البداية والنهاية/الجزء السابع/حديث آخر في فضل علي
قال أبو بكر الشافعي: ثنا بشر بن موسى الأسدي، ثنا زكريا بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال:
خرجت مع رسول الله ﷺ إلى امرأة من الأنصار في نخل لها يقال له: الإسراف.
ففرشت لرسول الله ﷺ تحت صور لها مرشوش.
فقال رسول الله ﷺ: « الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة »، فجاءه أبو بكر.
ثم قال: « الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة »، فجاء عمر.
ثم قال: « الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة ».
قال: فلقد رأيته مطاطيا رأسه تحت الصور.
ثم يقول: « اللهم إن شئت جعلته عليا » فجاء علي.
ثم إن الأنصارية ذبحت لرسول الله ﷺ شاة وصنعتها فأكل وأكلنا، فلما حضرت الظهر قام يصلي وصلينا ما توضأ ولا توضأنا، فلما حضرت العصر صلى وما توضأ ولا توضأنا.
حديث آخر
قال أبو يعلى: حدثنا الحسن بن حماد الكوفي، ثنا ابن أبي عتبة، عن أبيه، عن الشيباني، عن جميع بن عمير قال: دخلت مع أبي على عائشة فسألتها عن علي
فقالت: ما رأيت رجلا كان أحب لرسول الله ﷺ منه، ولا امرأة كانت أحب إلى رسول الله ﷺ من امرأته.
وقد رواه غير واحد من الشيعة عن جميع بن عمير به.
حديث آخر
قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن بكير، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الله الجدلي البجلي قال: دخلت على أم سلمة فقالت لي:
أيسب رسول الله ﷺ فيكم؟
فقلت: معاذ الله - أو سبحان الله - أو كلمة نحوها.
قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من سب عليا فقد سبني ».
وقد رواه أبو يعلى، عن عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عبد الرحمن البجلي، من بجيلة من سليم، عن السدي، عن أبي عبد الله البجلي قال: قالت لي أم سلمة: أيسب رسول الله فيكم على المنابر؟.
قال: قلت وأنى ذلك؟.
قالت: أليس يسب علي ومن أحبه؟ فأشهد أن رسول الله ﷺ كان يحبه.
وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة.
وقد ورد من حديثها، وحديث جابر وأبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال لعلي: « كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ».
ولكن أسانيدها كلها ضعيفة لا يحتج بها.
حديث آخر
قال عبد الرزاق: أنا الثوري، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش قال: سمعت عليا يقول: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي ﷺ إليّ « أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ».
ورواه أحمد، عن ابن عمير، ووكيع، عن الأعمش.
وكذلك رواه أبو معاوية، ومحمد بن فضيل، وعبد الله بن داود الحربي، وعبيد الله بن موسى، ومحاضر بن المورع، ويحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش به.
وأخرجه مسلم في (صحيحه)
ورواه غسان بن حسان، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن علي فذكره.
وقد روي من غير وجه عن علي.
وهذا الذي أوردناه هو الصحيح من ذلك والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، أبي نصر، حدثني مساور الحميري، عن أبيه قال:
سمعت أم سلمة تقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول لعلي: « لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ».
وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة بلفظ آخر ولا يصح.
وروى ابن عقدة، عن الحسن بن علي بن بزيغ، ثنا عمرو بن إبراهيم، ثنا سوار بن مصعب، عن الحكم، عن يحيى الخزار، عن عبد الله بن مسعود سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن ». وهذا الإسناد مختلق لا يثبت والله أعلم.
وقال الحسن بن عرفة: حدثني سعيد بن محمد الوراق، عن علي بن الحراز، سمعت أبا مريم الثقفي، سمعت عمار بن ياسر يقول:
سمعت النبي ﷺ يقول لعلي: « طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك ».
وقد روي في هذا المعنى أحاديث كثيرة موضوعة لا أصل لها.
وقال غير واحد: عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ نظر إلى علي فقال: « أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، وويل لمن أبغضك من بعدي ».
وروى غير واحد أيضا، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن علي قال: دعاني رسول الله فقال: « إن فيك من عيسى ابن مريم مثلا أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبوه النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس هو له ».
قال علي: ألا وإنه يهلك في اثنان محب مطري مفرط يقرطني بما ليس فيّ.
ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي، ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله حق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم.
لفظ عبد الله بن أحمد.
قال يعقوب بن سفيان: ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا مسهر، عن الأعمش، عن موسى بن طريف، عن عباية، عن علي قال: أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة قلت: هذا لك وهذا لي.
قال يعقوب: وموسى بن طريف ضعيف يحتاج إلى من يعدله، وعباية أقل منه ليس بشيء حديثه.
وذكر أن أبا معاوية لام الأعمش على تحديثه بهذا.
فقال له الأعمش: إذا نسيت فذكروني.
ويقال: أن الأعمش إنما رواه على سبيل الاستهزاء بالروافض والتنقيص لهم في تصديقهم ذلك.
قلت: وما يتوهمه بعض العوام بل هو مشهور بين كثير منهم، أن عليا هو الساقي على الحوض فليس له أصل، ولم يجئ من طريق مرضي يعتمد عليه.
والذي ثبت أن رسول الله ﷺ هو الذي يسقي الناس.
وهكذا الحديث الوارد في أنه ليس أحد يأتي يوم القيامة راكبا إلا أربعة: رسول الله ﷺ على البراق، وصالح على ناقته، وحمزة على العضباء، وعلي على ناقة من نوق الجنة رافعا صوته بالتهليل.
وكذلك ما في أفواه الناس من اليمين بعلي، يقول أحدهم:
خذ بعلي، أعطني بعلي، ونحو ذلك كل ذلك لا أصل له بل ذلك من نزعات الروافض ومقالاتهم، ولا يصح من شيء من الوجوه، وهو من وضع الرافضة ويخشى على من اعتاد ذلك سلب الإيمان عند الموت، ومن حلف بغير الله فقد أشرك.
حديث آخر
قال الإمام أحمد: حدثني يحيى، عن شعبة، ثنا عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي قال: مر بي رسول الله ﷺ وأنا وجع وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان آجلا فارفع عني، وإن كان بلاء فصبرني.
قال: « ما قلت »: فأعدت عليه فضربني برجله، وقال: « ما قلت؟ »
فأعدت عليه، فقال: « اللهم عافه أو اشفه ».
فما اشتكيت ذلك الوجع بعد.
حديث آخر
قال محمد بن مسلم بن داره: ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحراني، عن أبي الحمراء قال:
قال رسول الله ﷺ: « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».
وهذا منكر جدا ولا يصح إسناده.
حديث آخر في رد الشمس
قد ذكرناه في (دلائل النبوة) بأسانيده وألفاظه فأغنى له عن إعادته.
حديث آخر
قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا علي بن المنذر الكوفي، ثنا محمد بن فضيل، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر قال: دعا رسول الله ﷺ عليا يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال بخواه مع ابن عمه، فقال رسول الله ﷺ: « ما انتجيته ولكن الله انتجاه ».
ثم قال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأجلح.
وقد رواه غير ابن فضيل، عن الأجلح، ومعنى قوله « ولكن الله انتجاه »:
أن الله أمرني أن أنتجي معه.
حديث آخر
قال الترمذي: ثنا محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم، وغير واحد، ثنا أبو عاصم، عن أبي الجراح، عن جابر بن صبح، حدثتني أمي أم شراحيل، حدثتني أم عطية قالت: بعث رسول الله ﷺ جيشا فيهم علي.
قالت: سمعت رسول الله ﷺ رافعا يديه يقول: « اللهم لا تمتني حتى ترني عليا ».
ثم قال: هذا حديث حسن.
حديث آخر
قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عاصم، قال حصين: أنا علي، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم المازني قال: لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال: فأقام خطباء يقعون في علي، قال:
وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل، قال: فغضب فقام وأخذ بيدي وتبعته.
فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الكوفة، وأشهد على التسعة أنهم من أهل الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم.
قال: قلت: وما ذاك؟
قال: قال رسول الله ﷺ: « أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيد ».
قال: قلت: من هم؟
فقال: رسول الله ﷺ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك.
قال: قلت: ومن العاشر؟
قال: قال: أنا.
وينبغي أن يكتب هاهنا حديث أم سلمة المتقدم قريبا أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي: أيسب رسول الله فيكم على المنابر؟ الحديث رواه أحمد.
حديث آخر
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، وابن أبي بكير قالا: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة السلولي - وكان قد شهد حجة الوداع - قال:
قال رسول الله ﷺ: « علي مني، وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ».
ثم رواه أحمد، عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل.
حديث آخر
قال أحمد: حدثنا وكيع قال: قال إسرائيل: قال أبو إسحاق، عن زيد بن بثيغ، عن أبي بكر: أن رسول الله ﷺ بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، من كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إلى مدته، والله بريء من المشركين ورسوله.
قال: فسار بها ثلاثا، ثم قال لعلي: الحقه وردّ علي أبا بكر وبلغها أنت.
قال: فلما قدم أبو بكر على رسول الله بكى.
وقال: يا رسول الله حدث فيّ شيء؟
قال: « ما حدث فيك إلا خير، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلا أنا أو رجل من أهل بيتي ».
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني محمد بن سليمان لوين، حدثنا محمد بن جابر، عن سماك، عن حبشي، عن علي قال: لما نزلت عشر آيات من براءة دعا رسول الله أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني، فقال لي: أدرك أبا بكر فحيث لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر فقال:
يا رسول الله نزل فيّ شيء؟
قال: « لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل من بيتك ».
وقد رواه كثير النواء، عن جمُيع بن عمير، عن ابن عمر بنحوه، وفيه نكارة من جهة أمره برد الصديق، فإن الصديق لم يرجع بل كان هو أمير الحج في سنة تسع.
وكان علي هو وجماعة معه بعثهم الصديق يطوفون برحاب منى في يوم النحر وأيام التشريق ينادون ببراءة؟ وقد قررنا ذلك في حجة الصديق وفي أول تفسير سورة براءة.
حديث آخر
روي من حديث أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وعمران بن حصين، وأنس، وثوبان، وعائشة، وأبي ذر، وجابر أن رسول الله ﷺ قال: « النظر إلى وجه علي عبادة ».
وفي حديث عائشة: ذكر علي عبادة.
ولكن لا يصح شيء منها، فإنه لا يخلو كل سند منها عن كذاب أو مجهول لا يعرف حاله، وهو شيعي.
حديث الصدقة بالخاتم وهو راكع
قال الطبراني: ثنا عبد الرحمن بن مسلم الرازي، ثنا محمد بن يحيى، عن ضريس العبدي، ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة: 55] .
فخرج رسول الله ﷺ فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم، وإذا سائل فقال: « يا سائل هل أعطاك أحد شيئا »
فقال: لا! إلا ها ذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه.
وقال الحافظ ابن عساكر: أنا خالي المعالي القاضي، أنا أبو الحسن الخلعي، أنا أبو العباس أحمد بن محمد الشاهد، ثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث الرملي، ثنا القاضي جملة بن محمد، ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم الأحول، عن موسى بن قيس.
عن سلمة قال: تصدق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }.
وهذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شيء من القرآن بخصوصيته، وكل ما يريدونه في قوله تعالى: { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد: 7] .
وقوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا } [الإنسان: 8] .
وقوله: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } [التوبة: 19] .
وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في أنها نزلت في علي لا يصح شيء منها.
وأما قوله تعالى: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } [الحج: 19] .
فثبت في (الصحيح) أنه نزل في علي، وحمزة، وعبيدة من المؤمنين، وفي عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة من الكافرين.
وما روي عن ابن عباس أنه قال: ما نزل في أحد من الناس ما نزل في علي.
وفي رواية عنه أنه قال: نزل فيه ثلثمائة آية، فلا يصح ذلك عنه لا هذا ولا هذا.
حديث آخر
قال أبو سعيد بن الأعرابي: ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا العباس بن بكار، أبو الوليد، ثنا عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس قال:
كان رسول الله ﷺ جالسا بالمسجد وقد أطاف به أصحابه إذ أقبل علي فسلم.
ثم وقف فنظر مكانا يجلس فيه، فنظر رسول الله ﷺ إلى وجوه أصحابه أيهم يوسع له - وكان أبو بكر عن يمين رسول الله ﷺ - فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال: هاهنا يا أبا الحسن.
فجلس بين رسول الله ﷺ وبين أبي بكر، فرأينا السرور في وجه رسول الله ﷺ، ثم أقبل على أبي بكر فقال: « يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ».
فأما الحديث الوارد عن علي وحذيفة مرفوعا « علي خير البشر، من أبى فقد كفر ومن رضي فقد شكر »
فهو موضوع من الطريقين معا، قبح الله من وضعه واختلقه.
حديث آخر
قال أبو عيسى الترمذي: ثنا إسماعيل بن موسى بن عمر الرومي، ثنا شريك، عن كهيل، سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي قال:
قال رسول الله ﷺ: « أنا دار الحكمة وعلي بابها ».
ثم قال: هذا الحديث غريب.
قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن ابن عباس.
قلت: رواه سويد بن سعيد، عن شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي مرفوعا: « أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة ».
وأما حديث ابن عباس: فرواه ابن عدي من طريق أحمد بن سلمة أبي عمرو الجرحاني، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله ﷺ: « أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من قبل بابها ».
قال ابن عدي: وهذا الحديث يعرف بأبي الصلت الهروي، عن أبي معاوية، سرقه منه أحمد بن سلمة هذا ومعه جماعة من الضعفاء، هكذا قال رحمه الله.
وقد روى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين أنه قال: أخبرني ابن أيمن أن أبا معاوية حدث بهذا الحديث قديما، ثم كف عنه قال:
وكان أبو الصلت رجلا موسرا يكرم المشايخ ويحدثونه بهذه الأحاديث.
وساقه ابن عساكر بإسناد مظلم، عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جده، عن جابر بن عبد الله فذكره مرفوعا.
ومن طريق أخرى، عن جابر قال ابن عدي: وهو موضوع أيضا.
وقال أبو الفتح الأودي: لا يصح في هذا الباب شيء.
حديث آخر
يقرب مما قبله، قال ابن عدي: حدثنا أحمد بن حبرون النيسابوري، ثنا ابن أيوب أبو أسامة - وهو جعفر بن هذيل - ثنا ضرار بن صرد، ثنا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن ابن عباية، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: « على عيينة علي ».
حديث آخر
في معنى ما تقدم قال ابن عدي: ثنا أبو يعلى، حدثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة، ثنا يحيى بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الجيلي، عن عبد الله بن عمرو بأن رسول الله ﷺ قال في مرضه: « ادعوا لي أخي ».
فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه.
ثم قال: « ادعوا لي أخي ».
فدعوا له عمر فأعرض عنه.
ثم قال: « ادعوا لي أخي ».
فدعوا له عثمان فأعرض عنه.
ثم قال: « ادعوا لي أخي ».
فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب، وأكب عليه فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟
قال: علمني ألف باب يفتح كل باب إلى ألف باب.
قال ابن عدي: هذا حديث منكر، ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة فإنه شديد الإفراط في التشيع، وقد تكلم فيه الأئمة ونسبوه إلى الضعف.
حديث آخر
قال ابن عساكر: أنبأنا أبو يعلى، ثنا المقري، أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا أبو الحسين بن أبي مقاتل، ثنا محمد بن عبيد بن عتبة، حدثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي، ثنا أحمد بن عمران بن سلمة - وكان ثقة عدلا مرضيا -.
ثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنت عند النبي ﷺ فسئل عن علي.
فقال: « قسمت الحكمة عشرة أجزاء، أعطي علي تسعة والناس جزءا واحدا ».
وسكت الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث ولم ينبه على أمره، وهو منكر بل موضوع مركب على سفيان الثوري بإسناده، قبح الله واضعه ومن افتراه واختلقه.
حديث آخر
قال أبو يعلى: ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يحيى، عن سعيد، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء، قال: فضرب في صدري وقال: « إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك ».
قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد.
وقد ثبت عن عمر أنه كان يقول: علي أقضانا، وأُبيّ أقرؤنا للقرآن.
وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها.
حديث آخر
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن أم موسى، عن أم سلمة قالت: والذي أحلف به إن كان علي بن أبي طالب لأقرب الناس عهدا برسول الله.
عدنا رسول الله غداة بعد غداة يقول: « جاء علي »؟ مرارا - وأظنه كان بعثه في حاجة - قالت: فجاء بعد فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت عند الباب فقعدنا عند الباب فكنت من أدناهم إلى الباب.
فأكب عليه علي فجعل يسارّه ويناجيه، ثم قبض من يومه ذلك فكان أقرب الناس به عهدا.
وهكذا رواه عبد الله بن أحمد، وأبو يعلى، عن أبي بكر بن أبي شيبة به.
حديث آخر في معناه
قال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، ثنا أبو بكر بن عياش، عن صدقة، عن جمُيع بن عمير: أن أمه وخالته دخلتا على عائشة فقالتا: يا أم المؤمنين، أخبرينا عن علي.
قالت: أي شيء تسألن عن رجل وضع يده من رسول الله موضعا فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه ثم اختلفوا في دفنه.
فقال: إن أحب الأماكن إلى الله مكان قبض فيه نبيه ﷺ؟.
قالتا: فلم خرجت عليه؟
قالت: أمر قضي، لوددت أني أفديه بما على الأرض.
وهذا منكر جدا وفي (الصحيح) ما يرد هذا والله أعلم.
حديث آخر
قال الإمام أحمد: ثنا أسود بن عامر، حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر - يعني: الفراء - عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيغ، عن علي قال: « قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك؟
قال: أن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة.
وأن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم.
وأن تؤمروا عليا - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم ».
وقد روي هذا الحديث من طريق عبد الرزاق، عن النعمان بن أبي شيبة، وعن يحيى بن العلاء، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيغ، عن حذيفة، عن النبي ﷺ بنحوه.
ورواه أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، عن ابن نمير، عن الثوري، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيغ، عن حذيفة به.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: أنا أبو عبد الله محمد بن علي الآدمي بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني، أنا عبد الرزاق بن همام، عن أبيه، عن ابن ميناء، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي ﷺ ليلة وفد الجن. قال: فتنفس.
فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟.
قال: « نعيت إلىّ نفسي ».
قلت: فاستخلف.
قال: « من »؟
قلت أبا بكر؟
قال: فسكت ثم مضى ثم تنفس.
قلت: ما شأنك يا رسول الله؟
قال: « نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود ».
قلت: فاستخلف.
قال: « من »؟
قلت: عمر.
قال: فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس.
قال: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟
قال: « نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود ».
قلت: فاستخلف.
قال: « من »؟
قلت: علي بن أبي طالب.
قال: « أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين ».
قال ابن عساكر: همام وابن ميناء مجهولان.
حديث آخر
قال أبو يعلى: ثنا أبو موسى - يعني: محمد بن المثنى - حدثنا سهيل بن حماد، أبو غياث الدلال، ثنا مختار بن نافع الفهمي، ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي قال:
قال رسول الله ﷺ: « رحم الله أبا بكر زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، واعتق بلالا من ماله.
رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرا تركه الحق وماله من صديق.
رحم الله عثمان تستحيه الملائكة.
رحم الله عليا دار الحق معه حيث دار ».
وقد ورد عن أبي سعيد وأم سلمة أن الحق مع علي رضي الله عنه. وفي كل منهما نظر والله أعلم.
حديث آخر
قال أبو يعلى: ثنا عثمان بن جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ».
فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله.
قال: « لا! »
فقال عمر: أنا هو يا رسول الله.
قال: « لا! » ولكنه خاصف النعل » - وكان قد أعطى عليا نعله يخصفه -.
ورواه الإمام البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الأعمش به.
ورواه الإمام أحمد: عن وكيع، وحسين بن محمد، عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء به.
ورواه البيهقي أيضا: من حديث أبي نعيم، عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه عن أبي سعيد به.
ورواه فضيل بن مرزوق: عن عطية، عن أبي سعيد.
وروي من حديث علي نفسه.
وقد قدمنا هذا الحديث في موضعه في قتال علي أهل البغي والخوارج ولله الحمد.
وقدمنا أيضا حديث علي للزبير: أن رسول الله ﷺ قال لك: « أنك تقاتلني وأنت ظالم ».
فرجع الزبير وذلك يوم الجمل، ثم قتل بعد مرجعه في وادي السباع.
وقدمنا صبره وصرامته وشجاعته في يومي الجمل وصفين، وبسالته وفضله في يوم النهروان، وما ورد في فضل طائفته الذين قتلوا الخوارج من الأحاديث، وذكرنا الحديث الوارد من غير طريق عن علي، وأبي سعيد، وأبي أيوب:
أن رسول الله ﷺ أمره بقتال المارقين، والقاسطين، والناكثين، وفسروا الناكثين بأصحاب الجمل، والقاسطين بأهل الشام، والمارقين بالخوارج، والحديث ضعيف.
(تم الجزء السابع من كتاب البداية والنهاية ويليه الجزء الثامن، وأوله فصل في ذكر شيء من سيرته العادلة، وسريرته الفاضلة، و خطبه الكاملة.)