البداية والنهاية/الجزء الخامس/فصل خطبته صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة
في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة - يقال له: غدير خم - فبين فيها فضل علي ابن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا.
والصواب: كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ عليه السلام من بيان المناسك، ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه، ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك، ونبين ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه، وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين، والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه.
وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة، ونحن نورد عيون ما روى في ذلك مع إعلامنا أنه لاحظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم، ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه، فنقول وبالله المستعان:
قال محمد بن إسحاق - في سياق حجة الوداع -: حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله ﷺ بمكة تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل قال: ويلك ما هذا؟
قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.
قال: ويلك إنزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله ﷺ.
قال: فانتزع الحلل من الناس فردها في البز.
قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس عليا، فقام رسول الله ﷺ فينا خطيبا فسمعته يقول: «أيها الناس لا تشكو عليا، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله من أن يشكى».
ورواه الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به وقال: «إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله».
وقال الإمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن أبي غنية عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله ﷺ ذكرت عليا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال: «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»
قلت: بلى يا رسول الله!
قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وكذا رواه النسائي عن أبي داود الحراني، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الملك ابن أبي غنية بإسناده نحوه، وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات.
وقد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير حم أمر بدوحات فقممن ثم قال: «كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
ثم قال: «الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن» ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت مولاه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
فقلت لزيد: سمعته من رسول الله ﷺ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه، وسمعه بأذنيه، تفرد به النسائي من هذا الوجه.
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح.
وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد، أنا أبو الحسين، أنبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع التي حج فنزل في الطريق فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: «ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم؟»
قالوا: بلى.
قال: «ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه؟»
قالوا: بلى.
قال: «فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي، عن البراء.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان: ثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: كنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، فلما أتينا على غدير خم كشح لرسول الله ﷺ تحت شجرتين، ونودي في الناس: الصلاة جامعة، ودعا رسول الله ﷺ عليا، وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال: «ألست أولى بكل امرء من نفسه؟»
قالوا: بلى!
قال: «فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
فلقيه عمر بن الخطاب فقال: هنيئا لك، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
ورواه ابن جرير عن أبي زرعة، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي - وكلاهما ضعيف - عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب به.
وروى ابن جرير هذا الحديث من حديث موسى بن عثمان الحضرمي - وهو ضعيف جدا -، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء وزيد بن أرقم، فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي، عن زاذان أبي عمر قال: سمعت عليا بالرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله ﷺ يوم غدير خم وهو يقول: ما قال؟
قال: فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله ﷺ وهو يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه» تفرد به أحمد، وأبو عبد الرحيم هذا لا يعرف.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه: حديث علي بن حكيم الأودي أخبرنا شريك عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيغ قال: نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله ﷺ يقول يوم غدير خم: «ما قال إلا قام؟»
قال: فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله ﷺ يقول لعلي يوم غدير خم: «أليس الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»
قالوا: بلى!
قال: «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
قال عبد الله: وحدثني علي بن حكيم، أنا شريك عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي أمر، مثل حديث أبي إسحاق - يعني: عن سعيد - وزيد، وزاد فيه: «وانصر من نصره، واخذل من خذله».
قال عبد الله: وحدثنا علي، ثنا شريك عن الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، عن النبي ﷺ مثله.
وقال النسائي في (كتاب خصائص علي): حدثنا حسين بن حرب، ثنا الفضل بن موسى عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب قال: قال علي في الرحبة: أنشد بالله رجلا سمع رسول الله ﷺ يوم غدير خم يقول: «إن الله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره».
وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق، وهذا إسناد جيد.
ورواه النسائي أيضا من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي أمر قال: نشد علي الناس بالرحبة، فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره».
ورواه ابن جرير عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، وعبد خير، عن علي.
وقد رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور، عن عبيد الله بن موسى - وهو: شيعي ثقة -، عن فطر بن خليفة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، وزيد بن يثيغ، وعمرو ذي أمر، أن عليا أنشد الناس بالكوفة، وذكر الحديث.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى شهدت عليا في الرحبة ينشد الناس فقال: أشهد الله من سمع رسول الله ﷺ يوم غدير خم يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه» لما قام فشهد، قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر رجلا بدريا كأني أنظر إلى أحدهم فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟»
فقلنا: بلى يا رسول الله!
قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»، إسناد ضعيف غريب.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا أحمد بن عمير الوكيعي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي، أنبأنا سماك عن عبيد بن الوليد القيسي قال: دخلت على عبد الرحمن ابن أبي ليلى، فحدثني: أنه شهد عليا في الرحبة قال: أنشد بالله رجلا سمع رسول الله ﷺ وشهده يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من رآه، فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم، فأصابتهم دعوته.
وروى أيضا عن عبد الأعلى بن عامر التغلبي وغيره، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى به.
وقال ابن جرير: ثنا أحمد بن منصور، ثنا أبو عامر العقدي، وروى ابن أبي عاصم عن سليمان الغلابي، عن أبي عامر العقدي، ثنا كثير بن زيد، حدثني محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي أن رسول الله حضر الشجرة بخم، فذكر الحديث، وفيه: «من كنت مولاه فإن عليا مولاه».
وقد رواه بعضهم عن أبي عامر، عن كثير، عن محمد بن عمر بن علي، عن علي منقطعا.
وقال إسماعيل بن عمرو البجلي - وهو ضعيف - عن مسعر، عن طلحة بن مصرف، عن عميرة ابن سعد أنه شهد عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله ﷺ من سمع رسول الله يوم غدير خم، فقام اثنا عشر رجلا منهم أبو هريرة، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
وقد رواه عبيد الله بن موسى عن هاني بن أيوب وهو ثقة، عن طلحة بن مصرف به.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني حجاج بن الشاعر، ثنا شبابة، ثنا نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم، ورجل من جلساء علي عن علي أن رسول الله ﷺ قال يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، قال: فزاد الناس بعد وال من والاه، وعاد من عاداه.
روى أبو داود بهذا السند، حديث المخرج.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، وأبو نعيم المعني قالا: ثنا قطن عن أبي الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة - يعني: رحبة مسجد الكوفة - فقال: أنشد الله كل من سمع رسول الله ﷺ يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»
قالوا: نعم يا رسول الله!
قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
قال: فخرجت كأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت عليا يقول: كذا، وكذا.
قال: فما تنكر؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول ذلك له.
هكذا ذكره الإمام أحمد في مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه.
ورواه النسائي من حديث الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم به، وقد تقدم.
وأخرجه الترمذي عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك شعبة - أن رسول الله ﷺ قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
ورواه ابن جرير عن أحمد بن حازم، عن أبي نعيم، عن كامل أبي العلاء، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبو عوانة عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون أبي عبد الله قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله منزلا يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال: فخطبنا وظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس فقال: «ألستم تعلمون - أو ألستم تشهدون - أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟»
قالوا: بلى!
قال: «فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
ثم رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، إلى قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
قال ميمون: حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثا في الريث.
وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا حنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي، عن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا.
قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟
قالوا: سمعنا رسول الله ﷺ يوم غدير خم يقول: «من كنت مولاه فهذا مولاه»
قال رباح: فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟
قالوا: نفر من الأنصار منهم أبو أيوب الأنصاري.
وقال الإمام أحمد: ثنا حنش عن رباح بن الحارث قال: رأيت قوما من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال: من القوم؟
فقالوا: مواليك يا أمير المؤمنين، فذكر معناه، هذا لفظه وهو من أفراده.
وقال ابن جرير: ثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عثمة، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي - وهو صدوق -، حدثني مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول: رسول الله ﷺ يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب، ثم قال: «أيها الناس إني وليكم».
قالوا: صدقت!
فرفع يد علي فقال: «هذا وليي، والمؤدي عني، وإن الله موالي من والاه، ومعادي من عاداه».
قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب.
ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر ابن أبي كبير عن مهاجر بن مسمار، فذكر الحديث، وأنه عليه السلام وقف حتى لحقه من بعده، وأمر برد من كان تقدم فخطبهم، الحديث.
وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في (الجزء الأول من كتاب غدير خم): قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير، حدثنا محمود بن عوف الطائي، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسماعيل بن كشيط عن جميل بن عمارة، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ابن جرير - أحسبه قال عن عمر -: وليس في كتابي سمعت رسول الله ﷺ وهو آخذ بيد علي، من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وهذا حديث غريب، بل منكر وإسناده ضعيف.
قال البخاري في جميل بن عمارة: هذا فيه نظر.
وقال المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا بالجحفة بغدير خم، فخرج علينا رسول الله ﷺ من خباء، أو فسطاط، فأخذ بيد علي فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
قال شيخنا الذهبي: هذا حديث حسن.
وقد رواه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة، وغيره، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكير قالا: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال يحيى بن آدم - وكان قد شهد حجة الوداع - قال: قال رسول الله ﷺ: «علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي».
وقال ابن أبي بكير: «لا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي».
وكذا رواه أحمد أيضا عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل.
قال الإمام أحمد: وحدثناه الزبيري، ثنا شريك عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة مثله قال: فقلت لأبي إسحاق: أين سمعت منه؟
قال: وقف علينا على فرس في مجلسنا في جبانة السبيع، وكذا رواه أحمد عن أسود بن عامر، ويحيى بن آدم، عن شريك.
ورواه الترمذي عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وإسماعيل بن موسى، ثلاثتهم عن شريك به.
ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل به.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
ورواه سليمان بن قرم - وهو متروك - عن أبي إسحاق، عن حبش بن جنادة، سمع رسول الله ﷺ يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» وذكر الحديث.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، أنبأنا شريك عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع الناس إليه، فقام إليه شاب فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
قال: نعم!
ورواه ابن جرير عن أبي كريب، عن شاذان، عن شريك به.
تابعه إدريس الأودي عن أخيه أبي يزيد - واسمه: داود بن يزيد به.
ورواه ابن جرير أيضا من حديث إدريس الأودي عن أبيهما، عن أبي هريرة، فذكره.
فأما الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: لما أخذ رسول الله ﷺ بيد علي قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، فأنزل الله عز وجل «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي».
قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة، كتب له صيام ستين شهرا، فإنه حديث منكر جدا، بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ورسول الله ﷺ واقف بها، كما قدمنا، وكذا قوله: إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهرا لا يصح، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا هذا باطل.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث: هذا حديث منكر جدا.
ورواه حبشون الخلال، وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري و هما صدوقان عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وغيرهم بأسانيد واهية.
قال: وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله ﷺ قاله، وأما اللهم وال من والاه، فزيادة قوية الإسناد، وأما هذا الصوم فليس بصحيح، ولا والله ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام، والله تعالى أعلم.
وقال الطبراني: حدثنا علي بن إسحاق الوزير الأصبهاني، حدثنا علي بن محمد المقدمي، حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، حدثنا علي بن محمد بن يوسف بن شبان بن مالك بن مسمع، حدثنا سهل بن حنيف بن سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه، عن جده قال: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة من حجة الوداع، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له، أيها الناس إني عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، والمهاجرين الأولين راض فاعرفوا ذلك لهم، أيها الناس احفظوني في أصحابي، وأصهاري، وأحبابي لا يطلبكم الله بمظلمة أحد منهم، أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا».