البداية والنهاية/الجزء الخامس/ما كان من الحوادث بعد منصرفه من تبوك
قال الحافظ البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أبو البختري عبد الله بن شاكر، حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا عم أبي زخر بن حصن، عن جده حميد بن منهب قال:
سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة بن لام يقول: هاجرت إلى رسول الله ﷺ منصرفه من تبوك، فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك!.
فقال رسول الله ﷺ: «قل لا يفضض الله فاك».
فقال:
من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر * أنت ولا نطفة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد * ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأر * ض فضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي الن * ور وسبل الرشاد يخترق
ورواه البيهقي من طريق أخرى عن أبي السكن زكريا بن يحيى الطائي، وهو في جزء له مروي عنه.
قال البيهقي وزاد: ثم قال رسول الله ﷺ: «هذه الحيرة البيضاء رفعت لي، وهذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود».
فقلت: يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما تصف فهي لي؟
قال: «هي لك».
قال: ثم كانت الردة، فما ارتد أحد من طيء، وكنا نقاتل من يلينا من العرب على الإسلام، فكنا نقاتل قيسا وفيها عيينة بن حصن، وكنا نقاتل بني أسد وفيهم طلحة بن خويلد.
وكان خالد بن الوليد يمدحنا وكان فيما قال فينا:
جزى الله عنا طيئا في ديارها * بمعترك الأبطال خير جزاء
هموا أهل رايات السماحة والندى * إذا ما الصبا ألوت بكل خباء
هموا ضربوا قيسا على الدين بعدما * أجابوا منادي ظلمة وعماء
قال: ثم سار خالد إلى مسيلمة الكذاب، فسرنا معه، فلما فرغنا من مسيلمة أقبلنا إلى ناحية البصرة، فلقينا هرمز بكاظمة في جيش هو أكبر من جمعنا، ولم يكن أحد من العجم أعدى للعرب والإسلام من هرمز، فخرج إليه خالد ودعاه إلى البراز، فبرز له فقتله خالد، وكتب بخبره إلى الصديق فنفله سلبه، فبلغت قلنسوة هرمز مائة ألف درهم، وكانت الفرس إذا شرف فيها الرجل جعلت قلنسوته بمائة ألف درهم.
قال: ثم قفلنا على طريق ألطف إلى الحيرة، فأول من تلقانا حين دخلناها الشيماء بنت نفيلة كما قال رسول الله ﷺ على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود، فتعلقت بها.
وقلت: هذه وهبها لي رسول الله ﷺ فدعاني خالد عليها بالبينة، فأتيته بها، وكانت البينة محمد بن مسلمة، ومحمد بن بشير الأنصاري، فسلمها لي، فنزل إلي أخوها عبد المسيح يريد الصلح.
فقال: بعينها.
فقلت: لا أنقصها والله عن عشرة مائة درهم، فأعطاني ألف درهم وسلمتها إليه.
فقيل: لو قلت مائة ألف لدفعها إليك.
فقلت: ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشر مائة.