هو الخالق وهذا ابن الثلاج كان من أصحاب بشر المريسي فأظهر التوبة من ذلك وأظهر الوقف في لفظ المخلوق دون لفظ المحدث كما حكاه الأشعري عنه ومقصوده مقصود من يقول هو مخلوق وعرف الأئمة حقيقة حاله فلم يقبل الإمام أحمد وسائر أهل السنة هذه التوبة لأنه توبة غير صحيحة حتى كان يعادي أهل السنة ويكذب عليهم حتى كذب على الإمام أحمد غير مرة
وقد ذكر قصته أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الخرقي خليفة المروذي والد أبي القاسم صاحب المختصر في الفقه في قصص الذين أمر أحمد بهجرانهم ومسألته للمروذي عنهم واحدا واحدا وأخبار المروذي له بما كان عنده في ذلك ونقل الخلال أخباره في كتاب السنة مما يوضح الأمر فقال أخبرني الحسين بن عبد الله قال سألت أبا بكر المروذي عن قصة ابن الثلاج فقال: قال لي أبو عبد الله جاءني هارون الحمال فقال إن ابن الثلاج تاب عن صحبة المريسي فأجيء به إليك قال قلت لا ما أريد أن يراه أحد على بابي قال أحب أن أجيء به بين المغرب والعشاء فلم يزل يطلب إلي قال قلت هو ذا يقول أجب فأي شيء أقول لك قال: فجاء به فقلت له إذهب حتى تصح توبتك وأظهرها ثم رجع قال فبلغنا أنه اظهر الوقف
قال أبو بكر المروذي فمضيت ومعي نفسان من أصحابنا فقلت له: قد بلغني عنك شيء ولم أصدق به قال: وما هو؟ قلت: نقف في القرآن فقال: أنا أقول ككلام الله فجعل يحتج بيحيى بن آدم وغيرهم أنهم وقفوا فقلت له: هذا من الكتاب الذي أوصى لكم بن عبيد بن نعيم فقال: لا تذكر الناس
فقلت له: أليس أجمع المسلمون جميعا أنه من حلف بمخلوق أنه لا كفارة عليه؟ قال: نعم قلت فمن حلف بالقرآن أليس قد أوجبوا عليه كفارة لأنه حلف بغير مخلوق؟ فقال: هذا متاع أصحاب الكلام ثم قال إنما أقول كلام الله كما أقول أسماء الله فإنه من الله ثم قال وأي شيء قام به أحمد بن حنبل ثم قال علموكم الكلام وأومأ إلى ناحية الكرخ يريد أبا ثور وغيره فقمنا من عنده فما كلمناه حتى مات
وروى الخلال من وجهين عن زياد بن أيوب قال قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله وعلماء الواقفة جهمية؟ قال: ثم مثل ابن الثلاج وأصحابه الذين يجادلون
قلت: ولو فرض أن بعض أهل الإثبات أطلق القول بأن القرآن أو غيره من الصفات بعضه فهذا إما أن ينكر لأن يقال الصفة القائمة بالموصوف كالعلم والكلام لا يقال هي بعضه أو لأن الرب تبارك وتعالى لا يقال أن له بعضا كما للأجسام بعض فإن كان الإنكار لأجل الأول فأهل الكلام متنازعون في صفات الجسم هل يقال أنها بعض الجسم أو يقال هي غيره أو لا يقال هي غيره فذكر الأشعري عن ضرار بن عمرو أنه قال الألوان والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والرقة أبعاض الأجسام وأنها متجاوز قال وحكى عنه مثل ذلك في الاستطاعة والحياة وزعم أن الحركات والسكون وسائر الأفعال التي تكون من الأجسام أعراض لا أجسام
وحكى عنه في التأليف أنه كان يثبته بعض الجسم فأما غيره ممن كان ينافي قوله في الأجسام فإنه كان يثبت التأليف والإجتماع والافتراق والاستطاعة غير الأجسام وقطع عنه الأشعري في موضع أنه كان يزعم أن الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وأنها بعض المستطيع وأن الإنسان أعراض مجتمعة وكذلك الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ومحبة وغير ذلك وأن الأعراض قد يجوز أن تنقلب أجساما وواقفة على ذلك حفص الفرد وغيره وأن الإنسان قد يفعل الطول والعرض والعمق وأن ذلك أبعاض الجسم
قال: وقال الأصم وهو عبدالرحمن بن كيسان الأصم أستاذ إبراهيم بن إسماعيل بن علية الذي كان يناظر قال الأشعري فقال الأصم لا أثبت إلا الجسم الطويل العريض العميق ولم يثبت حركة غير الجسم ولا يثبت سكونا غيره ولا قياما غيره ولا قعودا غيره ولا إجتماعا غيره ولا حركة ولا سكونا ولا لونا ولا صوتا ولا طعما غير ولا رائحة قال الأشعري فأما بعض أهل النظر ممن يزعم أن الأصم قد علم الحركات والسكون والألوان ضرورة وإن لم يعلم أنها غير الجسم فإنه يحكي عنه أنه كان لا يثبت الحركة والسكون وسائر الأفعال وغير الجسم ولا يحكي عنه أنه قال لا يثبت حركة ولا سكونا ولا قياما ولا قعودا ولا اجتماعا ولا افتراقا على وجه من الوجوه وكذلك يقول في سائر الأعراض
قلت: هذا القول الثاني أنها ثابتة لكن ليست غير الجسم هو الذي قد يقوله بعض العقلاء فأما نفي وجودها فهو سفسطة من جنس نفي الجسم وهذا القول هو قول غير هذا مثل هشام بن الحكم وغيره قال الأشعري وقال هشام بن الحكم الحركات وسائر الأفعال من القيام والقعود والإرادة والكراهة والطاعة والمعصية وسائر ما يثبت المثبتون أعراضا أنها صفات الأجسام لا هي الأجسام ولا غيرها إنها ليست بأجسام فيقع عليها التغاير قال وقد حكى هذا عن بعض المتقدمين وأنه كان يقول كما حكينا عن هشام وأنه لم يكن يثبت أعرضا غير الأجسام وحكي عن هشام أنه كان لا يزعم أن صفات الإنسان أشياء لأن الأشياء هي الأجسام عنده وكان يزعم أنها معان وليست بأشياء
قلت: وهشام يقول ذلك أيضا في صفات الله أنها ليست هو ولا غيره وطرد القول في جميع الصفات ودفع بذلك ما كانت المعتزلة تورده على الصفاتية من التناقض قال: قال قائلون منهم أبو الهذيل وهشام وبشر بن المعتمر وجعفر بن حرب والاسكافي وغيرهم الحركات والسكون والقيام والقعود والاجتماع والافتراق والطول والعرض والألوان والطعوم والروائح والأصوات والكلام والسكوت والطاعة والمعصية والكفر والإيمان وسائر أفعال الإنسان والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة أعراض غير الأجسام قال: وحكى رزقان عن جهم بن صفوان أنه كان يزعم أن الحركة جسم ومحال أن تكون غير الجسم لأن غير الجسم هو الله تعالى ولا يكون شيء يشبهه قال وكان إبراهيم النظام فيما حكي عنه يزعم أن الطول هو الطويل وأن العرض هو العريض وكان يثبت الألوان والطعوم والروائح والأصوات والآلام والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أجساما لطافا ويزعم أن حيز اللون هو حيز الطعم والرائحة وأن الأجسام اللطاف قد تحل في حيز واحد وكان لا يثبت عرضا إلا الحركة فقط
قال: وكان عباد بن سليمان يثبت الأعراض غير الأجسام فإذا قيل له تقول الحركة غير المتحرك والأسود غير السواد امتنع من ذلك وقال: قولي في الجسم متحرك إخبار عن جسم وحركة فلا يجوز أن أقول الحركة غير المتحرك قال: وقال قائلون من أصحاب الطبائع أن الأجسام كلها من أربعة طبائع حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة أن الطبائع الأربعة أجسام ولم يثبتوا شيئا إلا هذه الطبائع الأربعة وأنكروا الحركات وزعموا أن الألوان والطعوم والروائح هي الطبائع الأربع وقال قائلون منهم أن الأجسام من أربعة طبائع وأثبتوا الحركات ولم يثبتوا عرضا غيرها ويثبتون الألوان والروائح من هذه الطبائع وقال قائلون: الأجسام من أربعة طبائع روح سائحة فيها وأنهم لا يعقلون جسما إلا هذه الخمسة الأشياء وأثبتوا الحركات أعراضا قال: وقال قائلون بإبطال الأعراض والحركات والسكون وأثبتوا السواد وهو الشيء الأسود لا غيره وكذلك البياض وسائر الألوان وكذلك الحلاوة والحموضة وسائر الطعوم وكذلك قولهم في الروائح والحرارة أنها الشيء الحار وكذلك قولهم في الرطوبة والبرودة واليبوسة وكذلك قولهم في الحياة أنها هي الحي وهؤلاء منهم من يثبت حركة الجسم وفعله غيره ومنهم من لا يثبت عرضا غير الجسم على وجه من الوجوه
قلت: هذا القول في صفات المخلوقين يضاهي قول شيخ المعتزلة أبي الهذيل في صفات الله قال الأشعري: قال شيخهم أبو الهذيل العلاف أن علم الباري تعالى هو هو وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته وكذلك كان قول في سائر صفات ذاته وكان يزعم إذا زعم أن الباري عالم فقد أثبت علما هو الله ونفى عن الله جهلا ودل على معلوم كان أو يكون وإذا قال أن الباري قادر فقد أثبت قدرة هي الله تعالى ونفى عن الله عجزا ودل على مقدور كان أو يكون وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات على هذا التثبيت وكان إذا قيل له حدثنا عن علم الله الذي هو الله أتزعم أنه قدرته أبي ذلك وإذا قيل له فهو غير قدرته أنكر ذلك وهذا نظير ما أنكره من قول مخالفيه أن علم الله لا يقال هو الله ولا يقال غيره وكان إذا قيل له فقل أن الله علم ناقض ولم يقل أنه علم الله هو الله قال وكان يسأل فيمن يزعم أن طول الشيء هو هو: وكذلك عرضة فيقول إن طوله هو عرضه قال وهذا راجع عليه في قوله أن علم الله هو الله وإن قدرته هي هو لأنه إذا كان علمه هو هو وقدرته هي هو فواجب أن يكون علمه هو قدرته والالزام التناقض قال: وهذا أخذه أبو الهذيل عن ارسطاطاليس وذلك أن ارسطاطاليس قال في بعض كتبه أن الباري علم كله قدرة كله حياة كله سمع كان بصر كله فحسن اللفظ عند نفسه وقال علمه هو هو
قلت: هو قول أرسطوا وأصحابه أن العقل والعاقل والمعقول شيء واحد وكذلك العناية
قلت: فهذه نقول أهل الكلام بعضهم عن بعض أنهم يجعلون الصفة هي الموصوف في الخالق والمخلوق فهو لا يناسب قولهم أن الكلام هو المتكلم
وأما أهل السنة والإثبات فقد ظهر كذب النقل عنهم وأما إطلاق القول بأن الصفة بعض الموصوف أنها ليست غيره فقد قال ذلك طوائف من أئمة أهل الكلام وفرسانهم وإذا حقق الأمر في كثير من هذه المنازعات لم يجد العاقل السليم العقل ما يخالف ضرورة العقل لغير غرض بل كثير من المنازعات يكون لفظيا أو اعتباريا فمن قال إن الأعراض بعض الجسم أو أنها ليست غيره ومن قال إنها غيره يعود النزاع بين محققيهم إلى لفظ واعتبار واختلاف اصطلاح في مسمى بعض وغيره كما قد أوضحنا ذلك في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ويسمى أيضا تخليص التلبيس من كتاب التأسيس الذي وضعه أبو عبد الله الرازي في نفي الصفات الخبرية وبين ذلك على أن ثبوتها يستلزم افتقار الرب تعالى إلى غيره وتركيبه من الأبعاض وبينا ما في ذلك من الألفاظ المشتركة الجملة فهذا إن كان أحد أطلق لفظ البعض على الذات وغيره من الصفات وقال إنه بعض الله وأنكر ذلك عليه لأن الصفة ليست غير الموصوف مطلقا وإن كان الإنكار لأنه لا يقال في صفات الله لفظ البعض فهذا للفظ قد نطق به أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم ذاكرين وآثرين
قال أبو القسم الطبراني في كتاب السنة: حدثنا حفص بن عمرو حدثنا عمرو ابن عثمان الكلابي حدثنا موسى بن أعين عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا أراد الله أن يخوف عباده أبدا عن بعضه للأرض فعند ذلك تزلزلت وإذا الله أن يدمدم على قول تجلى لها عز وجل
وقد جاء في الأحاديث المرفوعة في تجليه سبحانه للجبل ما رواه الترمذي في جامعه حدثنا عبد الله بن عبدالرحمن يعني الدرامي أبنأنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سملة عن ثابت بن أنس [ أن النبي ﷺ - قرأ هذه الآية: { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } ] قال حماد هكذا وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة أصبعه اليمنى قال فساخ الجبل وخر موسى صقعا
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة
وقال أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب حدثنا حسين بن الأسود حدثنا عمرو بن محمد العنقري حدثنا أسباط عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس: { فلما تجلى ربه للجبل } قال ما تجلى منه إلا مثل الخنصر قال فجعله دكا قال ما تجلى منه إلا مثل الخنصر قال فجعله دكا قال ترابا وخر موسى صقعا غشي عليه فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك عن أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين قال أول من آمن بك من بن إسرائيل
ورواه الطبراني قال حدثنا محمد بن إدريس بن عاصم الحمال حدثنا إسحاق ابن راهوية حدثنا عمرو بن محمد العنقري فذكره عن ابن عباس: فلما تجلى ربه للجبل قال ماتجلى منه إلا مثل الخنصر فجعله دكا قال ترابا
ورواه البيهقي في كتاب إثبات الرؤية له أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق يعني العدفاني حدثنا عمرو بن طلحة في التفسير حدثنا أسباط عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: تجلى منه مثل طرف الخنصر فجعله دكا والصفاني ومن فوقه إلى عكرمة روى لهم مسلم في صحيحه؟ وعكرمة روى له البخاري في صحيحه
وروى الثوري وحماد بن سلمة وسفيان بن عيينة بعضهم عن ابن أبي نجيح وبعضهم عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله داود: { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } قال يدينه حتى يمس بعضه وهذا متواتر عن هؤلاء وممن رواه الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عام النبيل في كتاب السنة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد بن عبيد بن عمير { وإن له عندنا لزلفى } قال ذكر الدنو منه حتى أنه يمس بعضه وقال حدثنا أبو بكر حدثنا ابن فعنيل عن ليث عن جاهد: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال: يقعده معه على العرش
وقال الإمام أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة حدثنا فضيل بن سهل حدثنا عمرو بن طلحة القناد حدثنا أسباط بن نصر عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: { ولقد رآه نزلة أخرى } قال إن النبي ﷺ - رأى ربه فقال له رجل أليس قد قال الله تعالى: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } فقال له عكرمة أليس ترى السماء؟ قال بلى قال أفكلها ترى؟ ففي هذه أن عكرمة أخبر قدام ابن عباس أن إدراك البصر هي رؤية المدرك كله دون رؤية بعضه فالذي يرى السماء ولا يراها كلها ولا يكون مدركا لها وجعل هذا تفسيرا لقوله: { لا تدركه الأبصار } وأقره ابن عباس على ذلك ومع هذا هؤلاء الذين نقل عنهم هذا اللفظ فقد نقل عنهم أيضا إنكار تبعضه سبحانه وتعالى وبين الناقلون معنى ذلك
قال الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة حدثني عبدالرحمن بن محمد الأملي عن موسى بن عيسى بن حماد بن زغبة حدثنا نعيم بن حماد حدثنا نوح بن مريم عن إبراهيم بن ميمون عن عكرمة قال: جاء نجدة الحروري إلى ابن عباس فقال يا أبا عباس نبئنا كيف معرفتك بربك تبارك وتعالى فإن من قبلنا اختلفوا علينا فقال ابن عباس: من نصب دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس مائلا عن المنهاج ظاعنا في الأعوجاج ضالا عن السبيل قائلا غير جميل أعرفه بما عرف به نفسه تبارك وتعالى من غير رؤية
قال نعيم في الدنيا واصفه بما وصف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس معروف بغير شبيه ومتدان في بعده
قال نعيم: يقول هو على العرش ولا يخفى عليه خافية لا تتوهم ديموميته ولا يمثل بخليقته ولا يجور في قضية الخلق إلى ما علم منقادون وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون لا يعلمون بخلاف ما منهم علم ولا غيره يريدون فهو قريب غير ملتزق يعني قريبا بعلمه وبعيدا غير منقض يحقق ولا يمثل ويوجد ولا يبعض قال نعيم لا يقال بعضه على العرض وبعضه على الأرض يدرك بالآيات ويثبت بالعلامات هو الكبير المتعال تبارك وتعالى
قلت: هذا الكلام في صحته عن ابن عباس نظر والذي يغلب على الظن أنه ليس من كلام ابن عباس ونوح بن أبي مريم له مفاريد من هذا النمط ولكن لا ريب أن نعيم بن حماد ذكر ذلك في كتبه التي صنفها في الرد على الجهمية وهو قد نفى تبعيضه بالمعنى الذي فسره وهذا ما لا يستريب فيه المسلمون وهذا مما دل عليه قوله تعالى: { قل هو الله أحد * الله الصمد } كما قد بسطنا الكلام فيه في موضعه في الكلام على من تأول هذه السورة على غير تأويلها ولا ريب أن لفظ البعض والجزء والغير ألفاظ مجملة فيها إيهام وإبهام فإنه قد يقال ذلك على ما يجوز أن يوجد منه شيء دون شيء بحيث يجوز أن يفارق بعضه بعضا وينفصل بعضه عن بعض أو يمكن ذلك فيه
كما يقال: حد الغيرين ما جاز مفارقة أحدهما للآخر كصفات الأجسام المخلوقة من أجزائها وأعراضها فإنه يجوز أن تتفرق وتنفصل والله سبحانه منزه عن ذلك كله مقدس عن النقائص والآفات وقد يراد بذلك ما يعمل منه شيء دون شيء فيكون المعلوم ليس هو غير المعلوم وإن كان لازما له لا يفارقه والتغاير بهذا المعنى ثابت لك موجود فإن العبد قد يعلم وجود الحق ثم يعلم أنه قادر ثم أنه عالم ثم أنه سميع بصير وكذلك رؤيته تعالى كالعلم به فمن نفى عنه وعن صفاته التغاير والتبعيص بهذا المعنى فهو معطل جاحد للرب فإن هذا التغاير لا ينتفي إلا عن المعدوم
وهذا قد بسطناه في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية في الكلام على سورة الإخلاص وغير ذلك بسطا بينا ومن علم ذلك زالت عنه الشبهات في هذا الباب فقول السلف والأئمة ما وصف الله من الله وصفاته منه وعلم الله من الله وله نحو ذلك مما استعملوا فيه لفظ من وإن قال قائل معناها التبعيض فهو تبعيض بهذا الاعتبار كما يقال إنه تغاير بهذا الاعتبار ثم كثيرا من الناس يمتنع أو ينفي لفظ التغاير والتبعيض ونحو ذلك وبعض الناس لا يمتنع من لفظ التغاير ويمتنع من لفظ التعيض وبعضهم لا يمتنع من اللفظين إذا فسر المعنى وأزيلت عنه الشبهة والإجمال الذي في اللفظ
ولا ريب أن الجهمية تقول في هذا الباب ما هم متناقضون فيه تناقضا معلوما بالبديهة ثم إن الذين ينفون أن لا يتصف إلا بالمعدوم فيتناقضون ويعطلون فإنهم يقولون إن كونه واحدا يمتنع أن يكون له صفة بوجه من الوجوه لأن ذلك يوجب الكثرة والعددية قالوا ويجب تنزيهه عن ثبوت عدد وكثرة في وصف أو قدرة ثم إنهم يضطرون إلى أن يقولوا هو قديم حق رب حي عليم قدير ونحو ذلك من المعاني التي يمكن علمنا ببعضها دون بعض والمعلوم ليس هو الذي ليس بمعلوم وذلك يقتضي ما فروا منه مما سموه تعددا وكثرة وتبعيضا وتغايرا فهذا تناقضهم ثم إن سلب ذلك لا يكون إلا عن المعدوم وأما الموجود فإما قديم وإما محدث وإما موجود بنفسه وإما ممكن مفتر إلى غيره وإن الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره إلى غير ذلك من المعاني التي تميز بها الموجودات بعضها عن بعض إذ لكل موجود حقيقة خاصة يميز بها يعلم منها شيء دون شيء وذلك هو التبعيض والتغاير الذي يطلقون إنكاره وهذا أصل نفاة الجهمية المعطلة وهم كما قال الأئمة لا يثبتون شيئا في الحقيقة
ولهذا قال الإمام أبو عمر بن عبد البر الذي أقول أنه إذا نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وعبدالرحمن وسائر المهاجرين والأنصار وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجا علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين وبإعلامم النبوة ودلائل الرسالة لا من قبل حركة ولا سكون ولا من باب الكل والبعض ولا من باب كان ويكون ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبا وفي الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه لازما ما أضاعوه ولو أضاعوا الواجبات لما نطق القرآن يتزكيتهم وتقديمهم ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم ولو كان ذلك من علمهم مشهورا ومن أخلاقهم معروفا لاستفاض عنهم واشتهروا به كما اشتهروا بالقرآن والروايات وقول رسول الله ﷺ [ ينزل ربنا إلى سماء الدنيا ] عندهم مثل قول الله: { فلما تجلى ربه للجبل } ومثل قوله: { وجاء ربك والملك صفا صفا } كلهم يقول ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف ولا يقولون كيف يجيء وكيف يتجلى وكيف ينزل وفي قوله { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ما يفسر لك حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله تجلى ربه للجبل فلينظر في تفسير بقي بن مخلد وتفسير محمد ابن جرير وليقف على ما ذكرا من ذلك والله أعلم
وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتاب أبطال التأويلات لأخبار الصفات ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا أبو المغيرة الخولاني حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: إن الله إذا أراد أن يخوف عبادة أبدى عن بعضه إلى الأرض فعند ذلك تزلزل وإذا أراد أن يدمر على قول تجلى لها قال ورواه ابن فورك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخوف أهل الأرض أبدى عن بعضه وإذا أراد أن يدمر عليها تجلى لها ثم قال أنه قوله أبدى عن بعضه فهو على ظاهره وأنه راجع إلى الذات إذ ليس في حمله على ظاهره وأنه راجع إلى الذات ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحق فإن قيل بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته لأنه يستحيل وصفاته بالكل والبعض والجزء فوجب حمله على إبداء بعض آياته وعلاماته تحذيرا وإنذارا قيل لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض كما أطلقنا تسمية يد ووجه لا على وجه التجزئة والتبعيض وإن كنا نعلم أن اليد في الشاهد بعض الجملة قال: وجواب آخر وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله وإذا أبدى عن بعضه على بعض آياته لوجب أن يحمل قوله أراد أن يدمر على قوم تجلى لها على جميع آياته ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته لأنه قد أهلك بلادا كل بلد يغير ما أهلك به الآخر وكذلك قال الإمام أحمد فيما أخرجه في الرد على الجهمية لما ذكر قول جهم قال فتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث النبي ﷺ وزعم أن من وصف من الله شيئا مما يصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرا فبين أحمد في كلامه أن من الله ما يوصف وأنه يوصف بذلك فذلك موصوف والرب موصوف به وهذا كلام سديد فإن الله في كلامه وصف ما وصف من علمه وكلامه وخلقه بيديه وغير ذلك وهو موصوف بهذه المعاني التي وصفها ولذلك سميت صفات فإن الصفة أصلها وصفة مثل جهة أصلها وجهة وعدة وزنة أصلها وعدة ووزنة وهذا المثال وهو فعله قد يكون في الأصل مصدرا كالعدة والوعد فكذلك الصفة وموصف وقد يكون بمعنى المفعول كقولهم حلية ووجهه وشرعة وبدعة فإن فعلا يكون بمعنى المفعول كقوله [ بذبح عظيم ] أي بمذبوح والشرعة المشروعة والبدعة والوجة هي الجهة التي يتوجه إليها فكذلك قد يقال في لفظ الصفة إن لم تنقل عن المصدر أنها الموصوفة
وعلى هذا ينبني نزاع الناس هل الوصف والصفة في الأصل بمعنى واحد بمعنى الأقوال ثم استعملا في المعاني تسمية للمفعول باسم المصدر إذ الوصف هو القول الذي هو المصدر والصفة هي المفعول الذي يوصف بالقول وأكثر الصفاتية على هذا الثاني وقولهم أيضا يصح على القول الأول كما كنا نقرره قبل ذلك إذ أهل العرف قد يخصون أحد اللفظين بالنقل دون الآخر لكن تقرير قولهم على هذه الطريقة الثانية أكمل وأتم كما ذكرناه هنا
فقول أحمد وغيره: فمن وصف من الله شيئا مما يصف به نفسه فالشيء الموصوف هو الصفة كعلمه ويديه وهذه الصفة الموصوفة وصف الله بها نفسه أي أخبر بها عن نفسه وأنبتها لنفسه كقوله: { أنزله بعلمه } وقوله: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي }
ثم قال أحمد: فإن قيل لهم من تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق
فقلنا: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم فقلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تأتمون بشيء وإنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون إلى أن قال لهم فقد جمعتم في مسألة الكلام كما تقدم ذكر لفظه بين كفر وتشبيه فتعالى عن هذه الصفة إلى قول قال فقالوا: لا تكونون موحدين أبدا حتى تقولوا قد كان الله ولا شيء فقلنا نحن نقول قد كان الله ولا شيء ولكن إذا قلنا إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلها واحدا بجميع صفاته وضربنا لهم في ذلك مثلا فقلنا أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار واسمها اسم شيء واحد وسميت نخلة بجميع صفاتها فكذلك الله وله المثل الأعلى بجيمع صفاته إله واحد لا نقول إنه قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى خلق فعلم والذي لا يعلم هو جاهل ولكن نقول لم يزل الله عالما قادرا مالكا لا متى ولا كيف وقد سمي الله رجلا كافرا اسمه الوليد بن المغيرة المخرومي فقال: { ذرني ومن خلقت وحيدا } وقد كان الله سماه وحيدا له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة فقد سماه وحيدا بجميع صفاته فكذلك الله وله المثل الأعلى هو بجميع صفاته إله واحد فقد بين أن ما لا يعرف بصفة فهو معدم وهذا حق وبين أنه متعال عن الصفة التي وصفه بها الجهمية وذكر أنه إذا قلنا لم يزل بصفاته كلها إنما نصف إلها واحدا وبين أن النبات والحيوان يسمى واحدا وإن كان له صفات هي كالجذع والكرب من النخلة وكاليد والرجل من الإنسان فالرب أولى أن يكون واحدا وإن كان له صفات إذ هو أحق بالوحدانية واسم الواحد من المخلوقات التي قد تتفرق صفاتها وتتبعض وتكون مركبة منها والرب تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد والمقصود أنه سمى هذه الأمور صفات أيضا
ونظير ذلك ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في شرح الموطأ بعد أن قال: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يجدون فيه صفة محصورة
وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أقر بها نافون للمعبود بلا سوف والحق فيما قاله القائلون بما ينطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله
روى حرملة بن يحيى سمعت عبد الله بن وهب يقول سمعت مالك بن أنس يقول: من وصف شيئا من ذات الله مثل قوله وقالت اليهود يد الله مغلولة فأشار بيده إلى عنقه ومثل قوله وهو السميع البصير فأشار إلى عينه واذنه أو شيئا من يديه قطع ذلك منه لأنه شبه الله بنفسه ثم قال مالك:
أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي ﷺ - لا يضحي بأربع من الضحايا وأشار البراء بيده كما أشار النبي ﷺ - قال البراء ويدي أقصر من يد رسول الله ﷺ فكره البراء أن يصف يد رسول الله ﷺ - إجلالا له وهو مخلوف فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء انتهى
والمقصود قوله من وصف شيئا من ذات الله فجعل الموصوف من ذات الله وغالب كلام السلف على هذا كقول عبدالعزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون نظير مالك في كلامه المشهور في الصفات
وقد رواه بالإسناد أبو بكر الأثرم وأبو عمرو الطلمنكي وأبو عبد الله بن بطة في كتبهم وغيرهم قال: أما بعد فقد فهمت ما سئلت فيما تتابعت الجهمية ومن خلفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحسرت العقول دون معرفة قدره ردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وإنما أمروا بالنظر والتكفير فيما خلق بالتقدير وإنما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذي لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر مخلوقاته لا تكاد تراه صغيرا يحول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله أعضل بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وخالقهم وسيد السادة وربهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير إعرف رحمك الله تعالى وغناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها إذا لم تعرف قدر ما وصف فما كلفك علم ما لم يصف هل يستدل بذلك على شيء من طاعته أو ينزجر به عن معصيته
فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب من وسمى نفسه بأن قال لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا فعمي عن البين بالخفي فجحد ما سمي الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل: { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة }: فقال لا يراه أحد يوم القيامة فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونظرته إياهم في مقعد صدق عن مليك مقتدر فهم بالنظر إليه ينظرون إلى أن قال: وإنما جحد رؤيته يوم القيامة إقامة للحجة الضالة المضلة لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا: قال مؤمنين وكان له جاحدا
وقال المسلمون [ يا رسول الله: هل نرى ربنا فقال رسول الله عليه وسلم: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا: لا قال: فإنكم ترون ربكم يومئذ كذلك ]
وقال رسول الله ﷺ: [ لا تمتلىء النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوي بعضها إلى بعض ]
وقال لثابت بن قيس: [ لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة ] وقال فيما بلغنا: [ أن الله ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم فقال له رجل من العرب: إن ربنا ليضحك قال: نعم قال: لا نعدم من رب يضحك ] خيرا في أشباه لهذا مما لم يخصه
وقال الله تعالى: { وهو السميع البصير } وقال: { اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } وقال: { ولتصنع على عيني } وقال: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } وقال: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } فوالله ما دلهم على عظم ما وصف من نفسه وما تحيط به قبضته الأصغر نظيرها منهم عندهم أن ذلك الذي ألقي في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف
اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين تنتهي حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارث علمه الأمة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عينا ولا تكلفن بما وصف من ذلك قدرا وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في الحديث عن نبيك من ذكر ربك فلا تتكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه فإن تكلفك معرفة ما لم يصف به نفسه مثل إنكارك ما وصف منها فكما أعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها فقدر الله عز وجل المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما يبلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن
وما ذكر عن رسول الله ﷺ أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمي ووصف الرب تعالى من نفسه والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمي منها جحدا ولا يتكلفون وصفة بما لم يسم تعمقا لأن الحق ترك ما ترك وسمى ما سمى فمن يتبع غير سبيل المؤمنين قوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا وهب الله لنا ولكم حكما وألحقنا بالصالحين
فتدبر كلام هذا الإمام وما فيه من المعرفة والبيان والمقصود هنا تكلمه بلفظ من في مواضع عديدة كقوله: وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهي يعرفه عارف أو يحد قدره واصف فذكر أن صفة شيء منه لا يعرف أحد حدها ولا قدرها ثم قال: الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفة أصغر مخلوقاته فجعل الصفة هنا له لا لشيء منه لأنه استدل بالعجز عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة المخلوق ثم أمر بمعرفة ما ظهر علمه بالكتاب والسنة والسكوت عما لم يظهر علمه وذم من نفى ما ذكر أو تكلف علم ما لم يذكر فقال: إعرف غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها فذكر أن من نفسه ما لم يصفه ونهى عن تكلف صفته لأن الذي وصفه من نفسه يعجز عن معرفة قدره فالعجز عما لم يذكر أولى قال: إذا لم تعرف قدر ما وصف فما كلفك علم ما لم يصف ثم قال: فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه تعمقا وتكلفا فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لا بد إن كان له كذا من أن يكون له هذا فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها فذكر أيضا في هذا الكلام أن الرب وصف من نفسه وسمى من نفسه ما وصف وسمى وصمت عما لم يسم من نفسه وأن الجهمية يجحدون الموصوف المسمى من نفسه بأن ذلك يستلزم كذا وينفون اللازم الذي صمت الرب عنه فلم يذكره بنفي ولا إثبات
ثم بين أن الجهمي ينكر الرؤية لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين وكان له جاحدا فذكر أن المؤمنين يرون منه يوم القيامة ما صدقوا به في الدنيا وجحدته الجهمية وأن الجهمي علم أن رؤيته تستلزم ثبوت ما جحده فلذلك أنكرها
وهكذا فإن الرؤية تستلزم ثبوت ذلك لا ريب ولهذا كان من أثبت الرؤية ووافق الجهمي على نفي لوازمها مخالفا للفطرة العقلية عند عامة العقلاء المثبتة والنافية ثم قال: لما ذكر قوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه فو الله ما دلهم على عظم ما وصف من نفسه وما تحيط به قبضته الأصغر نظيرها منهم
فذكر أن ما دلت عليه الآية هو ما وصفه من نفسه وأن هذا الموصوف منه نظيره منهم صغير فإذا كان هذا عظمة الذي هو صغير بالنسبة إلى ما لم يذكر فكيف بعظمة ما لم يصف من نفسه سبحانه وتعالى ثم قال: فما وصف من نفسه فسماه سميناه كما سماه ولم تتكلف من صفة ما سواه
فذكر أن نسمي ونصف ما سمي ووصف من نفسه ولا نتكلف أن نصف منه ما سوى ذلك لا نجحد الموصوف من نفسه ولا نتكلف معرفة ما لم يصفه من نفسه وسائر كلامه يوافق هذا يبين أنه وصف من نفسه موصوفات وسكت عما لم يصفه من نفسه كقوله فإن تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل إنكارك ما وصف منها فكما أعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها.
فقد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر ويسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه وما يبلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب قلب مؤمن
قوله في هذا الموضع يسمعون ما وصف الرب من نفسه من هذا في كتابه فالله قال هنا ما وصف الرب به نفسه من هذا وفي سائر المواضع يقول ما وصف من نفسه وذلك لأنه هنا قال يسمعون فلا بد أن يذكر الكلام الذي وصف الله به نفسه والمسموع يتضمن ما وصفه من نفسه فهذا قال يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا وفي غير هذا الموضع كقوله فما وصف من نفسه فسماه سميناه كما سماه أراد ما دل عليه الكلام وبينه ووصفه وهو الذي وصفه الله من نفسه وسماه وذلك يعلم ويعرف ويذكر ولا يسمع إلا إذا وصف وذكر وسيأتي بيان أن هذه الموصوفات التي وصفها الله من نفسه يوصف بها أيضا فهي موصوفة باعتبار والرب يوصف بها باعتبار
وذكر أبو الشيخ الاصبهاني في كتاب السنة له قال وفيما أجازني جدي رحمه الله قال: قال إسحق بن راهوية إن الله تبارك وتعالى وصف نفسه من كتابه بصفات استغنى الخلق كلهم عن أن يصفوه بغير ما وصف به نفسه وأجله في كتابه فإنما فسر النبي ﷺ معنى إرادة الله تبارك وتعالى قال الله في كتابه حيث ذكر عيسى بن مريم فقال: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } وقال في محكم كتابه: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون * ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } وقال: { بل يداه مبسوطتان } وقال: { يد الله فوق أيديهم } وقال: { خلقت بيدي } وقال في آيات كثيرة { وهو السميع البصير } وقال: { ولتصنع على عيني } وكل ما وصف الله به نفسه من الصفات التي ذكرناهما مما هي موجودة في القرآن وما لم نذكر فهو كما ذكر
وإنما يلزم العباد الاستسلام لذلك والتعبد لا نزيل صفة مما وصف الله به نفسه أو وصف الرسول عن جهته لا بكلام ولا بإرادة وإنما يلزم المسلم الأداء ويوقن بقلبه أن ما وصف به نفسه في القرآن إنما هي صفاته ولا يعقل نبي مرسل ولا ملك مقرب تلك الصفات إلا بالأسماء التي عرفهم الرب تبارك وتعالى فأما أن يدرك أحد من بني آدم معنى تلك الصفات فلا يدركه أحد
وذلك أن الله تعالى إنما وصف من صفاته قدر ما تحتمله عقول ذوي الألباب ليكون إيمانهم بذلك ومعرفتهم بأنه الموصوف بما وصف به نفسه ولا يعقل أحد منتهاه ولا منتهى صفاته وإنما يلزم المسلم أن يثبت معرفة صفات الله بالاتباع والإستسلام كما جاء فمن جهل معرفة ذلك حتى يقول إنما أصف ما قال الله ولا أدري ما معاني ذلك حتى يفضي إلى أن يقول بمعنى قول الجهمية يد نعمة ويحتج بقوله أيدينا أنعاما ونحو ذلك فقد ضل عن سواء السبيل
هذا محض كلام الجهمية حيث يؤمنون بجميع ما وصفنا من صفات الله ثم يحرفون معنى الصفات عن جهتها التي وصف الله بها نفسه حتى يقولوا معنى السميع هو البصير ومعنى البصير هو السميع ويجعلون اليد يد نعمة وأشباه ذلك يحرفونها عن جهتها لأنهم هم المعطلة
فقد تبين مستند حكاية ابن شجاع الثلجي وزرقان وغيرهما لما ينقلونه عن أهل الاثبات من التحريف كقولهم إن الله هو القرآن أو عن القرآن بعضه
وذكر أن محمد بن شجاع إمام الواقف هو وأصحابه الذين لا يقولون القرآن مخلوق ولا غير مخلوق يطلقون عليه أنه محدث بمعنى أنه أحدثه في غيره وهو معنى قول من قال إنه مخلوق ليس بينهما فرق إلا في اللفظ وقد سلك هذا المسلك طوائف من أهل البدع من الرافضة وغيرهم يقولون هو محدث مجعول ولا يقولون هو مخلوق ويزعمون أن لفظ الخلق يحتمل المفتري وهم في المعنى موافقون لأصحاب المخلوق
وقد وافقهم على الترادف طوائف الكلابية والأشعرية وطوائف من أهل الفقه والحديث والتصوف يقولون المحدث هو المخلوق في غيره لا يسمون محدثا إلا ما كان كذلك فهؤلاء كلهم يقولون من قال إنه محدث كان معنى قوله إنه مخلوق ولزمه القول بأنه مخلوق فهو أحد الوجهين للإنكار على داود الأصبهاني وغيره ممن قال إنه محدث وأطلق القول بذلك وإن كان داود وأبو معاذ وغيرهما لم يريدوا بقولهم أنه محدث أنه بائن عن الله كما يريد الذين يقولون أنه مخلوق بل ذهب داود وغيره ممن قال إنه محدث وليس بمخلوق من أهل الاثبات أنه هو الذي تكلم به وأنه قائم بذاته ليس بمخلوق منفصل عنه ولعل هذا كان مستند داود في قوله لعبد الله أحب أن تعذر بي عنده وتقول له ليس هذا مقالتي أو ليس كما قيل لك فإنه قد يكون قصد بذلك أني لا أقول أنه محدث بالمعنى الذي فهموه وأفهموه وهو أنه مخلوق وليس هذا مذهبي ولم يقبل أحمد قوله لأن هذا القول منكر ولو فسره بهذا التفسير لما ذكرناه ولأنه انكر مطلقا فلم يقربا للفظ الذي قاله وقد قامت عليه البينة به فلم يقبل إنكاره بعد الشهادة عليه ولأنه أظهر مع هذه البدعة بدعة أخرى وهي إباحة التحليل وهو مذهبه
وأهل الحديث لم يكونوا يتنازعون في تحريم ذلك كما جاءت به الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ والتابعين وكان محمد بن يحيى من أئمة أهل الحديث كما قال أبو نعيم الأصبهاني أنبأنا محمد بن عبد الله يعني الحاكم سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود يقول: سمعت محمد ابن سهل بن عسكر يقول: كنا عند أحمد بن حنبل فدخل محمد بن يحيى فقام إليه أحمد وتعجب منه الناس ثم قال لبنيه وأصحابه اذهبوا إلى أبي عبد الله فاكتبوا عنه وقد تنازع الناس في لفظ المحدث هل هو مرادف للفظ المخلوق أم ليس كذلك على قولين قال الأشعري في المقالات لما ذكر النزاع في الخلق والكسب والفعل قال واتفق أهل الاثبات على أن معنى مخلوق معنى محدث ومعنى محدث معنى مخلوق وهذا هو الحق عندي وإليه أذهب وبه أقول
وقال زهير الأبري وأبو معاذ التومني معنى مخلوق أنه وقع عن إرادة من الله وقوله له كن وقال كثير من المعتزلة بذلك منهم أبو الهذيل وقد قال قائلون معنى المخلوق أن له خلقا ولم يجعلوا الخلق قولا على وجه من الوجوه منهم أبو موسى وبشر بن المعتمر الفرق بين المخلوق والمحدث هو إصطلاح أئمة أهل الحديث وهو موافق للغة التي نزل بها القرآن ومنهم يفرق بين حدث ومحدث كما حكى القولين الأشعري
قال البخاري في صحيحه في كتاب الرد على الجهمية في أثناء أبواب القرآن باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق وهو فعل الرب وأمره فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكون غير مخلوق وما كان يفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون ثم قال بعد ذلك قال باب قول الله تعالى: { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير } ولم يقل ماذا خلق ربكم وقال: { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقال مسروق عن ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئا حتى إذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا ماذا قال ربكم قالوا الحق قال: ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس سمعت النبي ﷺ يقول [ يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان ]
ثم روي عن عكرمة عن أبي هريرة بلغ به النبي ﷺ قال [ إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على الصفوان حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا: الحق وهو العلي الكبير ] ثم قال بعد أبواب باب قول الله تعالى كل يوم هو في شأن وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وقال ابن مسعود عن النبي ﷺ: [ أن الله يحدث من أمره ما يشاء وأن ما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ] وروى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله تقرأونه محضا لم يشك فيه وروي الزهري أخبرني عبيدالله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس قال يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشك فيه وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم الكتب وقالوا هو من الله ليشتروا بذلك ثمنا قليلا أو لا ينهاكم ما جائكم من العلم عن مسألتهم فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم