البداية والنهاية/الجزء السابع/ذكر المتوفين من الأعيان
أسيد بن الحضير
أسيد بن الحضير بن سماك النصاري الأشهلي من الأوس، أبو يحيى أحد النقباء ليلة العقبة، وكان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث، وكان قبل الهجرة بست سنين وكان يقال: حضير الكتائب.
يقال: أنه أسلم على يدي مصعب بن عمير. ولما هاجر الناس آخى رسول الله ﷺ بينه وبين زيد بن حارثة، ولم يشهد بدرا.
وفي الحديث الذي صححه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله ص قال: « نِعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن الحضير » وذكر جماعة.
وقدم الشام مع عمر، وأثنت عليه عائشة، وعلى سعد بن معاذ، وعباد بن بشر رضي الله عنهم.
وذكر ابن بكير: أنه توفي بالمدينة سنة عشرين، وأن عمر حمل بين عموديه وصلى عليه، ودفن بالبقيع، وكذا أرخ وفاته سنة عشرين الواقدي وأبو عبيد وجماعة.
أنيس بن مرثد بن أبي مرثد الغنوي
هو وأبوه وجده صحابة، وكان أنيس هذا عينا لرسول الله يوم حنين، يقال: إنه الذي قال له رسول الله ﷺ: « اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ».
والصحيح: أنه غيره فإن في الحديث.
فقال لرجل من أسلم فقيل: أنه أنيس بن الضحاك الأسلمي.
وقد مال ابن الأثير إلى ترجيحه والله أعلم.
له حديث في الفتنة.
قال إبراهيم بن المنذر: توفي في ربيع الأول سنة عشرين.
بلال بن أبي رباح الحبشي المؤذن مولى أبي بكر
ويقال له: بلال بن حمامة وهي: أمه.
أسلم قديما فعذب في الله فصبر، فاشتراه الصديق فأعتقه شهد بدرا وما بعدها.
وكان عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا. رواه البخاري.
ولما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله ﷺ وابن مكتوم يتناوبان، تارة هذا وتارة هذا، وكان بلال ندي الصوت حسنه، فصيحا. وما يروى: أن سين بلال عند الله شينا فليس له أصل. وقد أذن يوم الفتح على ظهر الكعبة.
ولما توفي رسول الله ﷺ ترك الأذان، ويقال: أذن للصديق أيام خلافته، ولا يصح.
ثم خرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر إلى الجابية أذن بين يديه بعد الخطبة لصلاة الظهر، فانتحب الناس بالبكاء.
وقيل: أنه زار المدينة في غضون ذلك فأذن فبكى الناس بكاء شديدا ويحق لهم ذلك، رضي الله عنهم.
وثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال لبلال: « إني دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي فأخبرني بأرجى عمل عملته.
فقال: ما توضأت إلا وصليت ركعتين.
فقال: بذاك ».
وفي رواية: ما أحدثت إلا توضأت، وما توضأت إلا رأيت أن علي أني أصلي ركعتين.
قالوا: وكان بلال آدم شديد الأدمة طويلا نحيفا كثير الشعر خفيف العارضين.
قال ابن بكير: توفي بدمشق في طاعون عمواس، سنة ثماني عشرة.
وقال محمد بن إسحاق وغير واحد: توفي سنة عشرين.
قال الواقدي: ودفن بباب الصغير، وله بضع وستون سنة.
وقال غيره: مات بداريا، ودفن بباب كيسان.
وقيل: دفن بداريا.
وقيل: إنه مات بحلب والأول أصح. والله أعلم.
سعيد بن عامر بن خذيم
من أشراف بني جمح، شهد خيبر وكان من الزهاد والعباد، وكان أميرا لعمر على حمص بعد أبي عبيدة، بلغ عمر أنه قد أصابته جراحة شديدة فأرسل إليه بألف دينار، فتصدق بها جميعها، وقال لزوجته: أعطيناها لمن يتجر لنا فيها رضي الله عنه.
قال خليفة: فتح هو ومعاوية قيسارية، كل منهما أمير على من معه.
عياض بن غُنم
أبو سعد الفهري من المهاجرين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان سمحا، جوادا، شجاعا، وهو الذي افتتح الجزيرة، وهو أول من جاز درب الروم غازيا، واستنابه أبو عبيدة بعده على الشام فأقره عمر عليها إلى أن مات سنة عشرين عن ستين سنة.
أبو سفيان بن الحارث
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله ﷺ، قيل: اسمه المغيرة.
أسلم عام الفتح فحسن إسلامه جدا، وكان قبل ذلك من أشد الناس على رسول الله ﷺ وعلى دينه ومن تبعه، وكان شاعرا مطيقا يهجو الإسلام وأهله، وهو الذي رد عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه في قوله:
ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلغلة فقد برح الخفاء
هجوت محمدا وأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء
ولما جاء هو وعبد الله بن أبي أمية ليسلما لم يأذن لهما عليه السلام، حتى شفعت أم سلمة لأخيها فأذن له، بلغه أن أبا سفيان هذا قال: والله لئن لم يأذن لي لآخذن بيد بني هذا - لولد معه صغير - فلأذهبن فلا يدري، وأذن له ولزم رسول الله ﷺ أين أذهب فَرَقَّ حينئذ له رسول الله ﷺ أحبه يوم حنين، وكان آخذا بلجام بغلته يومئذٍ.
وقد روي: أن رسول الله ﷺ أحبه، وشهد له بالجنة، وقال: « أرجو أن تكون خلفا من حمزة ».
وقد رثى رسول الله ﷺ حين توفي بقصيدة ذكرناها فيما سلف وهي التي يقول فيها:
أرقت فبات ليلي لا يزول * وليل أخ المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما * أصيب المسلمون به قليل
فقد عظمت مصيبتنا وجلت * عشية قيل قد قبض الرسول
فقدنا الوحي والتنزيل فينا * بروح به ويغدو جبرئيل
ذكروا أن أبا سفيان حج، فلما حلق رأسه قطع الحالق ثؤلولا له في رأسه فتمرض منه فلم يزل كذلك حتى مات بعد مرجعه إلى المدينة، وصلى عليه عمر بن الخطاب.
وقد قيل: إن أخاه نوفلا توفي قبله بأربعة أشهر والله أعلم.
أبو الهيثم بن التيهان
هو: مالك بن مالك بن عسل بن عمرو وبن عبد الأعلم بن عامر بن دعورا بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، شهد العقبة نقيبا، وشهد بدرا وما بعدها، ومات سنة عشرين.
وقيل: إحدى وعشرين.
وقيل: إنه شهد صفين مع علي.
قال ابن الأثير وهو الأكثر: وقد ذكره شيخنا هنا. فالله أعلم.
زينب بنت جحش
زينب بنت جحش بن رباب الأسدية من أسد خزيمة أول أمهات المؤمنين، وفاة أمها أميمة بنت عبد المطلب، وكان اسمها برة، فسماها رسول الله زينب، وتكنى: أم الحكم، وهي التي زوجه الله بها وكانت تفتخر بذلك على سائر أزواج النبي ﷺ.
فتقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله من السماء.
قال الله تعالى: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرا زَوَّجْنَاكَهَا } الآية [الأحزاب: 37] .
وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، فلما طلقها تزوجها رسول الله ﷺ.
قيل: كان ذلك في سنة ثلاث.
وقيل: أربع وهو الأشهر.
وقيل: سنة خمس، وفي دخوله عليه السلام بها نزل الحجاب، كما ثبت في الصحيحين عن أنس.
وهي التي كانت تسمى عائشة بنت الصديق في الجمال والحظوة، وكانت دينة ورعة عابدة كثيرة الصدقة. وذاك الذي أشار إليه رسول الله ﷺ
بقوله: « أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا » أي: بالصدقة، وكانت امرأة صناعا تعمل بيديها، وتتصدق على الفقراء.
قالت عائشة: ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم أمانة، وصدقة من زينب بن جحش.
ولم تحج بعد حجة الوداع لا هي ولا سودة، لقوله عليه السلام لأزواجه: « هذه ثم ظهور الحصر ».
وأما بقية أزواج النبي ﷺ فكن يخرجن إلى الحج، وقالتا زينب وسودة، والله لا تحركنا بعده دابة.
قالوا: وبعث عمر إليها فرضها اثني عشر ألفا فتصدقت به في أقاربها، ثم قالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد هذا، فماتت في سنة عشرين وصلى عليها عمر. وهي أول من صنع لها النعش ودفنت بالبقيع.
صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول
وهي: أم الزبير بن العوام، وهي: شقيقة حمزة والمقوم وحجل، أمهم هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة.
لا خلاف في إسلامها وقد حضرت يوم أحد ووجدت على أخيها حمزة وجدا كثيرا، وقتلت يوم الخندق رجلا من اليهود جاء فجعل يطوف بالحصن التي هي فيه، وهو فارع حصن حسان، فقالت لحسان: أنزل فاقتله فأبى، فنزلت إليه فقتلته، ثم قالت: انزل فاسلبه، فلولا أنه رجل لاستلبته.
فقال: لا حاجة لي فيه، وكانت أول امرأة قتلت رجلا من المشركين، وقد اختلف في إسلام من عداها من عمات النبي ﷺ.
فقيل: أسلمت أروى وعاتكة.
قال ابن الأثير وشيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ: والصحيح: أنه لم يسلم منهن غيرها، وقد تزوجت أولا بالحارث بن حرب بن أمية. ثم خلف عليها العوام بن خويلد، فولدت له الزبير، وعبد الكعبة.
وقيل: تزوج بها العوام بكرا، والصحيح الأول.
توفيت بالمدينة سنة عشرين عن ثلاث وسبعين سنة، ودفنت بالبقيع رضي الله عنها، وقد ذكر ابن إسحاق، من توفي غيرها.
عويم بن ساعدة الأنصاري
شهد العقبتين والمشاهد كلها وهو أول من استنجى بالماء، وفيه نزل قوله تعالى: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [التوبة: 108] وله روايات.
توفي هذه السنة بالمدينة: بشر بن عمرو بن حنش يلقب: بالجاورد، أسلم في السنة العاشرة، وكان شريفا مطاعا في عبد القيس، وهو الذي شهد على قدامة بن مظعون: أنه شرب الخمر، فعزله عمر عن اليمن وحده قتل الجاورد شهيدا.
أبو خراشة خويلد بن مرة الهذلي، كان شاعرا مجيدا مخضرما، أدرك الجاهلية والإسلام وكان إذا جرى سبق الخيل.
لهشته حية فمات بالمدينة.