البداية والنهاية/الجزء السابع/قصة السد
ذكر ابن جرير بسنده: أن شهربراز قال لعبد الرحمن بن ربيعة لما قدم عليه حين وصل إلى الباب وأراه رجلا فقال شهربراز: أيها الأمير، إن هذا الرجل كنت بعثته نحو السد، وزودته مالا جزيلا وكتبت له إلى الملوك الذين يولوني، وبعثت لهم هدايا، وسألت منهم أن يكتبوا له إلى من يليهم من الملوك حتى ينتهي إلى سد ذي القرنين، فينظر إليه ويأتينا بخبره.
فسار حتى انتهى إلى الملك الذي السد في أرضه، فبعثه إلى عامله مما يلي السد، فبعث معه بازياره ومعه عقابه، فلما انتهوا إلى السد إذا جبلان بينهما سد مسدود، حتى ارتفع على الجبلين، وإذا دون السد خندق أشد سوادا من الليل لبعده، فنظر إلى ذلك كله وتفرس فيه، ثم لما هم بالانصراف، قال له البازيار: على رسلك، ثم شرح بضعة لحم معه فألقاها في ذلك الهواء، وانقض عليها العقاب.
فقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، وإن لم تدركها حتى تقع فذلك شيء.
قال: فلم تدركها حتى وقعت في أسفله واتبعها العقاب فأخرجها، فإذا فيها ياقوتة وهي هذه، ثم ناولها الملك شهربراز لعبد الرحمن بن ربيعة فنظر إليها عبد الرحمن ثم ردها إليه، فلما ردها إليه فرح، وقال: والله لهذه خير من مملكة هذه المدينة - يعني: مدينة باب الأبواب التي هو فيها - وهي هذه خير من مملكة هذه المدينة - يعني: مدينة باب الأبواب التي خبرها - ووالله لأنتم أحب إلي اليوم من مملكة آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم وبلغهم خبرها لانتزعوها مني.
وأيم الله، لا يقوم لكم شيء ما وفيتم وفي ملككم، الأكبر.
ثم أقبل عبد الرحمن بن ربيعة على الرسول الذي ذهب على السد فقال: ما حال هذا الردم؟ - يعني: ما صفته - فأشار إلى ثوب في زرقه وحمرة فقال: مثل هذا.
فقال رجل لعبد الرحمن: صدق والله لقد نفذ ورأى.
فقال: أجل وصف صفة الحديد والصفر.
قال الله تعالى: { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا } [الكهف: 96] وقد ذكرت صفة السد في التفسير، وفي أوائل هذا الكتاب.
وقد ذكر البخاري في صحيحه تعليقا: أن رجلا قال للنبي ﷺ رأيت السد.
فقال: « كيف رأيته؟ »
قال: مثل البرد المحبر رأيته.
قالوا: ثم قال عبد الرحمن بن ربيعة لشهربراز: كم كانت هديتك؟
قال: قيمة مائة ألف في بلادي وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان.