هداية الحيارى/إشراق الأرض بالنبوة
إشراق الأرض بالنبوة
ولذلك بعث الله رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فمن أجابهم خرج إلى الفضاء والنور والضياء، ومن لم يجبهم بقي في الضيق والظلمة التي خلق فيها، وهي ظلمة الطبع وظلمة الجهل وظلمة الهوى وظلمة الغفلة عن نفسه وكمالها وما تسعد به في معاشها ومعادها.
فهذه جملتها، ظلمات خلق فيها العبد، فبعث الله رسله لإخراجه منها إلى العلم والمعرفة والإيمان والهدى الذي لا سعادة للنفس بدونه البتة.
فمن أخطأه هذا النور أخطأه حظه وكماله وسعادته، وصار يتقلب في ظلمات بعضها فوق بعض، فمدخله ظلمة ومخرجه ظلمة وقوله ظلمة وعمله ظلمة وقصده ظلمة وهو متخبظ في ظلمات طبعه وهواه وجهله وقلبه مظلم ووجهه مظلم؛ لأنه يبقى على الظلمة الأصلية ولا يناسبه من الأقوال والأعمال والإرادات والعقائد إلا ظلماتها، فلو أشرق له شيء من نور النبوة لكان بمنزلة إشراق الشمس على بصائر الخفاش.
بصائر أغشاها النهار بضوئه *** ولائمها قطع من الليل مظلم
يكاد نور النبوة يعمي تلك البصائر ويخطفها لشدته وضعفها، فتهرب إلى الظلمات لموافقتها لها وملائمتها إياها، والمؤمن عمله نور وقوله نور ومدخله نور ومخرجه نور وقصده نور، فهو يتقلب في النور في جميع أحواله.
قال الله تعالى: (الله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، والله بكل شيء عليم).
ثم ذكر حال الكفار وأعمالهم، وتقلبهم في الظلمات فقال: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب، أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور).
والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا
وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.