هداية الحيارى/صلاة النصارى استهزاء بالمعبود
صلاة النصارى استهزاء بالمعبود
والذين اختاروا صلاة يقوم أعبدهم وأزهدهم إليها والبول على ساقه وأفخاذه فيستقبل الشرق، ثم يصلب على وجهه، ويعبد الإله المصلوب، ويستفتح الصلاة، بقوله: يا أبانا أنت الذي في السموات، تقدس اسمك، وليأت ملكك، ولتكن إرادتك في السماء مثلها في الأرض، أعطنا خبزنا الملايم لنا، ثم يحدث من هو إلى جانبه، وربما سأل عن سعر الخمر والخنزير، وعما كسب في القمار، وعما طبخ في بيته وربما أحدث وهو في صلاته، ولو أراد لبال في موضعه إن أمكنه. ثم يدعو تلك الصورة التي هي صنعتة يد الإنسان، فالذين اختاروا هذه الصلاة على صلاة من إذا قام إلى صلاته طهر أطرافه وثيابه وبدنه من النجاسة، واستقبل بيته الحرام، وكبر الله وحمده وسبحه وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ناجاه بكلامه المتضمن لأفضل الثناء عليه، وتحميده وتمجيده وتوحيده، وإفراده بالعبادة والاستعانة، وسؤاله أجل مسئول، وهو الهداية إلى طريق رضاه التي خص بها من أنعم الله عليه دون طريق الأمتين: المغضوب عليهم وهم اليهود، والضالين وهم النصارى، ثم أعطى كل جارحة من الجوارح حظها من الخشوع والخضوع والعبودية مع غاية الثناء والتمجيد لله رب العالمين، لا يلتفت عن معبوده بوجهه، ولا قلبه، ولا يكلم أحدا كلمة، بل قد فرغ قلبه لمعبوده، وأقبل عليه بقلبه ووجهه، ولا يحدث في صلاته، ولا يجعل بين عينيه صورة مصنوعة يدعوها ويتضرع إليها.
فالذين اختاروا تلك الصلاة التي هي في الحقيقة استهزاء بالمعبود، لا يرضاها المخلوق لنفسه، فضلا أن يرضى بها الخالق، على هذه الصلاة التي لو عرضت على من له أدنى مسكة من عقل لظهر له التفاوت بينهما: هم الذين اختاروا تكذيب رسوله وعبده على الإيمان به وتصديقه.
فالعاقل إذا وازن بين ما اختاروه ورغبوا فيه، وبين ما رغبوا عنه، تبين له أن القوم اختاروا الضلالة على الهدى، والغي على الرشاد، والقبيح على الحسن، والباطل على الحق، وأنهم اختاروا من العقائد أبطلها، ومن الأعمال أقبحها، وأطبق على ذلك أساقفتهم وبتاركتهم ورهبانهم، فضلا عن عوامهم وسقطهم.
ولم يقل أحد من المسلمين أن ما ذكرتم من صغير وكبير، وذكر وأنثى، وحر وعبد، وراهب وقسيس، كلهم تبين له الهدى، بل أكثرهم جهال بمنزلة الدواب السائمة، معرضون عن طلب الهدي، فضلا عن تبيينه لهم وهم مقلدون لرؤسائهم وكبرائهم علمائهم، وهم أقل القليل، وهم الذين اختاروا الكفر على الإيمان بعد تبين الهدى، وأي إشكال يقع للعقل في ذلك، فلم يزل في الناس من يختار الباطل، فمنهم من يختاره جهلا وتقليدا، لمن يحسن الظن به.
ومنهم من يختاره مع علمه ببطلانه كبرا وعلوا.
ومنهم من يختاره طمعا ورغبة في مأكل أو جاه أو رياسة.
ومنهم من يختاره حسدا وبغيا.
ومنهم من يختاره محبة في صورة وعشقا.
ومنهم من يختاره خشية.
ومنهم من يختاره راحة ودعة، فلم تنحصر أسباب اختبار الكفر في حب الرياسة والمأكلة.