هداية الحيارى/اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة
اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة
وإذا عرف هذا فالعلم بأنه ﷺ مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة.
أحدها: إخبار من قد ثبتت نبوته قطعا بأنه مذكور عندهم في كتبهم، فقد أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه فيجب تصديقه فيه، إذ تكذيبه والحالة هذه ممتنع لذاته، هذا لو لم يعلم ذلك إلا من مجرد خبره فكيف إذا تطابقت الأدلة على صحة ما أخبر به.
الثاني: أنه جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته، وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك، وأنه على يقين جازم به.
الثالث: أن المؤمنين به من الأحبار والرهبان الذين أثروا الحق على الباطل صدقوه في ذلك، وشهدوا له بما قال.
الرابع: أن المكذبين والجاحدين لنبوته لم يمكنهم إنكار البشارة والإخبار بنبوة نبي عظيم الشأن صفته كذا وكذا، وصفة أمته ومخرجه وشأنه، لكن جحدوا أن يكون هو الذي وقعت به البشارة، وأنه نبي آخر غيره، وعلموا هم والمؤمنون به من قومهم أنهم ركبوا متن المكابرة، وامتطوا غارب البهت.
الخامس: أن كثيرا منهم صرح لخاصته وبطانته بأنه هو هو بعينه، وأنه عازم على عداوته ما بقي، كما تقدم.
السادس: إن إخبار النبي ﷺ بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد إخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم وقومهم، وما جرى لهم، وقصص الأنبياء المتقدمين وأممهم، وشأن المبدأ والمعاد، وغير ذلك، مما أخبرت به الأنبياء.
وكل ذلك مما يعلمون صدقه فيه ومطابقته لما عندهم، وتلك الإخباريات أكثر من أن تحصى، ولم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها. وكانوا أحرص شيء على أن يظفروا منه بكذبة واحدة أو غلطة، أو سهو، فينادون بها عليه، ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه، فلم يقل أحد منهم يوما من الدهر أنه أخبر بكذا وكذا في كتبنا، وهو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك، وهم مصرون على عدم اتباعه، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه فيما أخبر به لو لم يعلم إلا بمجرد خبره.
السابع: أنه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم، وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب، وأخبر به لاتباعه، فلو كان هذا باطلا لا صحة له لكان ذلك تسليطا للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك، وتسليطا لأهل الكتاب على الإنكار، وتسليطا لاتبعاه على الرجوع عنه، والتكذيب له بعد تصديقه، وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه، وهو بمنزلة رجل يخبر بما يشهد بكذبه، ويجعل إخباره دليلا على صدقه، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون.
فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به، وإن لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟ .
الثامن: أنه لو قدر أنهم لم يعلموا بشارة الأنبياء به، وإخبارهم بنعته وصفته، لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه، وأخبروا به، وبشروا بنبوته؟ إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلى المتأخرين وأحاطوا به علما، وهذا مما يعلم بالاضطرار، فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به، فإذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجبا لرده وتكذيبه.