البداية والنهاية/الجزء السادس/وقعة عين التمر
لما استقل خالد بالأنبار استناب عليها الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر وبها يومئذ مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العرب، وحولهم من الأعراب طوائف من النمر، وتغلب، وإياد، ومن لاقاهم وعليهم عقة ابن أبي عقة، فلما دنا خالد، قال عقة لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدا.
فقال له: دونكم وإياهم وإن احتجتم إلينا أعناكم، فلامت العجم أميرهم على هذا، فقال: دعوهم فإن غلبوا خالدا فهو لكم، وإن غلبوا قاتلنا خالدا وقد ضعفوا ونحن أقوياء، فاعترفوا له بفضل الرأي عليهم.
وسار خالد وتلقاه عقة، فلما تواجهوا قال خالد لمجنبتيه: إحفظوا مكانكم فإني حامل، وأمر حماته أن يكونوا من ورائه، وحمل على عقة وهو يسوي الصفوف فاحتضنه وأسره، وانهزم جيش عقة من غير قتال، فأكثروا فيهم الأسر، وقصد خالد حصن عين التمر.
فلما بلغ مهران هزيمة عقة وجيشه نزل من الحصن وهرب وتركه، ورجعت فلال نصارى الأعراب إلى الحصن فوجدوه مفتوحا فدخلوه واحتموا به، فجاء خالد وأحاط بهم وحاصرهم أشد الحصار، فلما رأوا ذلك سألوه الصلح فأبى إلا أن ينزلوا على حكم خالد، فجعلوا في السلاسل، وتسلم الحصن، ثم أمر فضربت عنق عقة ومن كان أسر معه، والذين نزلوا على حكمه أيضا أجمعين، وغنم جميع ما في ذلك الحصن، ووجد في الكنيسة التي به أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل وعليهم باب مغلق، فكسره خالد وفرقهم في الأمراء وأهل الغناء.
وكان حمران صار إلى عثمان بن عفان من الخمس، ومنهم سيرين والد محمد بن سيرين، أخذه أنس بن مالك، وجماعة آخرون من الموالي المشاهير أراد بهم وبذراريهم خيرا.
ولما قدم الوليد بن عقبة على الصديق بالخمس، رده الصديق إلى عياض بن غنم مددا له وهو محاصر دومة الجندل، فلما قدم عليه وجده في ناحية من العراق يحاصر قوما وهم قد أخذوا عليه الطرق فهو محصور أيضا، فقال عياض للوليد: إن بعض الرأي خير من جيش كثيف، ماذا ترى فيما نحن فيه؟
فقال له الوليد: اكتب إلى خالد يمدك بجيش من عنده.
فكتب إليه يستمده فقدم كتابه على خالد عقب وقعة عين التمر وهو يستغيث به.
فكتب إليه من خالد إلى عياض: إياك أريد
لبث قليلا تأتك الحلائب * يحملن آسادا عليها القاشب
كتائب تتبعها كتائب