البداية والنهاية/الجزء الخامس/اختلاف جماعة من الصحابة في صفة حج رسول الله
إن قيل قد رويتم عن جماعة من الصحابة أنه عليه السلام أفرد الحج، ثم رويتم عن هؤلاء بأعيانهم وعن غيرهم أنه جمع بين الحج والعمرة، فما الجمع من ذلك؟
فالجواب: أن رواية من روى أنه أفرد الحج محمولة على أنه أفرد أفعال الحج، ودخلت العمرة فيه نية وفعلا ووقتا، وهذا يدل على أنه اكتفى بطواف الحج وسعيه عنه وعنها، كما هو مذهب الجمهور في القارن، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث ذهب إلى أن القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، اعتمد على ما روي في ذلك عن علي ابن أبي طالب، وفي الإسناد إليه نظر.
وأما من روى التمتع، ثم روى القران فقد قدمنا الجواب عن ذلك، بأن التمتع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص والقران، بل ويطلقونه على الاعتمار في أشهر الحج وإن لم يكن معه حج، كما قال سعد ابن أبي وقاص تمتعنا مع رسول الله ﷺ، وهذا يعني: معاوية - يومئذ كافر بالعرش - يعني: بمكة - وإنما يريد بهذا إحدى العمرتين، إما الحديبية، أو القضاء، فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية قد أسلم لأنها كانت بعد الفتح، وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر، وهذا بين واضح، والله أعلم.