البداية والنهاية/الجزء الخامس/وفادة زياد بن الحارث رضي الله عنه
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو أحمد الأسداباذي بها، أنبأنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، حدثنا أبو علي بشر بن موسى، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، حدثني زياد بن نعيم الحضرمي، سمعت زياد بن الحارث الصدائي يحدث قال: أتيت رسول الله ﷺ فبايعته على الإسلام، فأخبرت أنه قد بعث جيشا إلى قومي.
فقلت: يا رسول الله أردد الجيش وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم.
فقال لي: «اذهب فردهم».
فقلت: يا رسول الله!إن راحلتي قد كلت، فبعث رسول الله ﷺ رجلا فردهم.
قال الصدائي: وكتبت إليهم كتابا فقدم وفدهم بإسلامهم.
فقال لي رسول الله ﷺ: «يا أخا صداء!إنك لمطاع في قومك».
فقلت: بل هو الله هداهم للإسلام.
فقال: «أفلا أومرك عليهم».
قلت: بلى يا رسول الله.
قال: فكتب لي كتابا أمرني.
فقلت: يا رسول الله مر لي بشيء من صدقاتهم.
قال: «نعم!».
فكتب لي كتابا آخر.
قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول الله ﷺ منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم، ويقولون: أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية.
فقال رسول الله: «أوفعل ذلك؟».
قالوا: نعم!.
فالتفت رسول الله ﷺ إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: «لا خير في الإمارة لرجل مؤمن».
قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله أعطني.
فقال رسول الله ﷺ: «من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن».
فقال السائل: أعطني من الصدقة.
فقال رسول الله: «إن الله لم يرض في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك».
قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي أني غني، وإني سألته من الصدقة.
قال: ثم إن رسول الله اعتشى من أول الليل فلزمته وكنت قريبا، فكان أصحابه ينقطعون عنه، ويستأخرون منه ولم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان صلاة الصبح أمرني فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله؟
فجعل ينظر ناحية المشرق إلى الفجر، ويقول: «لا» حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز، ثم انصرف إلي وهو متلاحق أصحابه، فقال: «هل من ماء يا أخا صداء؟».
قلت: لا إلا شيء قليل لا يكفيك.
فقال: «اجعله في إناء ثم ائتني به».
ففعلت فوضع كفه في الماء قال: فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور.
فقال رسول الله ﷺ: «لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا، ناد في أصحابي من له حاجة في الماء».
فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم شيئا، ثم قام رسول الله ﷺ إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم.
فقال له رسول الله: «إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم».
قال الصدائي: فأقمت، فلما قضى رسول الله الصلاة أتيته بالكتابين، فقلت: يا رسول الله أعفني من هذين.
فقال: «ما بدا لك؟».
فقلت: سمعتك يا رسول الله تقول: «لا خير في الإمارة لرجل مؤمن» وأنا أومن بالله وبرسوله.
وسمعتك تقول للسائل: «من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن» وسألتك وأنا غني.
فقال: «هو ذاك، فإن شئت فأقبل وإن شئت فدع».
فقلت: أدع.
فقال لي رسول الله: «فدلني على رجل أؤمره عليكم».
فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم.
ثم قلنا: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، فقد أسلمنا وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها، فنجتمع عليه ولا نتفرق!
فدعا سبع حصيات فعركهن بيده ودعا فيهن.
ثم قال: «اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة، واذكروا الله».
قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعني: البئر -.
وهذا الحديث له شواهد في سنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجه.
وقد ذكر الواقدي أن رسول الله ﷺ كان بعث بعد عمرة الجعرانة قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة إلى بلاد صداء فيوطئها، فبعثوا رجلا منهم فقال: جئتك لترد عن قومي الجيش وأنا لك بهم، ثم قدم وفدهم خمسة عشر رجلا، ثم رأى منهم حجة الوداع مائة رجل.
ثم روى الواقدي عن الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصدائي قصته في الأذان.