السيرة الحلبية/سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل
أرض بها ماء يقال له السلاسل، بضم السين الأولى وكسر الثانية. أي وقال الحافظ ابن حجر . المشهور أنها بفتح الأولى، قيل سمي المكان بذلك، لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، يقال ماء سلسل وسلسال: إذا كان سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه، وتلك الأرض وراء وادي القرى، وقيل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا.
أقول: ولخالد بن الوليد في زمن الصِّديق غزاة مع أهل فارس يقال لها ذات السلاسل، لكثرة من تسلسل فيها من الشجعان خوفي الفرار، فقتلوا آخرهم لأن السلاسل منعتهم الهزيمة. وبعث رسول الله ﷺ بالسلاسل إلى الصديق ، والله أعلم.
بلغ رسول الله ﷺ أن جمعا من قضاعة قد تجمعوا يريدون المدينة، فدعا رسول الله ﷺ عمرو بن العاص ، أي وذلك بعد إسلامه بسنة، وعقد له لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسا. وأمره أن يستعين بمن يمر عليهم، فسار الليل وكمن النهار حتى قرب من القوم، فبلغه أن لهم جمعا كثيرا، فبعث رافع بن كعب الجهني إلى رسول الله، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين من سراة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وعقد له لواء، وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعا ولا يختلفا، فلحق بعمرو أبو عبيدة، وأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو: إنما قدمت عليّ مددا وأنا الأمير، قال: وعند ذلك قال جمع من المهاجرين الذين مع أبي عبيدة لعمرو: أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه، فقال عمرو: أنتم مدد لنا، فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف، قال: لتعلم يا عمرو أن آخر شيء عهد إليّ رسول الله ﷺ أن قال: إن قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك، قال: فإني الأمير عليك، فقال: فدونك اهـ ( ) أي لأن أبا عبيدة كان حسن الخلق لين العريكة فكان عمرو يصلي بالناس.
أي وعن عمرو بن العاص ، قال: بعث إليّ رسول الله ﷺ فأمرني أن آخذ ثيابي وسلاحي. فقال: يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك؟ فقلت: إني لم أسلم رغبة في المال، قال: «نعم المال الصالح للرجل الصالح» ورأوا جمعا كثيرا، فحمل عليهم المسلمون فتفرقوا. قال: وأراد المسلمون أن يتبعوهم، فمنعهم عمرو ، وأرادوا أن يوقدوا نارا ليصطلوا عليها من البرد فمنعهم عمرو، أي وقال: كل من أوقد نارا لأقذفنه فيها، فشق عليهم ذلك لما فيه من شدة البرد، فكلمه بعض سراة المهاجرين في ذلك فغالظه عمرو في القول، وقال له: قد أمرت أن تسمع لي وتطيع؟ قال نعم، قال: فافعل. ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب غضب وهم أن يأتيه، فمنعه أبو بكر ، وقال: إن رسول الله ﷺ لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب فسكت، واحتلم عمرو وكانت تلك الليلة شديدة البرد جدا، فقال لأصحابه ما ترون؟ قد والله احتلمت، فإن اغتسلت مت، فدعا بماء فغسل فرجه وتوضأ وتيمم ثم قام وصلى بالناس اهـ ثم بعث عمرو عوف بن مالك مبشرا للنبي بقدومهم وسلامتهم. قال: قال عوف بن مالك : جئته وهو يصلي في بيته، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال: عوف بن مالك؟ فقلت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: أخبرني، فأخبرته بما كان من مسيرنا وما كان بين أبي عبيدة بن الجراح وبين عمرو، ومطاوعة أبي عبيدة لعمرو، فقال رسول الله ﷺ: يرحم الله أبا عبيدة بن الجراح، وأخبرته بمنع عمرو للمسلمين من اتباع العدو، ومن إيقاد النار، ومن صلاته بأصحابه وهو جنب، فلما قدم عليه عمرو كلمه في ذلك قال: كرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفون عليهم، فحمد رسول الله ﷺ أمره. قال عمرو: وسألني عن صلاتي فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: والذي بعثك بالحق إني لو اغتسلت لمت، لم أجد بردا قط مثله، وقد قال الله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فضحك اهـ.
أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن صلاة الصحابة خلفه، فإني لم أقف على أنه أمرهم بالقضاء.