البداية والنهاية/الجزء السادس/فصل حديث إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة وعند مسلم عن جابر بن سمرة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: « إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا كلهم يزعم أنه نبي ».
وقال البيهقي: عن الماليني، عن أبي عدي، عن أبي يعلى الموصلي، حدثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا محمد بن الحسن الأسدي، ثنا شريك عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم: مسيلمة، والعنسي، والمختار، وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة، وثقيف ».
قال ابن عدي: محمد بن الحسن له إفرادات وقد حدث عنه الثقات ولم أر بتحديثه بأسا.
وقال البيهقي: لحديثه في المختار شواهد صحيحه.
ثم أورد من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل، عن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول الله ﷺ حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا أخالك إلا إياه.
قال: ورواه مسلم من حديث الأسود بن شيبان وله طرق عن أسماء وألفاظ سيأتي إيرادها في موضعه.
وقال البيهقي: أنا الحاكم وأبو سعيد عن الأصم، عن عباس الدراوردي، عن عبيد الله بن الزبير الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة عن أبي المحيا، عن أمه قالت: لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر، فقال: يا أمه إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟
فقالت: لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة ولكن انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله ﷺ يقول: « يخرج من ثقيف كذاب ومبير » فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت.
فقال الحجاج: مبير المنافقين.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شريك عن أبي علوان عبد الله بن عصمة، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إن في ثقيف كذابا ومبيرا ».
وقد تواتر خبر المختار ابن أبي عبيد الكذاب الذي كان نائبا على العراق وكان يزعم أنه نبي، وأن جبريل كان يأتيه بالوحي.
وقد قيل لابن عمر - وكان زوج أخت المختار وصفيه -: إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه.
قال: صدق قال الله تعالى: « وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ».
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا قرة بن خالد عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد قال: كنت ألصق شيء بالمختار الكذاب، قال: فدخلت عليه ذات يوم فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي.
قال: فأهويت إلى قائم السيف لأضربه حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي أن رسول الله ﷺ قال: « إذا أمن الرجل الرجل على دمه ثم قتله رفع له لواء الغدر يوم القيامة » فكففت عنه.
وقد رواه أسباط بن نصر وزائدة والثوري عن إسماعيل السدي، عن رفاعة بن شداد القتباني فذكر نحوه.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو بكر الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة عن مجالد، عن الشعبي قال: فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة، والأحنف ساكت لا يتكلم فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له، فجاء بكتاب فقال: هاك إقرأ.
فقرأته فإذا فيه من المختار لله يذكر أنه نبي.
يقول الأحنف: أنى فينا مثل هذا.
وأما الحجاج بن يوسف فقد تقدم الحديث أنه الغلام المبير الثقفي وسنذكر ترجمته إذا انتهينا إلى أيامه فإنه كان نائبا على العراق لعبد الملك بن مروان ثم لابنه الوليد بن عبد الملك وكان من جبابرة الملوك على ما كان فيه من الكرم والفصاحة على ما سنذكره.
وقد قال البيهقي: ثنا الحاكم عن أبي نضر الفقيه، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي أن معاوية بن صالح حدثه عن شريح بن عبيد، عن أبي عذبة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم فخرج غضبان فصلى لنا الصلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون: سبحان الله، سبحان الله، فلما سلم أقبل على الناس فقال: من ههنا من أهل الشام، فقام رجل ثم قام آخر ثم قمت أنا ثالثا أو رابعا، فقال: يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم أهل الجاهلية، لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم.
قال عبد الله: وحدثني ابن لهيعة بمثله.
قال: وولد الحجاج يومئذ.
ورواه الدارمي أيضا عن أبي اليمان، عن جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي عذبة الحمصي، عن عمر فذكر مثله.
قال أبو اليمان: علم عمر أن الحجاج خارج لا محالة فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة.
قلت: فإن كان هذا نقله عمر عن رسول الله ﷺ لقد تقدم له شاهد عن غيره وإن كان عن تحديث فكرامة الولي معجزة لنبيه.
وقال عبد الرزاق: أنا جعفر - يعني: ابن سليمان - عن مالك بن دينار، عن الحسن قال: قال علي لأهل الكوفة: اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشوني، فسلط عليهم فتى ثقيف الذبال الميال يأكل خضرتها ويلبس فروتها ويحكم فيهم بحكم الجاهلية.
قال: فتوفي الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ وهذا منقطع.
وقد رواه البيهقي أيضا من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أيوب، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن علي ابن أبي طالب أنه قال: الشاب الذبال أمير المصرين يلبس فروتها ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف أهلها، يشتد منه الفرق ويكثر منه الأرق ويسلطه الله على شيعته.
وله من حديث يزيد بن هارون أنا العوان بن حوشب، حدثني حبيب ابن أبي ثابت قال: قال علي: لا مت حتى تدرك فتى ثقيف.
فقيل: يا أمير المؤمنين وما فتى ثقيف؟
فقال: ليقالن له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنم رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يفتن بمن أطاعه من عصاه وهذا معضل وفي صحته عن علي نظر والله أعلم.
وقال البيهقي: عن الحاكم، عن الحسين بن الحسن بن أيوب، عن أبي حاتم الرازي، عن عبد الله بن يوسف الثنيني، ثنا هشام بن يحيى الغساني قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم.
وقال أبو بكر ابن عياش: عن عاصم بن النجود ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج.
وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى: { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } [الأنعام: 45] .
قلت: وقد توفي الحجاج سنة خمس وتسعين.