البداية والنهاية/الجزء السادس/باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا الكديمي، ثنا قريش بن أنس، ثنا صالح ابن أبي الأخضر عن الزهري، عن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلمي قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته كنت رجلا أتبع خلوات رسول الله ﷺ، فرأيته يوما جالسا وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلم عليه، ثم جلس عن يمين رسول الله ﷺ، ثم جاء عمر فسلم وجلس عن يمين أبي بكر، ثم جاء عثمان فسلم ثم جلس عن يمين عمر وبين يدي رسول الله ﷺ سبع حصيات - أو قال: تسع حصيات - فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن فقال النبي ﷺ: « هذه خلافة النبوة ».
قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن يسار عن قريش بن أنس، عن صالح بن أبي الأخضر، وصالح لم يكن حافظا، والمحفوظ عن أبي حمزة، عن الزهري قال: ذكر الوليد بن سويد هذا الحديث عن أبي ذر هكذا.
قال البيهقي: وقد قال محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات التي جمع فيها أحاديث الزهري: حدثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنه بينما هو قاعد يوما في ذلك المجلس وأبو ذر في المجلس إذ ذكر عثمان بن عفان، يقول السلمي: فأنا أظن أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له أهل العلم بذلك وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلما ذكره قال: لا تقل في عثمان إلا خيرا، فإني أشهد لقد رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا أنساه حتى أموت، كنت رجلا ألتمس خلوات النبي ﷺ لأسمع منه أو لآخذ عنه، فهجرت يوما من الأيام فإذا النبي ﷺ قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس، وكأني حينئذ أرى أنه في وحي، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: « ما جاء بك؟ »
فقلت: جاء بي الله ورسوله، فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرعا فسلم عليه، فرد السلام ثم قال: « ما جاء بك؟ »
قال: جاء بي الله ورسوله، فأشار بيده أن اجلس، فجلس إلى ربوة مقابل النبي ﷺ بينه وبينها الطريق، حتى إذا استوى أبو بكر جالسا فأشار بيده، فجلس إلى جنبي عن يميني، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله ﷺ مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة، ثم جاء عثمان فسلم، فرد السلام وقال: « ما جاء بك؟ »
قال: جاء بي الله ورسوله، فأشار إليه بيده فقعد إلى الربوة، ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر، فتكلم النبي ﷺ بكلمة لم أفقه أولها غير أنه قال: « قليل ما يبقين » ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنينا كحنين النخل في كف النبي ﷺ، ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني فسبحن في كف أبي بكر كما سبحن في كف النبي ﷺ، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن فصرن حصا، ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في كف أبي بكر وعمر، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن.
قال الحافظ ابن عساكر: رواه صالح ابن أبي الأخضر عن الزهري فقال عن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلمي، وقول شعيب أصح.
وقال أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة: وقد روى داود ابن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن الحرشي، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر مثله.
ورواه شهر بن حوشب وسعيد بن المسيب عن أبي سعيد قال: وفيه عن أبي هريرة، وقد تقدم ما رواه البخاري: عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
حديث آخر في ذلك:
روى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد ابن أبي وقاص قال: حدثني أبو أمي مالك بن حمزة ابن أبي أسيد الساعدي عن أبيه، عن جده أبي أسيد الساعدي قال: قال رسول الله ﷺ للعباس بن عبد المطلب: « يا أبا الفضل لا ترم منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فإنل لي فيكم حاجة ».
فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى فدخل عليهم فقال: « السلام عليكم »
فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
قال: « كيف أصبحتم؟ »
قالوا: أصبحنا بخير نحمد الله فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله؟
قال: « أصبحت بخير أحمد الله » فقال لهم: « تقاربوا تقاربوا، يزحف بعضكم إلى بعض ».
حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: « يا رب هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كسترتي إياهم بملاءتي هذه ».
وقال: فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين.
وقد رواه أبو عبد الله بن ماجه في سننه مختصرا عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي، عن عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد ابن أبي وقاص الوقاصي الزهري، روى عنه جماعة وقد قال ابن معين: لا أعرفه.
وقال أبو حاتم: يروي أحاديث مشبهة.
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: ثنا يحيى ابن أبي بكير، ثنا إبراهيم بن طهمان، حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: « إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن ».
رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن يحيى ابن أبي بكير به.
ورواه أبو داود الطيالسي عن سليمان بن معاذ، عن سماك به.
حديث آخر:
قال الترمذي: ثنا عباد بن يعقوب الكوفي، ثنا الوليد ابن أبي ثور عن السدي، عن عباد ابن أبي يزيد، عن علي ابن أبي طالب قال: كنت مع النبي ﷺ بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله.
ثم قال: وهذا حديث حسن غريب، وقد رواه غير واحد عن الوليد ابن أبي ثور، وقالوا عن عباد ابن أبي يزيد منهم: فروة ابن أبي الفرا.
ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث زياد بن خيثمة عن السدي، عن أبي عمارة الحيواني، عن علي قال: خرجت مع رسول الله ﷺ فجعل لا يمر على شجر ولا حجر إلا سلم عليه.
وقدمنا في المبعث أنه عليه السلام لما رجع وقد أوحي إليه جعل لا يمر بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا قال له: السلام عليك يا رسول الله.
وذكرنا في وقعة بدر، ووقعة حنين رميه عليه السلام بتلك القبضة من التراب وأمره أصحابه أن يتبعوها بالحملة الصادقة فيكون النصر والظفر، والتأييد عقب ذلك سريعا، أما في وقعة بدر فقد قال الله تعالى في سياقها في سورة الأنفال: « وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى » الآية.
وأما في غزوة حنين فقد ذكرناه في الأحاديث بأسانيده وألفاظه بما أغني عن إعادته ههنا، ولله الحمد والمنة.
حديث آخر:
ذكرنا في غزوة الفتح أن رسول الله ﷺ لما دخل المسجد الحرام فوجد الأصنام حول الكعبة فجعل يطعنها بشيء في يده ويقول: « جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، قل: جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ».
وفي رواية أنه جعل لا يشير إلى صنم منها إلا خر لقفاه، وفي رواية: إلا سقط.
وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر وأحمد بن عيسى اللخمي قالا: ثنا بشر بن بكير، أنا الأوزاعي عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله ﷺ وأنا مستترة بقرام فهتكه، ثم قال: « إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله ».
قال الأوزاعي: وقالت عائشة: أتى رسول الله ﷺ بترس فيه تمثال عقاب فوضع عليه يده فأذهبه الله عز وجل.