البداية والنهاية/الجزء السادس/البردة
قال الحافظ البيهقي: وأما البرد الذي عند الخلفاء، فقد روينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله ﷺ أعطى أهل إيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار - يعني: بذلك أول خلفاء بني العباس وهو السفاح رحمه الله - وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفا عن سلف، كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه، ويأخذ القضيب المنسوب إليه - صلوات الله وسلامه عليه - في إحدى يديه، فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب، ويبهر به الأبصار، ويلبسون السواد في أيام الجمع والأعياد، وذلك اقتداء منهم بسيد أهل البدو والحضر، ممن يسكن الوبر والمدر.
لما أخرجه البخاري ومسلم إماما أهل الأثر من حديث عن مالك الزهري، عن أنس أن رسول الله ﷺ دخل مكة وعلى رأسه المغفر.
وفي رواية: وعليه عمامة سوداء.
وفي رواية: قد أرخى طرفها بين كتفيه - صلوات الله وسلامه عليه -.
وقد قال البخاري: ثنا مسدد، ثنا إسماعيل، ثنا أيوب عن محمد، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت: قبض روح النبي - ﷺ في هذين -.
وللبخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه.
فقال وهو كذلك: « لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذر ما صنعوا.
قلت: وهذه الأبواب الثلاثة لا يدري ما كان من أمرها بعد هذا، وقد تقدم أنه عليه السلام طرحت في تحته قبره الكريم قطيفة حمراء كان يصلي عليها، ولو تقصينا ما كان يلبسه في أيام حياته لطال الفصل، وموضعه كتاب اللباس من كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.