هداية الحيارى/وفد نصارى نجران
وفد نصارى نجران
قال ابن إسحاق: ووفد على رسول الله ﷺ وفد نصارى نجران بالمدينة، فحدثني محمدا بن جعفر بن الزبير، قال: لما قدم وفد نجران على رسول الله ﷺ دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله ﷺ: دعوهم. فاستقبلوا المشرق، فصلوا صلاتهم، وكانوا ستين راكبا، منهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم، منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم:
العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره، واسمه عبد المسيح.
والسيل عقالهم وصاحب رحلهم ومجمعهم.
وأبو حارثة ابن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم، وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم.
فلما وجهوا إلى رسول الله ﷺ من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة متوجها إلى رسول الله ﷺ وإلى جنبه أخ له يقال له: كرز بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال له كرز: تعس الأبعد، يريد رسول الله ﷺ، فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست. فقال: ولم يا أخي؟ فقال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره، فقال له كرز: فما يمنعك من اتباعه، وأنت تعلم هذا؟ فقال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى، فأصر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك.
فهذا وأمثاله من الذين منعتهم الرياسة والمأكل من اختيار الهدى، وآثروا دين قومهم، وإذا كان هذا حال الرؤساء المتبوعين الذين هم علماؤهم وأحبارهم كان بقيتهم تبعا لهم، وليس بمستنكر أن تمنع الرياسة والمناصب والمآكل للرؤساء، ويمنع الاتباع تقليدهم، بل هذا هو الواقع والعقل لا يستشكله.