البداية والنهاية/الجزء الخامس/فصل تقديم رسول الله ضعفة أهله بالليل ليقفوا بالمزدلفة
وقد كان رسول الله ﷺ قدم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل حطمة الناس من المزدلفة إلى منى.
قال البخاري - باب من قدم ضعفة أهله بالليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر -: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن يونس، عن ابن شهاب قال: قال سالم: كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله ﷺ.
حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثني رسول الله ﷺ من جمع بليل.
وقال البخاري: ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، أخبرني عبد الله ابن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول: أنا ممن قدم النبي ﷺ ليلة المزدلفة في ضعفة أهله.
وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عباس قال: بعث بي رسول الله ﷺ من جمع بسحر مع ثقله.
وقال الإمام أحمد: ثنا سفيان الثوري، ثنا سلمة بن كهيل عن الحسن العرني، عن ابن عباس قال: قدمنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حراثنا فجعل يلطح أفخاذنا بيده ويقول: «أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس».
قال ابن عباس: ما أخال أحدا يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري فذكره.
وقد رواه أبو داود عن محمد بن كثير، عن الثوري به.
والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري به.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن مسعر وسفيان الثوري كلاهما عن سلمة بن كهيل به.
وقال الامام أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو الأحوص عن الأعمش، عن الحكم ابن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس قال: مر بنا رسول الله ليلة النحر، وعلينا سواد من الليل، فجعل يضرب أفخاذنا ويقول: «أبني أفيضوا لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس».
ثم رواه الإمام أحمد من حديث المسعودي عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قدم رسول الله ﷺ ضعفة أهله من المزدلفة بليل فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس.
وقال أبو داود: ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا الوليد بن عقبة، ثنا حمزة الزيات بن حبيب عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ يقدم ضعفة أهله بغلس، ويأمرهم - يعني: أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس -.
وكذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان، عن بشر بن السري، عن سفيان، عن حبيب.
قال: الطبراني - وهو ابن أبي ثابت - عن عطاء، عن ابن عباس: فخرج حمزة الزيات من عهدته، وجاد إسناد الحديث، والله أعلم.
وقد قال البخاري: ثنا مسدد عن يحيى، عن ابن جريج، حدثني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟
قلت: لا.
فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر؟
قلت: نعم!
قالت: فارتحلوا.
فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت، فصلت الصبح في منزلها.
فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غسلنا.
فقالت: يا بني إن رسول الله ﷺ أذن للظعن.
ورواه مسلم من حديث ابن جريج به، فإن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكرنا هاهنا عن توقيف، فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس، لأن إسناد حديثهما أصح من إسناد حديثه؛ اللهم إلا أن يقال: إن الغلمان أخف حالا من النساء وأنشط، فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالا وأبلغ في التستر، والله أعلم.
وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف، فحديث ابن عباس مقدم على فعلها، لكن يقوي الأول قول أبي داود: ثنا محمد بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل.
قلت: إنا رمينا الجمرة بليل.
قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد النبي ﷺ.
وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا أفلح بن حميد عن القاسم، عن محمد، عن عائشة قالت: نزلنا المزدلفة، فاستأذنت النبي ﷺ سودة أن تدفع قبل حطمة الناس - وكانت امرأة بطيئة - فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا نحن حتى أصبحنا، ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله ﷺ كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به.
وأخرجه مسلم عن القعنبي، عن أفلح بن حميد به.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به.
وقال أبو داود: ثنا هارون بن عبد الله، ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك - يعني: ابن عثمان -، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أرسل رسول الله ﷺ بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله ﷺ.
قال أبو داود: - يعني: عندها - انفرد به أبو داود، وهو إسناد جيد قوي رجاله ثقات.