البداية والنهاية/الجزء السادس/وقعة المذار أو الثني
ثم كانت وقعة المذار في صفر من هذه السنة، ويقال لها: وقعة الثني - وهو النهر -.
قال ابن جرير: ويومئذ قال الناس: صفر الأصفار، فيه يقتل كل جبار، على مجمع الأنهار.
وكان سببها أن هرمزا كان قد كتب إلى أردشير وشيرى بقدوم خالد نحوه من اليمامة، فبعث إليه كسرى بمدد مع أمير يقال له: قارن بن قريانس فلم يصل إلى هرمز حتى كان من أمره مع خالد ما تقدم، وفر من فر من الفرس فتلقاهم قارن فالتفوا عليه فتذامروا واتفقوا على العود إلى خالد، فساروا إلى موضع يقال له: المذار وعلى مجنبتي قارن قباذ وأنوشجان فلما انتهى الخبر إلى خالد قسم ما كان معه من أربعة أخماس غنيمة يوم ذات السلاسل، وأرسل إلى الصديق بخبره مع الوليد بن عقبة، وسار خالد بمن معه من الجيوش حتى نزل على المذار وهو على تعبئته فاقتتلوا قتال حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو إلى البراز فبرز إليه خالد وابتدره الشجعان من الأمراء فقتل معقل بن الأعشى بن النباش قارنا، وقتل عدي بن حاتم قباذ، وقتل عاصم أنوشجان، وفرت الفرس وركبهم المسلمون في ظهورهم فقتلوا منهم يومئذ ثلاثين ألفا وغرق كثير منهم في الأنهار والمياه، وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب إلى من قتل، وكان قارن قد انتهى شرفه في أبناء فارس، وجمع بقية الغينمة وخمسها وبعث بالخمس والفتح والبشارة إلى الصديق مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب، وأقام خالد هناك حتى قسم أربعة الأخماس وسبى ذراري من حصره من المقاتلة دون الفلاحين، فإنه أقرهم بالجزية.
وكان في هذا السبي حبيب أبو الحسن البصري وكان نصرانيا، ومافنه مولى عثمان، وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة، ثم أمر على الجند سعيد بن النعمان، وعلى الجزية سويد ابن مقرن، وأمره أن ينزل الحفير ليجبي إليه الأموال، وأقام خالد يتجسس الأخبار عن الأعداء.