البداية والنهاية/الجزء السادس/مزاحه عليه السلام
وقال ابن لهيعة: حدثني عمارة بن غزية عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس قال: كان رسول الله ﷺ من أفكه الناس مع صبي، وقد تقدم حديثه في ملاعبته أخاه أبا عمير وقوله: « أبا عمير ما فعل النغير » يذكره بموت نغر كان يلعب به ليخرجه بذلك كما جرت به عادة الناس من المداعبة مع الأطفال الصغار.
وقال الإمام أحمد: ثنا خلف بن الوليد، ثنا خالد بن عبد الله عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي ﷺ فاستحمله.
فقال رسول الله ﷺ: « إنا حاملوك على ولد ناقة ».
فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة؟
فقال رسول الله - ﷺ -: « وهل تلد الإبل إلا النوق؟ »
ورواه أبو داود عن وهب بن بقية، والترمذي عن قتيبه، كلاهما عن خالد بن عبد الله الواسطي الطحان به.
وقال الترمذي: صحيح غريب.
وقال أبو داود في هذا الباب: ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج بن محمد، ثنا يونس ابن أبي إسحاق عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حرب، عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي ﷺ، فسمع صوت عائشة عاليا على رسول الله، فلما دخل تناولها ليلطمها.
وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله!.
فجعل النبي ﷺ يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا.
فقال رسول الله حين خرج أبو بكر: « كيف رأيتني أنقذتك من الرجل »
فمكث أبو بكر أياما، ثم استأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا.
فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما.
فقال رسول الله ﷺ: « قد فعلنا، قد فعلنا ».
وقال أبو داود: ثنا مؤمل بن الفضل، ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء، عن بشر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت رسول الله في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فسلمت فرد، وقال: « أدخل ».
فقلت: أكلي يا رسول الله؟
فقال: « كلك » فدخلت.
وحدثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن عثمان ابن أبي العاتكة إنما قال: أدخل كلي من صغر القبة.
ثم قال أبو داود: ثنا إبراهيم بن مهدي، ثنا شريك عن عاصم، عن أنس قال: قال لي رسول الله ﷺ: « ياذا الأذنين ».
قلت: ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن ثابت، عن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا، يهدي النبي ﷺ الهدية من البادية، فيجهزه النبي ﷺ إذا أراد أن يخرج.
فقال رسول الله: « إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضروه ».
وكان رسول الله -ﷺ - يحبه، وكان رجلا دميما، فأتاه رسول الله ﷺ وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره.
فقال: أرسلني من هذا؟.
فالتفت فعرف النبي ﷺ، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي ﷺ حين عرفه، وجعل رسول الله ﷺ يقول: « من يشتري العبد ».
فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدني كاسدا.
فقال رسول الله ﷺ: « لكن عند الله لست بكاسد ».
أو قال: « لكن عند الله أنت غال ».
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على شرط الصحيحين، ولم يروه إلا الترمذي في الشمائل عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرزاق.
ومن هذا ما قال الإمام أحمد: ثنا حجاج، حدثني شعبة عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ كان في مسير، وكان حاد يحدو بنسائه أو سائق قال: فكان نساؤه يتقدمن بين يديه.
فقال: « يا أنجشة ويحك إرفق بالقوارير ».
وهذا الحديث في الصحيحين عن أنس قال: وكان للنبي ﷺ حاد يحدو بنسائه يقال له: أنجشة، فحدا فأعنقت الإبل.
فقال رسول الله ﷺ: « ويحك يا أنجشة، إرفق بالقوارير ».
ومعنى القوارير: النساء، وهي كلمة دعابة - صلوات الله وسلامه عليه - دائما إلى يوم الدين.
ومن مكارم أخلاقه ودعابته، وحسن خلقه، استماعه عليه السلام حديث أم زرع من عائشة بطوله، ووقع في بعض الروايات أنه عليه السلام هو الذي قصه على عائشة.
ومن هذا ما رواه الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا أبو عقيل - يعني: عبد الله بن عقيل الثقفي - به.
حدثنا مجالد بن سعيد عن عامر، عن مسروق، عن عائشة قالت: حدث رسول الله ﷺ نساءه ذات ليلة حديثا.
فقالت امرأة منهن: « يا رسول الله كان الحديث حديث خرافة ».
فقال رسول الله ﷺ: « أتدرين ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن في الجاهلية، فمكث فيهم دهرا طويلا، ثم ردوه إلى الأنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة ».
وقد رواه الترمذي في الشمائل عن الحسن بن الصباح البزار، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به.
قلت: وهو من غرائب الأحاديث وفيه نكارة، ومجالد بن سعيد يتكلمون فيه، فالله أعلم.
وقال الترمذي في باب خراج النبي ﷺ من كتابه الشمائل ثنا عبد بن حميد، ثنا مصعب بن المقدام، ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: أتت عجوز النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله أدع لي أن يدخلني الله الجنة.
قال: « يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز ».
فولت العجوز تبكي.
فقال: « أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز فإن الله تعالى يقول: { إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا } [الواقعة: 35-36] .
وهذا مرسل من هذا الوجه.
وقال الترمذي: ثنا عباس بن محمد الدوري، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، ثنا عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا؟
قال: « إني لا أقول إلا حقا ».
تداعبنا - يعني تمازحنا -.
وهكذا رواه الترمذي في جامعه في باب البر بهذا الإسناد، ثم قال: وهذا حديث مرسل حسن.