انتقل إلى المحتوى

السيرة الحلبية/سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى


بضم الهمزة ثم موحدة، ثم نون مفتوحة مقصورة: اسم موضع بين عسقلان والرملة.

وفي كلام السهيلي رحمه الله: وهي قرية عند مؤنة التي قتل عندها زيد بن حارثة، رضي الله تعالى عنهما.

لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر بالتهيؤ لغزو الروم، فلما كان من الغد دعا أسامة ابن زيد فقال: سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحا على أهل أبنى، وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن ظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك.

فلما كان يوم الأربعاء بدأ به وجعه فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده، ثم قال: اغز باسم الله وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله، فخرج رضي الله تعالى عنه بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا اشتد لذلك، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم، فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين والأنصار، أي لأن سن أسامة رضي الله تعالى عنه كان ثمان عشرة، وقيل تسع عشرة سنة، وقيل سبع عشرة سنة.

ويؤيد ذلك أن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية الذي ضرب به المثل في الذكاء وهو صبي وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة. فقال المهدي: أف لهذه العثانين، أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث، ثم التفت إليه المهدي وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني ـ أطال الله بقاء أمير المؤمنين ـ سن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم لما ولاه رسول الله جيشا فيه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. فقال: تقدم، بارك الله فيك، وكان سنة سبع عشرة سنة.

ومما يؤثر عنه: من لم يعرف عيبه فهو أحمق، فقيل له ما عيبك يا أبا واثلة؟ قال: كثرة الكلام، وقيل كان عمر أسامة رضي الله تعالى عنه عشرين سنة.

ولما بلغ رسول الله مقالتهم وطعنهم في ولايته مع حداثة سنه غضب غضبا شديدا، وخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإنهما مظنة لكل خير، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم، وتقدم أنه رضي الله تعالى عنه كان يقال له الحب ابن الحب. وكان رسول الله يمسح خشمه وهو صغير بثوبه.

ثم نزل فدخل بيته وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله ويخرجون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله، فجعل يقول: أرسلوا بعث أسامة، أي واستثنى أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس.

أي فلا منافاة بين القول بأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه، لأنه كان من جملة الجيش أوّلا، وتخلف لما أمره بالصلاة بالناس.

وبهذا يرد قول الرافضة طعنا في أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه تخلف عن جيش أسامة رضي الله تعالى عنه، لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه لأجل صلاته بالناس، وقول هذا الرافضي مع أنه لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود، لأنه لم يرد اللعن في حديث أصلا.

فلما كان يوم الأحد اشتد على رسول الله وجعه، فدخل أسامة من عسكره والنبي مغمور، فطأطأ رأسه فقبله وهو لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة رضي الله تعالى عنه. قال أسامة: فعرفت أنه يدعو لي، ورجع أسامة رضي الله تعالى عنه إلى عسكره، ثم دخل عليه يوم الاثنين. فقال له: اغد على بركة الله تعالى، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره وأمر الناس بالرحيل، فبينما هو يريد الركوب إذا رسول الله أمه أم أيمن رضي الله تعالى عنها قد جاءه يقول: إن رسول الله يموت.

وفي لفظ: فسار حتى بلغ الجرف فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول له: لا تعجل، فإن رسول الله ثقيل، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم، فانتهوا إلى رسول الله وهو يموت، فتوفي رسول الله حين زاغت الشمس.

أي وفي لفظ أنه رضي الله تعالى عنه لما نزل بذي خشب قبض النبي، فدخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بلواء أسامة حتى أتى به إلى رسول الله فغرزه عنده.

فلما بويع لأبي بكر رضي الله تعالى عنه بالخلافة أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة وأن يمضي أسامة لما أمر به.

فلما مات ارتدت العرب، أي فإنه لما اشتهرت وفاة النبي، ظهر النفاق، وقويت نفوس أهل النصرانية واليهودية، وصارت المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، وارتدت طوائف من العرب وقالوا نصلي ولا ندفع الزكاة وعند ذلك كلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه في منع أسامة من السفر: أي قالوا له كيف يتوجه هذا الجيش إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فأبى أي وقال: والله الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله ما أرد جيشا وجهه رسول الله، ولا حللت لواء عقده. وفي لفظ: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله.

أقول: ذكر بعضهم أن أسامة رضي الله تعالى عنه وقف بالناس عند الخندق وقال لسيدنا عمر: ارجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه أن يأذن لي أن أرجع بالناس، فإن معي وجوه الناس ولا آمن على خليفة رسول الله وثقله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون، وقالت له الأنصار رضي الله تعالى عنهم: فإن أبى أبو بكر إلا أن يمضي: أي الجيش فأبلغه منا السلام، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة، فقدم عمر على أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر: والله لو تخطفني الذئاب والكلاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله. قال عمر رضي الله تعالى عنه: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة، فوثب أبو بكر وكان جالسا وأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه، فخرج عمر إلى الناس فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت اليوم بسببكم من خليفة رسول الله خيرا، هذا كلامه.

وفيه أن هذا مخالف لما تقدم من صعوده المنبر وإنكاره على من طعن في ولاية أسامة، إذ يبعد عدم بلوغ ذلك للأنصار رضي الله تعالى عنهم، إلا أن يقال: لعل من قال لسيدنا عمر هذه المقالة جمع من الأنصار لم يكونوا سمعوا ذلك ولا بلغهم، أو جوزوا أن الصديق رضي الله تعالى عنه يوافق على ذلك حيث رأى فيه المصلحة، وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جوّز ذلك حيث لم يتكفل بالرد عليهم بأنه أنكر على من طعن في ولاية أسامة رضي الله تعالى عنه، فليتأمل، والله أعلم.

وكلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه أسامة في عمر رضي الله تعالى عنه أن يأذن له في التخلف ففعل، ولعل ذلك كان تطبيبا لخاطر أسامة، ومن ثم كان عمر رضي الله تعالى عنه لا يلقى أسامة إلا قال السلام عليك أيها الأمير كما يأتي، فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة رضي الله تعالى عنه: أي في ثلاثة آلاف فيهم ألف فرس، وودعه سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعد أن سار إلى جنبه ساعة ماشيا، وأسامة راكب، وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق، فقال أسامة: يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال: والله لستَ بنازل، ولستُ براكب ثم قال له الصديق، رضي الله تعالى عنه: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك.

وقد وقع نظير ذلك لرسول الله لما بعث معاذا رضي الله تعالى عنه إلى اليمن شيعه وهو يمشي تحت راحلة معاذ وهو يوصيه.

ثم إن أسامة رضي الله تعالى عنه سار إلى أهل أُبنَى، فشنّ عليهم الغارة: أي فرق الناس عليهم، وكان شعارهم «يا منصور أمِت» فقتل من قتل وأسر من أسر، وحرق منازلهم وحرق أرضها فأزال نخلها، وأجال الخيل في عرصاتها، ولم يقتل من المسلمين أحد. وكان أسامة رضي الله تعالى عنه على فرس أبيه وقتل قاتل أبيه رضي الله تعالى عنهما، وأسهم للفرس سهمين وللفارس سهما، وأخذ لنفسه مثل ذلك، فلما أمسى أمر الناس بالرحيل، وأسرع السير، وبعث مبشرا إلى المدينة بسلامتهم.

وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار ممن لم يكن في تلك السرية يتلقون أسامة ومن معه، وسروا بسلامتهم، ودخل أسامة رضي الله تعالى عنه واللواء بين يديه حتى انتهى إلى باب المسجد ثم انصرف إلى بيته.

أي وكان في خروج هذا الجيش نعمة عظيمة، فإنه كان سببا لعدم ارتداد كثير من الطوائف العرب أرادوا ذلك. وقالوا: لولا قوة أصحاب محمد ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، فثبتوا على الإسلام.

أي وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حتى بعد أن ولي الخلافة إذا رأى أسامة رضي الله تعالى عنه قال: السلام عليك أيها الأمير، فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، تقول لي هذا؟ فيقول: لا أزال أدعوك ما عشت الأمير. مات رسول الله وأنت عليّ أمير. وفي السيرة الشامية سرايا أخر تركنا ذكرها تبعا للأصل.

وفي السنة الثامنة أمر عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه أن يحج بالناس وهو بمكة.

وقد كان استعمله عليها لما أراد الخروج إلى حنين، وقيل لما رجع من حنين. واستمر أميرا على مكة حتى توفي رسول الله، فأقره الصديق رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي، وكانت وفاته يوم وفاة الصديق رضي الله تعالى عنهما، أي لأنه أطعم سم سنة في اليوم الذي فيه الصديق ذلك، وكان ذلك الحج على ما كانت عليه العرب في الجاهلية من حج الكفار مع المسلمين، لكن كان المسلمون بمعزل عنهم في الموقف.

ولما دخلت سنة تسع استعمل أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه على الحج، فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة، وبعث معه بعشرين بدنة قلدها وأشعرها بيده الشريفة، وساق أبو بكر رضي الله تعالى عنه خمس بدنات، ثم تبعه عليّ كرم الله وجهه على ناقة رسول الله القصواء: أي بفتح القاف والمد. وقيل بالضم والقصر ونسب للخطأ، فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه استعملك رسول الله على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس، وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده، وكان العهد بين رسول الله وبين المشركين عاما وخاصا، فالعام أن لايصعد أحد عن البيت جاءه، ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم كما تقدم، والخاص بين رسول الله وبين قبائل العرب إلى آجال مسماة.

وفي كلام السيهلي رحمه الله تعالى: لما أردف أبو بكر بعليّ رضي الله تعالى عنهما رجع أبو بكر للنبي وقال: يا رسول الله هل أنزل فيّ القرآن؟ قال: لا ولكن أردت أن يبلغ عني من هو من أهل بيتي، فمضى أبو بكر رضي الله تعالى عنه فحج بالناس: أي في ذي الحجة لا في ذي القعدة كما قيل من أجل النسيء الذي كان في الجاهلية، يؤخرون له الأشهر الحرم، أي فإن براءة نزلت: أي صدرها، وإلا فقد نزل منها قبل ذلك في غزوة تبوك {انفروا خفافا وثقالا} الآيات، وكان نزول صدرها بعد سفر أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقيل له: لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي.

ثم دعا عليا كرم الله وجهه، فقال: اخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، فقرأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه براءة يوم النحر: أي الذي هو يوم الحج الأكبر عند الجمرة الأول وقال: «لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان».

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «أمرني علي كرم الله وجهه أن أطوف في المنازل من منى ببراءة فكنت أصيح حتى صحل حلقي، فقيل له: بماذا كنت تنادي؟ فقال: بأربع: أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد فله عهد أربعة أشهر ثم لا عهد له، وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام ـ ومن لا عهد له فعهده إلى انقضاء المحرم».

وكان المشركون إذا سمعوا النداء ببراءة يقولون لعلي كرم الله وجهه: سترون بعد الأربعة أشهر، فإنه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن والضرب.

وإنما أمر بما ذكر، لأنهم كانوا يحجون مع المسلمين ويرفعون أصواتهم بقولهم: لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. أي وتقدم سبب الاتيان بذلك، ويطوف رجال منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل، فيقول الواحد منهم: أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس عليّ شيء من الدنيا خالطه الظلم: أي وفي لفظ التي قارفنا فيها الذنوب.

وكان لا يطوف الواحد منهم بثوب إلا بثوب من ثياب الحمس وهم قريش، يستعيره أو يكتريه، وإذا طاف بثوب من ثيابه ألقاه بعد طوافه فلا يمسه هو ولا أحد غيره أبدا، فكانوا يسمون تلك الثياب اللعنى.

وفي الكشاف: كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد، وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه، لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها. وقيل تفاؤلا بأن يعروا من الذنوب كما يعرون من الثياب.

وكانت النساء يطفن كذلك، وقيل كانت الواحدة تلبس درعا مفرجا. وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قبلها وهي تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله

فأنزل الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} فأبطلت ذلك سورة براءة في تلك السنة، أي وقيل الزينة المشط، وقيل الطيب.

وكان بنو عامر في أيام الحج لا يأكلون الطعام إلا قوتا، ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجتهم، فقال المسلمون فإنا أحق أن نفعل ذلك، فقيل لهم: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.

ويحكى أن بعض الأطباء الحذاق من النصارى، قال لبعض الحكماء: ليس في كتابكم من علم الطب شيء. والعلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان. فقال له: قد جمع الله الطب كله في بعض آية من كتابه، قال له: وما هي، قال: قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}، فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب؟ قال: قد جمع رسول الله الطب في ألفاظ يسيرة. قال: وما هي؟ قال قوله: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، وأعط كل بدن ما عودته». فقال ذلك الطبيب: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس شيئا.

وبينت براءة أن من كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله إلى أربعة أشهر. وفي لفظ: لما لحق علي كرم الله وجهه أبا بكر رضي الله تعالى عنه، قال له أبو بكر: أمير أو مأمور؟ قال: بل مأمور.

وزعمت الرافضة أنه عزل أبا بكر عن إمارة الحج بعليّ. وعبارة بعض الرافضة: ولما تقدم أبو بكر بسورة براءة رده بعد ثلاثة أيام بوحي من الله. وكيف يرضى العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي بوحي من الله لأداء عشر آيات من براءة، هذا كلامه.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: وهذا أبين من الكذب، فإن من المعلوم المتواتر أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم يعزل، وأنه حج بالناس، وكان عليّ كرم الله وجهه من جملة رعيته في تلك السفرة، يصلي خلفه كسائر المسلمين، ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج في ذلك العام.

وإنما أردف أبا بكر رضي الله تعالى عنه بعلي كرم الله وجهه لنبذ العهود، وكان من عادة العرب لا ينبذ العهد إلا المطاع أو رجل من أهل بيته، أي فلو تلا أبو بكر رضي الله عنه ما فيه نقض عهد عاهد عليه رسول الله ربما تعللوا وقال قائلهم: هذا خلاف ما نعرف، فأزاح الله عللهم بكون ذلك على يد رجل من بني أبي رسول الله الأدنى إليه ممن له ذرية وهو عبد المطلب، قال: وهذا غير بعيد من افتراء الرافضة وبهتانهم، أي وعلى عادة العرب بما ذكر جاء قوله: «لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي» كما تقدم. وفي لفظ «إلا رجل مني» أي لا يبلغ عني عقد العقود ولا حلها إلا رجل مني، أي من بني أبي الأدنى ولا أب له ذرية أدنى إليه من عبد المطلب.

ولا يجوز حمل ذلك على تبليغ الأحكام والقرآن، إذ كل أحد من المسلمين مأذون له في تبليغ ذلك عنه.

وفي هذه السنة التي هي سنة تسع تتابعت الوفود على رسول الله حتى قيل لها سنة الوفود.

السيرة الحلبية
مقدمة | نسبه الشريف | تزويج عبد الله أبي النبي آمنة أمه وحفر زمزم | حمل أمه به | وفاة والده | مولده | تسميته محمدا وأحمد | رضاعه | وفاة أمه وحضانة أم أيمن له وكفالة جده عبد المطلب إياه | وفاة عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب له | سفره مع عمه إلى الشام | ما حفظه الله به في صغره | رعيته الغنم | حضوره حرب الفجار | شهوده حلف الفضول | سفره إلى الشام ثانيا | تزوجه خديجة بنت خويلد | بنيان قريش الكعبة | ما جاء من أمر رسول الله عن أحبار اليهود ورهبان النصارى والكهان والجان | سلام الحجر والشجر عليه قبل مبعثه | المبعث وعموم بعثته | بدء الوحي | وضوؤه وصلاته أول البعثة | أول الناس إيمانا به | استخفائه وأصحابه في دار الأرقم ودعائه إلى الإسلام جهرة وكلام قريش لأبي طالب في أن يخلي بينهم وبينه | عرض قريش عليه أشياء من خوارق العادات وغير العادات ليكف عنهم لما رأوا المسلمين يزيدون وسؤالهم له أشياء من خوارق العادات وبعثهم إلى أحبار يهود بالمدينة يسألونهم عن صفة النبي | الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وإسلام عمر بن الخطاب | اجتماع المشركين على منابذة بني هاشم وبني المطلب وكتابة الصحيفة | الهجرة الثانية إلى الحبشة | وفد نجران | وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة | خروج النبي إلى الطائف | الطفيل بن عمرو الدوسي وإسلامه | الإسراء والمعراج وفرض الصلوات الخمس | عرض رسول الله نفسه على القبائل أن يحموه ويناصروه | الهجرة إلى المدينة | بدء الأذان والإقامة | مغازيه: غزوة بواط | غزوة العشيرة | غزوة سفوان ويقال لها غزوة بدر الأولى | تحويل القبلة | غزوة بدر الكبرى | غزوة بني سليم | غزوة بني قينقاع | غزوة السويق | غزوة قرقرة الكدر | غزوة ذي أمر | غزوة بحران | غزوة أحد | غزوة حمراء الأسد | غزوة بني النضير | غزوة ذات الرقاع | غزوة بدر الآخرة | غزوة دومة الجندل | غزوة بني المصطلق | غزوة الخندق | غزوة بني قريظة | غزوة بن لحيان | غزوة ذي قرد | غزوة الحديبية | غزوة خيبر | غزوة وادي القرى | عمرة القضاء | غزوة مؤتة | فتح مكة | غزوة حنين | غزوة الطائف | غزوة تبوك | سراياه وبعوثه: سرية حمزة بن عبد المطلب | سرية عبيدة بن الحارث | سرية سعد بن أبي وقاص | سرية عبد الله بن جحش | سرية عمير بن عدي الخطمي | سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك | سرية عبد الله بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف الأوسي | سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع | سرية زيد بن حارثة إلى القردة | سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد | سرية الرجيع | سرية القراء إلى بئر معونة | سرية محمد بن سلمة إلى القرطاء | سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر | سرية محمد بن مسلمة لذي القصة | سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة أيضا | سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم | سرية زيد بن حارثة إلى العيص | سرية زيد بن حارثة إلى بني ثعلبة | سرية زيد بن حارثة إلى جذام | سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق لبني فزارة | سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل | سرية زيد بن حارثة إلى مدين | سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك | سرية عبد الله بن رواحة إلى أُسَير | سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم | سرية سعيد بن زيد | سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى طائفة من هوازن | سرية أبي بكر إلى بني كلاب | سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك | سرية غالب بن عبد الله الليثي | سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن | سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم | سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح | سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر | سرية كعب بن عمير الغفاري | سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل | سرية الخبط | سرية أبي قتادة إلى غطفان | سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة | سرية أبي قتادة إلى بطن أضم | سرية خالد بن الوليد إلى العزى | سرية عمرو بن العاص إلى سواع | سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة | سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة | سرية أبي عامر الأشعري إلى أوطاس | سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين الصنم ليهدمه | سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم | سرية قطبة بن عامر إلى خثعم | سرية الضحاك الكلابي | سرية علقمة بن مجزز | سرية علي بن أبي طالب | سرية علي بن أبي طالب إلى بلاد مذحج | سرية خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل | سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أبنى | الوفود التي وفدت عليه | كتبه التي أرسلها إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام | كتابه إلى قيصر | كتابه إلى كسرى | كتابه للنجاشي | كتابه للمقوقس ملك القبط | كتابه للمنذر بالبحرين | كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان | كتابه إلى هوذة | كتابه إلى الحارث الغساني | حجة الوداع | عمَره | معجزاته | خصائصه | أولاده | أعمامه وعماته | أزواجه وسراريه | خدمه الأحرار | الذين أعتقهم | كتّابه | حراسه | من ولي السوق في زمنه | من كان يضحكه | أمناء الرسول | شعراؤه | من كان يضرب الأعناق بين يديه | مؤذنوه | العشرة المبشرون بالجنة | حواريوه | سلاحه | خيله وبغاله وحمره | صفته الظاهرة | صفته الباطنة | مرضه ووفاته | بيان ما وقع من عام ولادته إلى زمان وفاته على سبيل الإجمال