البداية والنهاية/الجزء السابع/خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كانت وفاة الصديق رضي الله عنه في يوم الاثنين عشية، وقيل: بعد المغرب، ودفن من ليلته، وذلك لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بعد مرض خمسة عشر يوما.
وكان عمر بن الخطاب يصلي عنه فيها بالمسلمين، وفي أثناء هذا المرض عهد بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب، وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان، وقرىء على المسلمين فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا.
فكانت خلافة الصديق سنتين وثلاثة أشهر، وكان عمره يوم توفي ثلاثا وستين سنة، للسن الذي توفي فيه رسول الله ﷺ وقد جمع الله بينهما في التربة، كما جمع بينهما في الحياة، فرضي الله عنه وأرضاه.
قال محمد بن سعد، عن أبي قطن عمرو بن الهيثم، عن ربيع بن حسان الصائغ قال: كان نقش خاتم أبي بكر (نعم القادر الله).
وهذا غريب.
وقد ذكرنا ترجمة الصديق رضي الله عنه، وسيرته وأيامه وما روي من الأحاديث، وما روي عنه من الأحكام في مجلد ولله الحمد والمنة.
فقام بالأمر من بعده أتم القيام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهو أول من سمي بأمير المؤمنين.
وكان أول من حياه بها المغيرة بن شعبة، وقيل: غيره كما بسطنا ذلك في ترجمة عمر بن الخطاب وسيرته التي أفردناها في مجلد، ومسنده والآثار المروية مرتبا على الأبواب في مجلد آخر ولله الحمد.
وقد كتب بوفاة الصديق إلى أمراء الشام مع شداد بن أوس، ومحمد بن جريح، فوصلا والناس مصافون وجيوش الروم يوم اليرموك كما قدمنا، وقد أمر عمر على الجيوش أبا عبيدة حين ولاه وعزل خالد بن الوليد.
وذكر سلمة عن محمد بن إسحاق: أن عمر إنما عزل خالد لكلام بلغه عنه، ولما كان من أمر مالك بن نويرة، وما كان يعتمده في حربه.
فلما ولي عمر كان أول ما تكلم به أن عزل خالدا، وقال: لا يلي لي عملا أبدا.
وكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول، فأنزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين.
فلما قال أبو عبيدة ذلك لخالد قال له خالد: أمهلني حتى استشير أختي، فذهب إلى أخته فاطمة - وكانت تحت الحارث بن هشام - فاستشارها في ذلك، فقالت له: إن عمر لا يحبك أبدا، وإنه سيعزلك وإن كذبت نفسك.
فقال لها: صدقت والله، فقاسمه أبو عبيدة حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الآخرة، وخالد يقول: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين.
وقد روى ابن جرير عن صالح بن كيسان أنه قال: أول كتاب كتبه عمر إلى أبي عبيدة حين ولاه وعزل خالدا أن قال: وأوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد فقم بأمرهم الذي يحق عليك، ولا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستريده لهم وتعلم كيف ماتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة، وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك، فغض بصرك عن الدنيا، وأله قلبك عنها، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك، فقد رأيت مصارعهم.
وأمرهم بالمسير إلى دمشق، وكان بعدما بلغه الخبر بفتح اليرموك وجاءته به البشارة، وحمل الخمس إليه.
وقد ذكر ابن إسحاق أن الصحابة قاتلوا بعد اليرموك أجنادين، ثم بفحل من أرض الغور قريبا من بيسان بمكان يقال له: الردغة سمي بذلك لكثرة ما لقوا من الأوحال فيها، فأغلقوها عليهم، وأحاط بها الصحابة.
قال: وحينئذ جاءت الإمارة لأبي عبيدة من جهة عمر وعزل خالد، وهذا الذي ذكره بن إسحاق من مجيء الإمارة لأبي عبيدة في حصار دمشق هو المشهور.