البداية والنهاية/الجزء السادس/حديث آخر فيه إشارة إلى محمد بن إدريس الشافعي
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا جعفر بن سليمان عن النضر بن معبد الكندي أو العبدلي، عن الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: « لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما اللهم إنك أذقت أولها وبالا فأذق آخرها نوالا ».
وقد رواه الحاكم من طريق أبي هريرة.
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: وهو الشافعي.
قلت: وقد توفي الشافعي رحمه الله في سنة أربع ومائتين وقد أفردنا ترجمته في مجلد وذكرنا معه تراجم أصحابه من بعده.
حديث آخر:
روى رواد بن الجراح عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة مرفوعا: « خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ ».
قالوا: وما خفيف الحاذ يا رسول الله؟
قال: « من لا أهل له ولا مال ولا ولد ».
حديث آخر:
قال ابن ماجه: حدثنا الحسن بن علي الخلال، حدثنا عون بن عمارة، حدثني عبد الله بن المثنى، ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أبيه، عن جده أنس بن مالك، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله ﷺ: « الآيات بعد المائتين ».
وحدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا نوح بن قيس، حدثنا عبد الله بن معقل عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن رسول الله ﷺ قال: « أمتي على خمس طبقات فأربعون سنة أهل بر وتقوى، ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة أهل تراحم وتواصل، ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة أهل تدابر وتقاطع، ثم الهرج الهرج النجاء النجاء »..
وحدثنا نصر بن علي، حدثنا حازم أبو محمد العنزي، حدثنا المسور بن الحسن عن أبي معن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ: « أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاما، فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان، وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين فأهل بر وتقوى ».
ثم ذكره نحوه هذا لفظه، وهو حديث غريب من هذين الوجهين ولا يخلو عن نكارة والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: ثنا وكيع عن الأعمش، حدثنا هلال بن بيان عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يتسمنون يحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها ».
ورواه الترمذي من طريق الأعمش.
وقد رواه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي جمرة، عن زهدم بن مضرب سمعت عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ: « خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ».
قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة « ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن » لفظ البخاري.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أنا سفيان عن منصور، عن إبراهيم بن عبيدة، عن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: « خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ».
قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.
وقد رواه بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق متعددة عن منصور به.
حديث آخر:
قال نعيم بن حماد: حدثنا أبو عمرو البصري عن ابن لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن الحرث الهمداني، عن ابن مسعود، عن النبي ﷺ قال: « السابع من ولد العباس يدعو الناس إلى الكفر فلا يجيبونه، فيقول له أهل بيته: تريد أن تخرجنا من معايشنا؟ فيقول: إني أسير فيكم بسيرة أبي بكر وعمر فيأبون عليه فيقتله عدو له من أهل بيته من بني هاشم، فإذا وثب عليه اختلفوا فيما بينهم » فذكر اختلافا طويلا إلى خروج السفياني.
وهذا الحديث ينطبق على عبد الله المأمون الذي دعا الناس إلى القول بخلق القرآن، ووقى الله شرها كما سنورد ذلك في موضعه والسفياني رجل يكون آخر الزمان منسوب إلى أبي سفيان يكون من سلالته، وسيأتي في آخر كتاب الملاحم.
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا ليث عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه سمعت أبا ثعلبة الخشني صاحب رسول الله ﷺ أنه سمعه يقول وهو بالفسطاط في خلافة معاوية، وكان معاوية أغزى الناس القسطنطينية فقال: « والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم إذا رأيت الشام مائدة رجل واحد وأهل بيته » فعند ذلك فتح القسطنطينية.
هكذا رواه أحمد موقوفا على أبي ثعلبة.
وقد أخرجه أبو داود في سننه من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن أبي ثعلبة قال: قال رسول الله ﷺ: « لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم » تفرد به أبو داود.
ثم قال أبو داود: ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبو المغيرة، حدثني صفوان عن سريج بن عبيد، عن سعد ابن أبي وقاص، عن النبي ﷺ أنه قال: « إني لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ».
قيل لسعد: وكم نصف يوم؟
قال: خمسمائة سنة.
تفرد به أبو داود وإسناده جيد، وهذا من دلائل النبوة، فإن هذا يقتضي وقوع تأخير الأمة نصف يوم وهو خمسمائة سنة كما فسره الصحابي وهو مأخوذ من قوله تعالى: « وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ».
ثم هذا الإخبار بوقوع هذه المدة لا ينفي وقوع ما زاد عليها، فأما ما يذكره كثير من الناس من أنه عليه السلام لا يؤلف في قبره بمعنى: لا يمضي عليه ألف سنة من يوم مات إلى حين تقام الساعة، فإنه حديث لا أصل له في شيء من كتب الإسلام والله أعلم.
حديث آخر:
فيه الإخبار عن ظهور النار التي كانت بأرض الحجاز حتى أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، وقد وقع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة.
قال البخاري في صحيحه: ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: « لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى » تفرد به البخاري.
وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة
قال الشيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه: إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة وأنها استمرت شهرا وأزيد منه وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا تلقاء أحد، وأنها ملأت تلك الأودية وأنه يخرج منها شرر يأكل الحجاز، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها وأنهم سمعوا أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام، أول ذلك مستهل الشهر يوم الإثنين فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة، فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود، وذكر أن ضوءها يمتد إلى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل وكأن في بيت كل منهم مصباحا ورأى الناس سناها من مكة - شرفها الله -.
قلت: وأما بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي ابن أبي قاسم التيمي الحنفي قال: أخبرني والدي - وهو الشيخ صفي الدين أحد مدرسي بصرى - أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجأوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النبي ﷺ مما سلف منهم وأعتقوا الغلمان وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم، وقد قال قائلهم في ذلك:
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا * فقد أحاطت بنا يا رب بأساء
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها * حملا ونحن بها حقا أحقاء
زلازل تخشع الصم الصلاد لها * وكيف تقوى على الزلزال صماء
أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت * عن منظر منه عين الشمس عشواء
بحر من النار تجري فوقه سفن * من الهضاب لها في الأرض إرساء
يرى لها شرر كالقصر طائشه * كأنها ديمة تنصب هطلاء
تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت * رعبا وترعد مثل الشهب أضواء
منها تكاثف في الجو الدخان إلى * أن عادت الشمس منه وهي دهماء
قد أثرت سعفة في البدر لفحتها * فليلة التم بعد النور ليلاء
فيالها آية من معجزات رسو * ل الله يعقلها القوم الألباء
ومما قيل من هذه النار مع غرق بغداد في هذه السنة:
سبحان من أصبحت مشيئته * جارية في الورى بمقدار
أغرق بغداد بالمياه كما * أحرق أرض الحجاز بالنار
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، ثنا أفلح بن سعيد الأنصاري - شيخ من أهل قبا من الأنصار - حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إن طالت بكم مدة أوشك أن تروا قوما يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر ».
ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن زيد بن الخباب، عن أفلح ابن سعيد به.
وروى مسلم أيضا عن زهير بن حرب، عن جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: « صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ».
وهذان الصنفان وهما الجلادون الذين يسمون بالرجالة والجاندارية كثيرون في زماننا هذا ومن قبله، وقبل قبله بدهر، والنساء الكاسيات العاريات أي عليهن لبس لا يواري سوآتهن، بل هو زيادة في العورة وإبداء للزينة، مائلات في مشيهن، مميلات غيرهن إليهن وقد عم البلاء بهن في زماننا هذا ومن قبله أيضا.
وهذا من أكبر دلالات النبوة إذ وقع الأمر في الخارج طبق ما أخبر به عليه السلام.
وقد تقدم حديث جابر: « أما إنها ستكون لكم أنماط » وذكر تمام الحديث في وقوع ذلك واحتجاج امرأته عليه بهذا.
حديث آخر:
روى الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن داود ابن أبي هند.
وأخرجه البيهقي من حديثه عن أبي حرب ابن أبي الأسود الدؤلي، عن طلحة بن عمرو البصري أنه قدم المدينة على رسول الله ﷺ فبينما هو يصلي إذ أتاه رجل فقال: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتحرقت عنا الحيف.
قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « لقد رأيتني وصاحبي وما لنا طعام غير البرير حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم، وكان طعامهم التمر والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز والتمر لأطعمتكموه، وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة، ويغدى ويراح عليكم بالجفان ».
قالوا: يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم؟
قال: « بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض ».
وقد روى سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد، عن أبي موسى بحلس قال: قال رسول الله ﷺ: « إذا مشت أمتي المطيطا وخدمتهم فارس والروم سلط الله بعضهم على بعض ».
وقد أسنده البيهقي من طريق موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي - ﷺ-.
حديث آخر:
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري، ثنا ابن وهب، ثنا سعيد ابن أبي أيوب عن شراحيل بن زيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم، عن رسول الله ﷺ: « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ».
قال أبو داود: عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني لم يحدثه شراحيل تفرد به أبو داود.
وقد ذكر كل طائفة من العلماء في رأس كل مائة سنة عالما من علمائهم ينزلون هذا الحديث عليه.
وقال طائفة من العلماء: هل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف، كما جاء في الحديث من طرق مرسلة وغير مرسلة يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا هذا، ونحن في القرن الثامن والله المسؤول أن يختم لنا بخير، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، ومن ورثة جنة النعيم آمين آمين يا رب العالمين.
وسيأتي الحديث المخرج من الصحيح « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ».
وفي صحيح البخاري « وهم بالشام » وقد قال كثير من علماء السلف: أنهم أهل الحديث.
وهذا أيضا من دلائل النبوة فإن أهل الحديث بالشام أكثر من سائر أقاليم الإسلام ولله الحمد، ولا سيما بمدينة دمشق - حماها الله وصانها -.
كما ورد في الحديث الذي سنذكره أنه تكون معقل المسلمين عند وقوع الفتن.
وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان أن رسول الله ﷺ أخبر عن عيسى بن مريم أنه ينزل من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق ولعل أصل لفظ الحديث على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، وقد بلغني أنه كذلك في بعض الأجزاء ولم أقف عليه إلى الآن والله الميسر.
وقد جددت هذه المنارة البيضاء الشرقية بجامع دمشق بعد ما أحرقها النصارى من أيامنا هذه بعد سنة أربعين وسبعمائة فأقاموها من أموال النصارى مقاصة على ما فعلوا من العدوان، وفي هذا حكمة عظيمة وهو أن ينزل على هذه المبنية من أموالهم عيسى بن مريم نبي الله فيكذبهم فيما افتروه عليه من الكذب عليه وعلى الله ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية أي يتركها ولا يقبل من أحد منهم ولا من غيرهم إلا الإسلام - يعني: أو يقتله -.
وقد أخبر بهذا عنه رسول الله ﷺ وقرره عليه وسوغه له - صلوات الله وسلامه عليه - دائما إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان.