هداية الحيارى/تحريف التوراة والإنجيل
تحريف التوراة والإنجيل
وهذه الطرق يسلكها من يساعدهم على أنهم لم يحرفوا ألفاظ التوراة والإنجيل، ولم يبدلوا شيئا منها، فيسلكها بعض نظّار المسلمين معهم من غير تعرض إلى التبديل والتحريف.
وطائفة أخرى تزعم: أنهم بدلوا وحرفوا كثيرا من ألفاظ الكتابين، مع أن الغرض الحامل لهم على ذلك دون الغرض الحامل لهم على تبديل البشارة برسول الله ﷺ بكثير، وإن البشارات لكثرتها لم يمكنهم إخفاؤها كلها، وتبديلها، ففضحهم ما عجزوا عن كتمانه أو تبديله.
وكيف ينكر من أمة اليهود قتلة الأنبياء الذين رموهم بالعظائم، أن يكتموا نعت رسول الله ﷺ وصفته، وقد جحدوا نبوة المسيح، ورموه وأمه بالعظائم، ونعته والبشارة به موجود في كتبهم، ومع هذا أطبقوا على جحد نبوته، وإنكار بشارة الأنبياء به، ولم يفعل بهم ما فعله بهم محمد ﷺ من القتل، والسبي، وغنيمة الأموال، وتخريب الديار وإجلائهم منها، فكيف لا تتواصى هذه الأمة بكتمان نعته وصفته وتبدله من كتبها؟ وقد عاب الله سبحانه عليهم ذلك في غير موضع من كتابه، ولعنهم عليه.
ومن العجب أنهم والنصارى يقرّون أن التوراة كانت طول مملكة نبي إسرائيل عند الكاهن الأكبر الهاروني وحده، واليهود تقرُّ أنّ السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفا من التوراة، وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة، الذين كانوا تحت قهرهم حيث زال الملك عنهم، ولم يبق لهم ملك يخافونه، ويأخذ على أيديهم.
ومن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله فلا يؤمن منه تحريف غيره، واليهود تقرّ أيضا أن السامرة حرّفوا مواضع من التوراة، وبدلوها تبديلا ظاهرا، وزادوا، ونقصوا، والسامرة تدعي ذلك عليهم.
وأما الإنجيل فقد تقدّم أن الذي بأيدي النصارى منه أربع كتب مختلفة من تأليف أربعة رجال: يوحنّا، ومتىّ، ومرقس، ولوقا، فكيف ينكر تطرق التبديل والتحريف إليها؛ وعلى ما فيها من ذلك، فقد صرفهم الله عن تبديل ما ذكرنا من البشارات بمحمد بن عبد الله ﷺ وإزالته، وإن قدروا على كتمانه عن أتباعهم وجهّالهم.
وفي التوراة التي بأيديهم من التحريف والتبديل، وما لا يجوز نسبته إلى الأنبياء ما لا يشك فيه ذو بصيرة، والتوراة التي أنزلها الله على موسى بريئة من ذلك.
ففيها: عن لوط رسول الله أنه خرج من المدينة، وسكن في كهف الجبل، ومعه ابنتاه، فقالت الصغرى للكبرى: قد شاخ أبونا فارقدي بنا معه لنأخذ منه نسلا فرقدت معه الكبرى ثم الصغرى. ثم فعلتا ذلك في الليلة الثانية، وحملتا منه بولدين: مواب وعمون، فهل يحسن أن يكون نبي رسول كريم على الله يوقعه الله سبحانه في مثل هذه الفاحشة العظيمة في آخر عمره، ثم يذيعها عنه، ويحكيها للأمم؟
وفيها: «أن الله تجلى لموسى في طور سيناء، وقال له بعد كلام كثير: أدخل يدك في حجرك، وأخرجها مبروصة كالثلج» وهذا من النمط الأول.
والله سبحانه لم يتجل لموسى، وإنما أمره أن يدخل يده في جيبه، وأخبره أنها تخرج بيضاء من غير سوء، أي من غير برص.
وفيها: أن هارون هو الذي صاغ لهم العجل، وهذا إن لم يكن من زياداتهم، وافترائهم، فهارون، اسم السامري الذي صاغه ليس هو بهرون أخي موسى. وفيها أن الله قال لإبراهيم: «اذبح ابنك بكرك إسحاق» وهذا من بهتهم وزيادتهم في كلام الله، فقد جمعوا بين النقيضين؛ فإن بكره: هو إسماعيل، فإنه بكر أولاده، وإسحاق إنما بشر به على الكبر بعد قصة الذبح.
وفيها: «ورأى الله أن قد كثر فساد الآدميين في الأرض، فندم على خلقهم، وقال: سأذهب الآدمي الذي خلقت على الأرض، و الخشاش، وطيور السماء، لأني نادم على خلقها جدا» تعالى الله عن إفك المفترين، وعما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وفيها: «أن الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا تصارع مع يعقوب، فضرب به يعقوب الأرض».
وفيها: «أن يهوذا بن يعقوب النبي زوّج ولده الأكبر من امرأة، يقال لها: تامار، فكانت يأتيها مستدبرا فغضب الله من فعله، فأماته فزوج يهوذا ولده الآخر بها، فكان إذا دخل بها أمنى على الأرض، علما بأنه إن أولدها كان أول الأولاد مدعوا باسم أخيه، ومنسوبا إلى أخيه، فكره الله ذلك من فعله، فأماته فأمرها يهوذا باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر ولده شيلا، ويتم عقله. ثم ماتت زوجته يهوذا، وذهب إلى منزله ليجز غنمه، فلما أخبرت تامار لبست زي الزواني، وجلست على طريقه، فلما مر بها خالها زانية فراودها فطالبته بالأجرة، فوعدها بجدي، ورمى عندها عصاه وخاتمه، فدخل بها فعلقت منه بولد، ومن هذا الولد كان داود النبي». فقد جعلوه ولد زنا كما جعلوا المسيح ولد زنا، ولم يكفهم ذلك حتى نسبوا ذلك إلى التوراة، وكما جعلوا ولدي لوط ولدي زنا، ثم نسبوا داود وغيره من أنبيائهم إلى ذينك الولدين.
وأما فريتهم على الله ورسله وأنبيائه، ورميهم لرب العالمين ورسله بالعظائم، فكثير جدا، كقولهم: إن الله استراح في اليوم السابع من خلق السموات والأرض، فأنزل الله عز وجل على رسوله تكذيبهم، بقوله: (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وما مسنا من لغوب).
وقولهم: (إن الله فقير ونحن أغنياء).
وقولهم: (يد الله مغلولة غلت أيديهم، ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان). وقولهم: (إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار).
وقولهم: (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة).
وقولهم: «إن الله تعالى بكي على الطوفان حتى رمدت عيناه، وعادته الملائكة». وقولهم الذي حكيناه آنفا: «أن الله ندم على خلق بني آدم» وأدخلوا هذه الفرية في التوراة.
وقولهم: عن لوط أنه وطئ ابنتيه، وأولدهما ولدين نسبوا إليهما جماعة من الأنبياء.
وقولهم في بعض دعاء صلواتهم: انتبه كم تنام يا رب استيقظ من رقدتك.
فتجرؤا على رب العالمين بهذه المناجاة القبيحة، كأنهم ينخونه بذلك لينتخي لهم ويحتمي، كأنهم يخبرونه أنه قد اختار الخمول لنفسه وأحبابه، فيهزونه بهذا الخطاب للنباهة واشتهار الصيت، قال بعض أكابرهم بعد إسلامه: فترى أحدهم إذا تلا هذه الكلمات في الصلاة يقشعر جلده، ولا يشك أن كلامه يقع عند الله بموقع عظيم، وأنه يؤثر في ربه، ويحركه، ويهزه، وينخيه.
وعندهم في توراتهم: «أن موسى صعد الجبل مع مشايخ أمته، فأبصروا الله جهرة، وتحت رجليه كرسي منظره كمنظر البلور».
وهذا من كذبهم وافترائهم على الله، وعلى التوراة، وعندهم في توراتهم: «أن الله سبحانه لما رأى فساد قوم نوح، وأن شرهم قد عظم، ندم على خلق البشر في الأرض وشق عليه».
وعندهم في توراتهم أيضا: «أن الله ندم على تمليكه شاؤل على إسرائيل». وعندهم فيها: «أن نوحا لما خرج من السفينة بنى بيتا مذبحا، وقرب عليه قرابين، واستنشق الله رائحة القتار، فقال في ذاته: لن أعاود لعنة الأرض بسبب الناس، لأن خاطر البشر مطبوع على الرداءة، ولن أهلك جميع الحيوان كما صنعت».