هداية الحيارى/بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح
بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح
ثم قام بعده قيصر آخر، وفي زمنه جعل في أنطاكية بتركا مسمى بولس الشمشاطي وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت، وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد رسول مخلوق مصنوع مربوب، لا يختلف فيه اثنان منهم، فقال بولس هذا، وهو أول من أفسد دين النصارى، إن سيدنا المسيح خلق من اللاهوت إنسانا كواحد منا في جوهره وإن ابتداء الابن من مريم، وإنه اصطفى ليكون مخلصا للجوهر الإنسي صحبته النعمة الإلهية، فحلت فيه بالمحبة والمشيئة، ولذلك سمي ابن الله. وقال إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد.
قال سعيد بن البطريق: وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر أسقفا في مدينة أنطاكية ونظروا في مقالة بولس فأوجبوا عليه اللعن، فلعنوه ولعنوا من يقول بقوله وانصرفوا.
ثم قام قيصر آخر، فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير والبيوت فزعا من الروم، ولم يكن بترك الإسكندرية يظهر خوفا أن يقتل، فقام بارون بتركا فلم يزل يداري الروم حتى بنى بالإسكندرية كنيسة.
ثم قام قياصرة أخر، منهم اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة، فأثارا على النصارى بلاء عظيما وعذابا أليما وشدة تجل عن الوصف من القتل والعذاب واستباحة الحريم والأموال، وقتل ألوف مؤلفة من النصارى، وعذبوا "مارجرجس" أصناف العذاب ثم قتلوه، وفي زمنهما ضربت عنق بطرس بترك الإسكندرية، وكان له تلميذان.
وكان في زمنه أريوس يقول: إن الأب وحده الله الفرد الصمد، والابن مخلوق مصنوع، وقد كان الأب إذ لم يكن الابن. فقال بطرس لتلميذيه: إن المسيح لعن أريوس فاحذرا أن تقبلا قوله؛ فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب، فقلت: يا سيدي! من شق ثوبك؟ فقال لي: أريوس، فاحذروا أن تقبلوه أو يدخل معكم الكنيسة. وبعد قتل بطرس بخمس سنين، صير أحد تلميذيه بتركا على الإسكندرية، فأقام ستة أشهر ومات، ولما جرى على أريوس ما جرى أظهر أنه قد رجع عن مقالته فقبله هذا البترك وأدخله الكنيسة وجعله قسيسا.
ثم قام قيصر آخر، فجعل يتطلب النصارى ويقتلهم حتى صب الله عليه النقمة فهلك شر هلكة.
ثم قام بعده قيصران: أحدهما ملك الشام وأرض الروم وبعض الشرق. والآخر رومية وما جاورها. وكانا كالسباع الضارية على النصارى فعلا بهم من القتل والسبي والجلاء ما لم يفعله بهم ملك قبله.
وملك معهما قسطنطين أبو قسطنطين، وكان دينا يبغض الأصنام محبا للنصارى، فخرج إلى ناحية الجزيرة والرها، فنزل في قرية من قرى الرها فرأى امرأة جميلة يقال لها هيلانة. وكانت قد تنصرت على يدي أسقف الرها وتعلمت قراءة الكتب فخطبها قسطنطين من أبيها فزوجه إياها، فحبلت منه وولدت قسطنطين، فتربى بالرها وتعلم حكمة اليونان، وكان جميل الوجه، قليل الشر محبا للحكمة.
وكان عليانوس ملك الروم حينئذ رجلا فاجرا شديد البأس، مبغضا للنصارى جدا كثير القتل فيهم محبا للنساء، لم يترك للنصارى بنتا جميلة إلا أفسدها، وكذلك أصحابه.
وكان النصارى في جهد جهيد معه، فبلغه خبر قسطنطين وأنه غلام هاد قليل الشر كثير العلم، وأخبره المنجمون والكهنة أنه سيملك ملكا عظيما فهمّ بقتله، فهرب قسطنطين من الرها ووصل إلى أبيه فسلم إليه الملك.
ثم مات أبوه، وصب الله على عليانوس أنواعا من البلاء حتى تعجب الناس مما ناله ورحمه أعداؤه مما حل به، فرجع إلى نفسه وقال: لعل هذا بسبب ظلم النصارى. فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من الحبوس وأن يكرموهم ويسألوهم أن يدعوا له في صلواتهم.
فوهب الله له العافية ورجع إلى أفضل ما كان عليه من الصحة والقوة، فلما صح وقوي رجع إلى شر مما كان عليه، وكتب إلى عماله أن يقتلوا النصارى ولا يدعوا في مملكته نصرانيا ولا يسكنوا له مدينة ولا قرية، فكان القتلى يحملون على العجل ويرمى بهم في البحر والصحارى.
وأما قيصر الآخر الذي كان معه فكان شديدا على النصارى واستعبد من كان برومية من النصارى ونهب أموالهم وقتل رجالهم ونساءهم وصبيانهم.