البداية والنهاية/الجزء السابع/شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
من ذلك أنه أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسبا من رسول الله ﷺ فإنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، واسمه شيبة بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أبو الحسن القرشي الهاشمي فهو ابن عم رسول الله ﷺ وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
قال الزبير بن بكار: وهي أول هاشمية ولدت هاشميا.
وقد أسلمت وهاجرت، وأبوه هو العم الشقيق الرفيق أبو طالب، واسمه عبد مناف كذا نص على ذلك الإمام أحمد بن حنبل هو وغير واحد من علماء النسب وأيام الناس.
وزعمت الروافض أن اسم أبي طالب عمران وأنه المراد من قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [آل عمران: 33] .
وقد أخطأوا في ذلك خطا كثيرا، ولم يتأملوا القرآن قبل أن يقولوا هذا البهتان من القول في تفسيرهم له على غير مراد الله تعالى، فإنه قد ذكر بعد هذه قوله تعالى: { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [آل عمران: 35] .
فذكر ميلاد مريم بنت عمران عليها السلام وهذا ظاهر ولله الحمد.
وقد كان أبو طالب كثير المحبة الطبيعية لرسول الله ﷺ، ولم يؤمن به إلى أن مات على دينه كما ثبت ذلك في (صحيح البخاري) من رواية سعيد بن المسيب، عن أبيه في عرضه عليه السلام على عمه أبي طالب، وهو في السياق أن يقول: لا إله إلا الله.
فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟
فقال: كان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فخرج رسول الله وهو يقول: « أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنك »، فنزل ذلك قوله تعالى: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [القصص: 56] .
ثم نزل بالمدينة قوله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 113-114] .
وقد قررنا ذلك في أوائل المبعث ونبهنا على خطأ الرافضة في دعواهم أنه أسلم وافترائهم ذلك بلا دليل على مخالفة النصوص الصريحة.
وأما علي رضي الله عنه فإنه أسلم قديما، وهو دون البلوغ على المشهور، ويقال: إنه أول من أسلم من الغلمان، كما أن خديجة أول من أسلم من النساء، وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي.
وقد روى الترمذي، وأبو يعلي، عن إسماعيل بن السدي، عن علي بن عياش، عن مسلم الملائي، عن حبة بن جوين، عن علي - وحبة لا يساوي حبة - عن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء.
ورواه بعضهم عن مسلم الملائي، عن حبة بن جوين، عن علي - وحبة لا يساوي حبة - وقد روى سلمة بن كهيل، عن حبة، عن علي قال: عبدت الله مع رسول الله سبع سنين قبل أن يعبده أحد. وهذا لا يصح أبدا وهو كذب.
وروى سفيان الثوري، وشعبة، عن سلمة، عن حبة، عن علي قال: أنا أول من أسلم. وهذا لا يصح أيضا وحبة ضعيف.
وقال سويد بن سعيد: حدثنا نوح بن قيس بن سليمان بن عبد الله، عن معاذة العدوية قالت: سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يقول: أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم. وهذا لا يصح قاله البخاري.
وقد ثبت عنه بالتواتر أنه قال على منبر الكوفة: أيها الناس! إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميت.
وقد تقدم ذلك في فضائل الشيخين رضي الله عنهما وأرضاهما.
قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: أول من صلى - وفي رواية أسلم - مع رسول الله بعد خديجة علي بن أبي طالب.
ورواه الترمذي من حديث شعبة عن أبي بلج به.
وقد روي عن زيد بن أرقم، وأبي أيوب الأنصاري أنه صلى قبل الناس بسبع سنين، وهذا لا يصح من أي وجه كان روي عنه.
وقد ورد في أنه أول من أسلم من هذه الأمة أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء، وأجود ما في ذلك ما ذكرنا.
على أنه قد خولف فيه وقد اعتنى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في (تاريخه) بتطريق هذه الروايات، فمن أراد كشف ذلك فعليه بكتابه (التاريخ)، والله الموفق للصواب.
وقد روى الترمذي، والنسائي، عن عمرو بن مرة، عن طلحة بن زيد، عن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم علي.
قال الترمذي: حسن صحيح.
وصحب علي رسول الله ﷺ مدة مقامه بمكة، وكان عنده في المنزل وفي كفالته في حياة أبيه لفقرٍ حصل لأبيه في بعض السنين مع كثرة العيال، ثم استمر في نفقة رسول الله ﷺ بعد ذلك إلى زمن الهجرة، وقد خلفه رسول الله ﷺ ليؤدي ما كان عنده عليه السلام من ودائع الناس، فإنه كان يعرف في قومه بالأمين، فكانوا يودعونه الأموال والأشياء النفيسة.
ثم هاجر علي بعد رسول الله ﷺ، وصحب رسول الله ﷺ إلى أن توفي وهو راضٍ عنه وحضر معه مشاهده كلها، وجرت له مواقف شريفة بين يديه في مواطن الحرب كما بينا ذلك في السيرة بما أغنى عن إعادته ها هنا، كيوم بدر وأُحد والأحزاب وخيبر وغيرها.
ولما استخلفه عام تبوك على أهله بالمدينة قال: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي » وقد ذكرنا تزويجه فاطمة بنت رسول الله ﷺ، ودخوله بها بعد وقعة بدر بما أغنى عن إعادته.
ولما رجع عليه السلام من حجة الوداع فكان بين مكة والمدينة بمكان يقال له: غدير خم خطب الناس هنالك في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة فقال في خطبته: « من كنت مولاه فعلي مولاه »
وفي بعض الروايات: « اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ».
والمحفوظ الأول، وإنما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضله ما ذكره ابن إسحاق من أن عليا لما بعثه رسول الله ﷺ إلى اليمن أميرا هو وخالد بن الوليد، ورجع علي فوافى رسول الله ﷺ بمكة في حجة الوداع.
وقد كثرت فيه المقالة، وتكلم فيه بعض من كان معه بسبب استرجاعه منهم خلعا كان خلعها نائبة عليهم لما تعجل السير إلى رسول الله ﷺ.
فلما تفرغ رسول الله من حجة الوداع أحب أن يبرئ ساحة علي بما نسب إليه من القول الذي لا أصل له، وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيدا، فكانت تضرب فيه الطبول ببغداد في أيام بني بويه في حدود الأربعمائة كما سننبه عليه إذا انتهينا إليه إن شاء الله.
ثم بعد ذلك بنحو من عشرين يوما تعلق المسوح على أبواب الدكاكين ويذر التبن والرماد، وتدور الذراري والنساء في سكك البلد تنوح على الحسين بن علي يوم عاشوراء صبيحة قراءتهم المصرع المكذوب في قتله، وسنبين الحق في صفة قتله كيف وقع الأمر على الجلية إن شاء الله تعالى.
وقد كان بعض بني أمية يعيب عليا بتسميته أبا تراب، وهذا الاسم إنما سماه به رسول الله ﷺ كما ثبت في (الصحيحين)، عن سهل بن سعد أن عليا غاضب فاطمة فراح إلى المسجد فجاءه رسول الله ﷺ فوجده نائما وقد لصق التراب بجلده فجعل ينفض عنه التراب ويقول: « اجلس أبا تراب ».