البداية والنهاية/الجزء الخامس/بعثه عليه السلام خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله ﷺ دعا خالد بن الوليد، فبعثه إلى أكيدر دومة، وهو أكيدر بن عبد الملك، رجل من بني كنانة، كان ملكا عليها، وكان نصرانيا.
وقال رسول الله ﷺ لخالد: «إنك ستجده يصيد البقر».
فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له ومعه امرأته، وباتت البقر تحك بقرونها باب القصر.
فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟
قال: لا والله.
قالت: فمن يترك هذا؟
قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه، فأسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخ له، يقال له: حسان، فركب وخرجوا معه بمطاردهم.
فلما خرجوا تلقتهم خيل النبي ﷺ فأخذته وقتلوا أخاه، وكان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب، فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله ﷺ قبل قدومه عليه.
قال: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال: رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله ﷺ فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه.
فقال رسول الله ﷺ: «أتعجبون من هذا فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا».
قال ابن إسحاق: ثم إن خالد بن الوليد لما قدم بأكيدر على رسول الله ﷺ حقن له دمه، فصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله، فرجع إلى قريته، فقال رجل من بني طيء يقال له: بجير بن بجرة في ذلك:
تبارك سائق البقرات إني * رأيت الله يهدي كل هاد
فمن يك حائدا عن ذي تبوك * فإنا قد أمرنا بالجهاد
وقد حكى البيهقي أن رسول الله ﷺ قال لهذا الشاعر: «لا يفضض الله فاك».
فأتت عليه سبعون سنة ما تحرك له فيها ضرس ولا سن.
وقد روى ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة أن رسول الله ﷺ بعث خالدا مرجعه من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة، فذكر نحو ما تقدم.
إلا أنه ذكر أنه ما كره حتى أنزله من الحصن.
وذكر أنه قدم مع أكيدر إلى رسول الله ثمانمائة من السبي ألف بعير، وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح.
وذكر أنه لما سمع عظيم أيلة يحنة ابن رؤبة بقضية أكيدر دومة أقبل قادما إلى رسول الله ﷺ يصالحه فاجتمعا عند رسول الله ﷺ بتبوك فالله أعلم.
وروى يونس بن بكير عن سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى أن أبا بكر الصديق كان على المهاجرين في غزوة دومة الجندل.
وخالد بن الوليد على الأعراب في غزوة دومة الجندل، فالله أعلم.