هداية الحيارى/قصة ابن الجلندي
قصة ابني الجلندي
وكذلك ابنا الجلندي ملكا عمان وما حولها من ملوك النصارى، أسلما طوعا واختيارا، ونحن نذكر قصتهما، وكتاب رسول الله ﷺ إليهما، وهذا لفظه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى حيفر وعبيد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوكما بداعية الإسلام أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا، ويحق القول على الكافرين، وأنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما مكانكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما». وختم الكتاب، وبعث به مع عمرو بن العاص قال عمرو: فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها انتهيت إلى عبيد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا، فقلت: إني رسول رسول الله إليك وإلى أخيك، فقال: أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك، ثم قال لي: وما تدعو إليه؟ قلت: أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: يا عمرو، إنك سيد قومك، فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ قلت: مات ولم يؤمن بمحمد، ووددت أنه كان أسلم وصدق به، وكنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام، قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريبا، فسألني: أين كان إسلامي؟ فقلت: عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت: أقروه، قال: والأساقفة والرهبان؟ قلت: نعم.
قال: انظر يا عمرو، ما تقول إنه ليس خصلة في رجل أفضح له من كذب، قلت: ما كذبت وما نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي، قلت: بلى، قال: بأي شيء علمت ذلك؟ قلت كان النجاشي يخرج له خراجا، فلما أسلم وصدق بمحمد، قال: لا والله لو سألني درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له نياق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا؟
قال هرقل: رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به، والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع، قال: انظر ما تقول يا عمرو؟ قلت: والله لقد صدقتك، قال: عبد فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل، وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر، وصلة الرحم، وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وشرب الخمر، وعن عبادة الحجر، والوثن، والصليب، فقال: ما أحسن هذا الذي يدعوا إليه لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد، ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه، ويصير دينا، قلت: إنه أن أسلم ملكه رسول الله ﷺ على قومه، فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم، قال: إن هذا لخلق حسن، وما الصدقة؟
فأخبرته بما فرض رسول الله ﷺ من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل، فقال: يا عمرو ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر، وترد المياه؟ فقلت: نعم، فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم، وكثرة عددهم، يطيعون بهذا، قال: فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني يوما فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعي، فقال: دعوه، فأرسلت، فذهبت لأجلس، فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوما، ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه، فقرأه مثل قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرق منه، ثم قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: اتبعوه، إما راغب في الإسلام وإما مقهور بالسيف، قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره، وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحدا بقي غيرك في هذه الحرجة، وإن أنت لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل، ويبيد خضرائك، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال، قال: دعني يومي هذا وارجع إلى غدا.
فرجعت إلى أخيه فقال: يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي، فانصرفت إلى أخيه فأخبرته إني لم أصل إليه، فأوصلني إليه، فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا يبلغ خيله ههنا، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقا، قلت: وأنا خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه، فقال: ما نحن فيما قد ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه. فأصبح، فأرسل إليّ، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدقا النبي ﷺ، وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عونا على من خالفني.