البداية والنهاية/الجزء السابع/وقعة فحل
وقد ذكرها كثير من علماء السير قبل فتح دمشق، وإنما ذكرها الإمام أبو جعفر بن جرير بعد فتح دمشق، وتبع في ذلك سياق سيف بن عمر فيما رواه عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني، وأبي حارثة القيسي قالا:
خلف الناس يزيد بن أبي سفيان في خيله في دمشق، وسار نحو فِحل، وعلى الناس الذين هم بالغور شرحبيل بن حسنة، وسار أبو عبيدة، وقد جعل على المقدمة خالد بن الوليد، وأبو عبيدة على الميمنة، وعمرو بن العاص على الميسرة، وعلى الخيل ضرار بن الأزور، وعلى الرجالة عياض بن غنم، فوصلوا إلى فحل، وهي: بلدة بالغور، وقد انحاز الروم إلى بيسان، وأرسلوا مياه تلك الأراضي على هنالك من الأراضي فحال بينهم وبين المسلمين، وأرسل المسلمون إلى عمر يخبرونه بما هم فيه من مصابرة عدوهم، وما صنعه الروم من تلك المكيدة، إلا أن المسلمين في عيش رغيد ومدد كبير وهم على أهبة من أمرهم.
وأمير هذا الحرب شرحبيل بن حسنة، وهو لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبئة.
وظن الروم أن المسلمين على غرة فركبوا في بعض الليالي ليبيتوهم، وعلى الروم سقلاب بن مخراق، فهجموا على المسلمين فنهضوا إليهم نهضة رجل واحد كأنهم على أهبة دائما فقاتلوهم حتى الصباح، وذلك اليوم بكماله إلى الليل.
فلما أظلم الليل فر الروم، وقتل أميرهم سقلاب، وركب المسلمون أكتافهم، وأسلمتهم هزيمتهم إلى ذلك الوحل الذي كانوا قد كادوا به المسلمين فغرقهم الله فيه، وقتل منهم المسلمين بأطراف الرماح ما قارب الثمانين ألفا لم ينج منهم إلا الشريد، وغنموا منهم شيئا كثيرا ومالا جزيلا.
وانصرف أبو عبيدة وخالد بمن معهم من الجيوش نحو حمص كما أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
واستخلف أبو عبيدة على الأردن شرحبيل بن حسنة، فسار شرحبيل ومعه عمرو بن العاص، فحاصر بيسان فخرجوا إليه فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم صالحوه على مثل ما صالحت عليه دمشق، وضرب عليهم الجزية والخراج على أراضيهم، وكذلك فعل أبو الأعور السلمي بأهل طبرية سواء.