هداية الحيارى/المجمع التاسع
المجمع التاسع
ثم كان لهم مجمع تاسع في أيام معاوية بن أبي سفيان تلاعنوا فيه. وذلك أنه كان برومية راهب قديس يقال له مقسلمس وله تلميذان، فجاء إلى قسطا الوالي فوبخه على قبح مذهبه وشناعة كفره، فأمر به قسطا فقطعت يداه، ورجلاه ونزع لسانه، وفعل بأحد التلميذين مثله وضرب آخر بالسياط، ونفاه فبلغ ذلك ملك قسطنطينية. فأرسل إليه يوجه إليه من أفاضل الأساقفة ليعلم وجه هذه الحجة ومن الذي كان ابتدأها لكيما يطرح جميع الآباء القديسين كل من استحق اللعنة، فبعث إليه مائة وأربعين أسقفا وثلاث شمامسة، فلما وصلوا إلى قسطنطينية جمع الملك مائة وثمانية وستين أسقفا فصاروا ثلاثمائة وثمانية، وأسقطوا الشمامسة في البرطحة.
وكان رئيس هذا المجمع بترك قسطنطينية وبترك أنطاكية، ولم يكن لبيت المقدس والإسكندرية بترك. فلعنوا من تقدم من القديسين الذين خالفوهم، وسموهم واحدا واحدا وهم جماعة، ولعنوا أصحاب المشيئة الواحدة، ولما لعنوا هؤلاء جلسوا فلخصوا الأمانة المستقيمة، بزعمهم، فقالوا: «نؤمن بأن الواحد من اللاهوت، الابن الوحيد الذي هو الكلمة الأزلية، الدائم المستوي مع الأب الإله في الجوهر، الذي هو ربنا يسوع المسيح، بطبيعتين تامتين وفعلين ومشيئتين في أقنوم واحد ووجه واحد، يعرف تاما بلاهوته تاما بناسوته، وشهدت كما شهد مجمع الخلقدونية على ما سبق أن الإله الابن في آخر الأيام اتحدا مع العذراء السيدة مريم القديسة جسدا إنسانا بنفسين، وذلك برحمة الله تعالى محب البشر، ولم يلحقه اختلاط ولا فساد ولا فرقة ولا فصل، ولكن هو واحد، يعمل بما يشبه الإنسان أن يعمله في طبيعته، وما يشبه الإله أن يعمل في طبيعته، الذي هو الابن الوحيد والكلمة الأزلية المتجسدة إلى أن صارت في الحقيقة لحما، كما يقول الإنجيل المقدس، من غير أن تنتقل عن محلها الأزلي، وليست يمتغيرة لكنها بفعلين ومشيئتين وطبيعتين: إلهي وأنسي، الذي بهما يكون القول الحق، وكل واحدة من الطبيعتين تعمل مع شركة صاحبتها، مشيئتين غير متضادتين ولا متضارعتين، ولكن مع المشيئة الأنسية في المشيئة الإلهية القادرة على كل شيء».
هذه شهادتهم وأمانة المجمع السادس من المجمع الحلقدوني، وثبتوا ما ثبته الخمس مجامع التي كانت قبلهم، ولعنوا من لعنوه، وبين المجمع الخامس إلى هذا المجمع مائة سنة.