البداية والنهاية/الجزء السادس/حديث الغزالة
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله في كتابه دلائل النبوة: حدثنا سليمان بن أحمد إملاء، ثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، ثنا عبد الكريم بن هلال الجعفي عن صالح المري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله ﷺ على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط.
فقالت: يا رسول الله إني أخذت ولي خشفان فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم.
فقال: « أين صاحب هذه؟ »
فقال القوم: نحن يا رسول الله.
قال: خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم.
فقالوا: من لنا بذلك؟
قال: « أنا ».
فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها، فمر بهم رسول الله - ﷺ - فقال: « أين أصحاب هذه؟ »
فقالوا: هو ذا نحن يا رسول الله.
فقال: « تبيعونيها؟ »
فقالوا: هي لك يا رسول الله.
فقال: « خلوا عنها ».
فأطلقوها فذهبت.
وقال أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي - من أصله - ثنا أحمد بن موسى بن أنس بن نصر بن عبيد الله بن محمد بن سيرين بالبصرة، ثنا زكريا بن يحيى بن خلاد، ثنا حبان بن أغلب بن تميم، ثنا أبي عن هشام بن حبان، عن الحسن، عن ضبة بن محصن، عن أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت: بينا رسول الله ﷺ في حجر من الأرض إذا هاتف يهتف: يا رسول الله، يا رسول الله.
قال: « فالتفت فلم أر أحدا »
قال: « فمشيت غير بعيد، فإذا الهاتف يا رسول الله، يا رسول الله، قال: « التفت فلم أر أحدا » وإذا الهاتف يهتف بي، فاتبعت الصوت وهجمت على ظبية مشدودة الوثاق، وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشمس.
فقالت الظبية: يا رسول الله إن هذا الأعرابي صادني قبل ولي خشفان في هذا الجبل فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثم أعود إلى وثاقي.
قال: « وتفعلين؟ »
قالت: عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل.
فأطلقها رسول الله - ﷺ -، فمضت فأرضعت الخشفين وجاءت.
قال: فبينا رسول الله ﷺ يوثقها إذا انتبه الأعرابي.
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أصبتها قبيلا فلك فيها من حاجة؟
قال: قلت: « نعم ».
قال: هي لك، فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء فرحا وهي تضرب برجليها في الأرض وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
قال أبو نعيم: وقد رواه آدم ابن أبي إياس فقال: حدثني حبي الصدوق نوح بن الهيثم عن حبان بن أغلب، عن أبيه، عن هشام بن حبان ولم يجاوزه به.
وقد رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلائل النبوة من حديث إبراهيم بن مهدي عن ابن أغلب بن تميم، عن أبيه، عن هشام بن حبان، عن الحسن بن ضبة ابن أبي سلمة به.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة، أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، ثنا أحمد بن حازم ابن أبي عروة الغفاري، ثنا علي بن قادم، ثنا أبو العلاء خالد بن طهمان عن عطية، عن أبي سعيد قال: مر النبي ﷺ بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني.
فقال رسول الله ﷺ: « صيد قوم، وربيطة قوم ».
قال: فأخذ عليها فحلفت له.
قال: فحلها فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله ﷺ، ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم، فوهبوها له فحلها.
ثم قال رسول الله ﷺ: « لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا ».
قال البيهقي: وروى من وجه آخر ضعيف أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا أبو علي حامد بن محمد الهروي، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو حفص عمر بن علي، ثنا يعلى بن إبراهيم الغزالي، ثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير، عن يزيد بن أرقم قال: كنت مع النبي ﷺ في بعض سكك المدينة.
قال: فمررنا بخباء أعرابي فإذا بظبية مشدودة إلى الخباء.
فقالت: يا رسول الله إن هذا الأعرابي اصطادني، وإن لي خشفين في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي فلا هو يذبحني فأستريح، ولا هو يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية.
فقال لها رسول الله ﷺ: « إن تركتك ترجعين؟ »
قالت: نعم، وإلا عذبني الله عذاب العشار.
قال: فأطلقها رسول الله ﷺ فلم تلبث أن جاءت تلمض فشدها رسول الله ﷺ إلى الخباء، وأقبل الأعرابي ومعه قربة.
فقال له رسول الله ﷺ: « أتبيعنيها؟ »
قال: هي لك يا رسول الله.
فأطلقها رسول الله ﷺ.
قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسبح في البرية وهي تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
ورواه أبو نعيم: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن مطر، ثنا بشر بن موسى فذكره.
قلت: وفي بعضه نكارة والله أعلم.
وقد ذكرنا في باب تكثيره عليه السلام اللبن: حديث تلك الشاة التي جاءت وهي في البرية فأمر رسول الله ﷺ الحسن بن سعيد مولى أبي بكر أن يحلبها فحلبها، وأمره أن يحفظها فذهبت وهو لا يشعر.
فقال رسول الله ﷺ: « ذهب بها الذي جاء بها ».
وهو مروي من طريقين عن صحابيين كما تقدم، والله أعلم.