السيرة الحلبية/سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله ﷺ على رأس ثمانية أشهر من الهجرة عبيدة بن الحارث في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين، منهم سعد بن أبي وقاص ، وعقد له لواء أبيض، وحمله مسطح بن أثاثة ليعترض عيرا لقريش، وكان رئيسهم أبا سفيان. وقيل عكرمة بن أبي جهل. وقيل مكرز بن حفص في مائتي رجل، فوافوا العير ببطن رابغ: أي ويقال له ودان، فلم يكن بينهم إلا المناوشة برمي السهام، أي فلم يسلوا السيف، ولم يصطفوا للقتال. وكان أول من رمى المسلمين سعد بن أبي وقاص ، فكان سهمه أول سهم رمى به في الإسلام، أي كما أن سيف الزبير بن العوام أول سيف سل في الإسلام. ففي كلام ابن الجوزي: أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام.
وقد ذكر أن سعدا تقدم أصحابه ونثر كنانته، وكان فيها عشرون سهما ما منها سهم إلا ويجرح إنسانا أو دابة، أي لو رمى به لصدق رمية وشدّة ساعده ، ثم انصرف الفريقان، فإن المشركين ظنوا أن المسلمين مددا فخافوا وانهزموا، ولم يتبعهم المسلمون، وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو، أي الذي يقال له ابن الأسود، وعيينة بن غزوان، فإنهما كانا مسلمين ولكنهما خرجا مع المشركين ليتوصلا بهم إلى المسلمين، فعلم أن سرية عبيدة بن الحارث بعد سرية حمزة بن عبد المطلب وقيل بل هي قبلها، وكلام الأصل يشعر به، ويؤيده قول ابن إسحاق كانت راية عبيدة بن الحارث فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام. قال بعضهم: ومنشأ هذا الاختلاف أن بعث حمزة وبعث عبيدة كانا معا، أي في يوم واحد في محل واحد، أي وشيعهما رسول الله ﷺ جميعا كما في ذخائر العقبى فاشتبه الأمر، فمن قائل يقول: إن راية حمزة أول راية عقدت في الإسلام، وأن بعثه أول البعوث، ومن قائل يقول: إن راية عبيدة أول راية عقدت في الإسلام، وأن بعثه أول البعوث، لكن يشكل على ذلك أن خروج حمزة كان على رأس سبعة أشهر من الهجرة كما تقدم، وخروج عبيدة كان على رأس ثمانية أشهر كما تقدم، وبما ذكر أن بعثهما معا إلى آخره يردّ ما أجاب به بعضهم عن هذا الإشكال، بأنه يحتمل أنه عقد رايتهما معا، وتأخر خروج عبيدة إلى رأس الثمانية أشهر لأمر اقتضى ذلك هذا كلامه، إلا أن يقال يجوز أن يكون المراد ببعثهما معا أمرهما بالخروج، وإن المراد بتشييعهما جميعا أن كلا منهما وقع له التشييع منه، وذلك لا يقتضي أن يكون ذلك في وقت واحد تأمل.
وفي هذا إطلاق الراية على اللواء، وهو الموافق لما صرح به جماعة من أهل اللغة أنهما مترادفان، وتقدم أنه لم يحدث له اسم الراية إلا في خيبر، أي وكانوا لا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية، وما هنا يرده.
وفي كلام بعضهم كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة . زاد أبو هريرة : مكتوب فيه «لا إله إلا الله، محمد رسول الله».