انتقل إلى المحتوى

هداية الحيارى/أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي

ومن ذلك أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي ونحن نذكر بعضها:

قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب، عن مصعب بن عثمان، قال: كان أمية قد نظر في الكتب، وقرأها ولبس المسوح تعبدا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنفية، وحرم الخمر والأوثان، والتمس الدين، وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو. فلما بعث الله محمد ، قيل له: هذا الذي كنت تبشر به وتقول فيه، فحسده عدو الله، وقال: أنا كنت أرجو أن أكون هو فأنزل الله عز وجل فيه: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين)وهو الذي يقول: كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنفية زور.

قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين، ويطمع في النبوة، فخرج إلى الشام فمر بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم، فقال أمية: إن لي حاجة في هذه الكنيسة، فانتظروني، فدخل الكنيسة ثم خرج إليهم كاسفا متغيرا، فرمى بنفسه، فأقاموا عليه حتى سرى عنه، ثم مضوا فقضوا حوائجهم، ثم رجعوا فلما صاروا إلى الكنسية، قال لهم: انتظروني، ودخل الكنيسة فأبطأ، ثم خرج أسوأ من حاله الأول، فقال له أبو سفيان بن حرب: قد شققت على رفقتك، فقال: خلوني فإني أرتاد لنفسي، وأطلب لمعادي، وإن ههنا راهبا عالما أخبرني أنه سيكون بعد عيسى ست رجفات، وقد مضت منها خمس، وبقيت واحدة، فخرجت وأنا أطمع أن أكون نبيا وأخاف أن يخطئني فأصابني ما رأيت، فلما رجعت أتيته فقال: قد كانت الرجفة، وقد بعث نبي من العرب، فأيست من النبوة فأصابني ما رأيت إذ فاتني ما كنت أطمع فيه.

قال: وقال الزهري: خرج أمية في سفر فنزلوا منزلا فأم أمية وجها، وصعد في كثيب، فرفعت له كنيسة فانتهى إليها، فإذا شيخ جالس، فقال لأمية حين رآه: إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك؟ قال: من شقي الأيسر، قال: فأي الثياب أحب إليه أن تلقاه فيها؟ قال السواد، قال: كدت تكون نبي العرب ولست به، هذا خاطر من الجن وليس بملك، وإن نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه الملك من شقه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يلقه فيها البياض، قال الزهري: وأتى أمية أبا بكر فقال له: يا أبا بكر، عمي الخبر، فهل أحسست شيئا؟ قال: لا والله، قال: قد وجدته يخرج في هذا العام.

وقال عمر بن شبة: سمعت خالد بن يزيد يقول: إن أمية وأبا سفيان بن حرب صحباني في تجارة إلى الشام، فذكر نحو الحديث الأول، وزاد فيه، فخرج من عند الراهب وهو ثقيل، فقال له أبو سفيان: إن بك لشرا فما قضيتك؟ قال: خير، أخبرني عن عتبة ابن ربيعة: كم سنه؟ فذكر سنا، قال: أخبرني عن ماله؟ فذكر مالا، فقال له: وضعته، قال أبو سفيان: بل رفعته، فقال: إن صاحب هذا الأمر ليس بشيخ، ولا ذي مال، قال وكان الراهب: أيأسه وأخبره أن الأمر لرجل من قريش.

قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: حدثني رجل من أهل الكوفة، قال: كان أمية نائما، فجاءه طائران فوقع أحدهما على باب البيت، ودخل الآخر فشق عن قلبه، ثم رده الطائر، فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال: نعم، قال: أزكى؟ قال: أبى.

وقال الزهري: دخل يوما أمية بن أبي الصلت على أخته وهي تهنأ أدمالها، فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت، قالت: فانشق جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره، ووقف الآخر مكانه، فشق الواقع صدره فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الآخر للذي على صدره:

أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى؟ قال: فرد قلبه في موضعه. ثم مضى فاتبعهما أمية طرفه، وقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، لا بريء فاعتذر ولا ذو عشيرة فانتصر، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه حتى أخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الأعلى للواقع: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعهما أمية بصره فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، لا مال لي يغنيني، ولا عشيرة تحميني، فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه، ثم أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الأعلى:

أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، ونهض فاتبعه أمية بصره، فقال: لبيكما لبيكما هاأنا ذا لديكما، محفوف بالنعم محوط بالذنب، قال فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه فأخرج قلبه فشقه، فقال الأعلى: أوعى؟ قال: وعى، قال: أقبل؟ قال: أبى، قال ونهض فاتبعهما طرفه فقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما: إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما

ثم انطبق السقف، وجلس أمية يمسح صدره، فقلت: يا أخي! هل تجد شيئا؟ قال: لا، ولكني أجد حرا في صدري، ثم أنشأ يقول:

ليتني كنت قبل ما قد بدالي في قلال الجبال أرعى الوعولا

اجعل الموت نصب عينيك واحذر غولة الدهر إن للدهر غولا

وقال مروان بن الحكم: عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام، فكان كلما نزلنا منزلا أخرج منه سفرا يقرؤه، فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى، فرأوه فعرفوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما.

ثم قال: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه تناهي علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا، فمضي هو وحده، وجاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح وأصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ولا نكلمه، فسرينا ليلتين على ما به من الهم، فقلت له: ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك؟ قال: لمنقلبي، قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله، لأموتن ولأحاسبن، قلت: فهل أنت قابل أماني؟

قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، فضحك وقال: بلى والله، لتبعثن ولتحاسبن، ولتدخلن فريق في الجنة وفريق في السعير، قلت: ففي أيهما أنت أأخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه فكنا في ذلك ليلتنا يعجب منا ونضحك منه، حتى قدمنا غوطة دمشق، فبعنا متاعنا، وأقمنا شهرين، ثم ارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى.

فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، حتى جاءنا مع نصف النهار فلبس ثوبيه الأسودين وذهب حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم رمي بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح مبثوثا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه، فرحلنا فسرنا ليالي.

ثم قال: يا صخر، حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: إي والله، قال: أو يصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: نعم، قال: فكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم، قال: فهل تعلم قرشيا أشرف منه؟ قلت: لا والله، قال: أمحوج هو؟ قلت: لا، بل هو ذو مال كثير، قال: كم أتي له من السنين؟ قلت: هو ابن سبعين أو قد قاربها، قال: فالسن والشرف أزريا به، قلت: والله بل زاده خيرا، قال: هو ذاك.

ثم إن الذي رأيت بي إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ينتظر، فقال: رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب فقلت: فينا بيت تحجه العرب قال هو من إخوتكم وجيرانكم من قريش فأصابني شيء ما أصابني مثله إذ خرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون أنا هو، فقلت: فصفه لي؟

فقال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بدؤ أمره أنه يجتنب المحارم والمظالم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو كريم الطرفين، متوسط في العشيرة، أكثر جنده من الملائكة، قلت: وما آية ذلك؟ قال: رجفت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم عدة رجفات كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصيبة، يخرج على أثرها، فقلت: هذا هو الباطل لئن بعث الله رسولا لا يأخذه إلا مسنا شريفا.

قال أمية: والذي يحلف به إنه لهكذا، فخرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكبا من خلفنا، فإذا هو يقول: أصابت الشام من بعدكم رجفة دثر أهلها فيها فأصابتهم مصائب عظيمة، فقال أمية: كيف ترى يا أبا سفيان؟ فقلت: والله ما أظن صاحبك إلا صادقا. وقدمنا مكة ثم انطلقت حتى أتيت أرض الحبشة تاجرا، وكنت فيها خمسة أشهر. ثم قدمت مكة فجاءني الناس يسلمون علي، وفي آخرهم محمد وهند تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي، وسألني عن سفري ومقدمي. ثم انطلق فقلت: والله إن هذا الفتى لعجب ما جاءني من قريش أحد له معي بضاعة إلا سألني عنها وما بلغت، والله إن له معي لبضاعة ما هو بأغناهم عنها، ثم ما سألني عنها، فقالت: أوما علمت بشأنه؟ فقلت: - وفزعت - وما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فذكرت قول النصراني، فوجمت. ثم قدمت الطائف، فنزلت على أمية فقلت: هل تذكر حديث النصراني؟ قال: نعم، فقلت: قد كان، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله، فتصبب عرقا، فقلت: قد كان من أمر الرجل ما كان فأين أنت منه، فقال: والله لا أومن بنبي من غير ثقيف أبدا.

فهذا حديث أبي سفيان عن أمية، وذلك حديثه عن هرقل وهو في صحيح البخاري، وكلاهما من أعلام النبوة المأخوذة عن علماء أهل الكتاب.

هداية الحيارى
خطبة الكتاب | تمهيد | مسائل الكتاب | المسألة الأولى | الأسباب المانعة من قبول الحق | لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله | صلاة النصارى استهزاء بالمعبود | المسألة الثانية | قصة النجاشي | وفد نصارى نجران | خبر عدي بن حاتم الطائي | قصة سلمان الفارسي | قصة هرقل | إسلام النجاشي | قصة المقوقس | قصة ابن الجلندي | صاحب اليمامة | قصة الحارث | قصة عبد الله بن سلام | المذكور في كتبهم غالبا وهو أبلغ من الاسم | نصارى نجران | اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة | اختلاف نسخ التوراة والإنجيل وتناقضها | نصوص الكتب المتقدمة في البشارة به وصفته ونعت أمته | النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال | ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق | أدلة من التوراة على نبوة محمد | نطق التوراة صراحة بنبوة محمد | ما ذكر في نبوة حبقوق | مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود | صفات النبي المذكورة في كتبهم | خبر المباهلة | حديث وهب عن الزبور | خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال | أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي | خبر بحيرا الراهب | خبر آخر عن هرقل | الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به | تحريف التوراة والإنجيل | سبب تحريف التوراة | جحدهم بنبوة محمد نظير جحدهم نبوة المسيح | التغيير في ألفاظ الكتب | المناقضات في الإنجيل | الرد على من طالب بالنسخ الصحيحة | الرد على من قال بعدم كفر هاتين الأمتين | الرد على من طعن بالصحابة | معاصي الأمم لا تقدح في الرسل ولا في رسالتهم | كتب اليهود | من شريعتهم نكاح امرأة الأخ أو العار | دين النصارى | مقالة أشباه الحمير في مريم وابنها | لو لم يظهر محمد لبطلت نبوة سائر الأنبياء | النصارى أشد الأمم افتراقا في دينهم | اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح | تاريخ المجامع النصرانية | ذكر ماني الكذاب | بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح | أول من ابتدع شارة الصليب قسطنطين | المجمع الأول | المجمع الثاني | المجمع الثالث | المجمع الرابع | المجمع الخامس | المجمع السادس | المجمع السابع | المجمع الثامن | المجمع التاسع | المجمع العاشر | لو عرض دين النصرانية على قوم لم يعرفوا لهم إلها لامتنعوا من قبوله | يستحيل الإيمان بنبي من الأنبياء مع جحد نبوة محمد | إنكار النبوات شيمة الفلاسفة والمجوس وعباد الأصنام | غباوة اليهود | إشراق الأرض بالنبوة