السيرة الحلبية/سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل
بضم الدال المهملة وبفتحها، وأنكره ابن دريد لبني كلب.
بعث رسول الله ﷺ عبد الرحمن بن عوف ، فأقعده بين يديه وعممه بيده، قال أي بعد أن قال له: تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء الله تعالى. ثم أمره أن يسري من الليل إلى دومة الجندل في سبعمائة وعسكروا خارج المدينة.
فلما كانت وقت السحر جاء عبد الرحمن بن عوف إلى رسول الله ﷺ وقال: أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك، وكان عليه عمامة من كرابيس: أي غليظة قد لفها على رأسه، فنقضها رسول الله ﷺ بيده ثم عممه بعمامة سوداء وأرخى بين كتفيه منها أربع أصابع أو نحوا من ذلك. ثم قال: هكذا يا بن عوف فاعتم فإنه أحسن وأعرف.
ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه، وقام فحمد الله، ثم صلى على نفسه، ثم قال: خذه يا بن عوف انتهى، وقال: اغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، ولا تغلّ، أي لا تخن في المغنم ولا تغدر، أي لا تترك الوفاء، ولا تقتل وليدا وفي رواية: لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تنكثوا، ولا تملوا، ولا تقتلوا وليدا: أي صبيا، فهذا عهد الله وسنة نبيكم فيكم ثم قال له: إذا استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، فسار عبد الرحمن بن عوف حتى قدم دومة الجندل، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام وهم يأبون ويقولون: لا نعطي إلا السيف. وفي اليوم الثالث أسلم رأسهم وملكهم الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا: قال في النور: لم أجد أحدا ترجمه، والظاهر أنه ما وفد على النبي ﷺ فهو تابعي، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقر من أقام على كفره بإعطاء الجزية: أي وأرسل إلى رسول الله ﷺ يعلمه بذلك وأنه يريد أن يتزوج فيهم. فكتب إليه رسول الله ﷺ أن تزوج ببنت الأصبغ، أي فتزوجها ، وبنى بها عندهم، وقدم بها المدينة، وهي أم ولده سلمة بن عبد، الرحمن بن عوف، وهي أول كلبية نكحها قرشي، ولم تلد غير سلمة وطلقها عبد الرحمن في مرض موته ثلاثا ومتعها جارية سوداء، ومات وهي في العدة، وقيل بعد انقضاء العدة فورّثها عثمان .
قال: وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال: «سرت لأسمع وصية رسول الله ﷺ لعبد الرحمن بن عوف ، فإذا فتى من الأنصار أقبل يسلم على رسول الله ﷺ ثم جلس، فقال: يا رسول الله أيّ المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقا، ثم قال: وأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل بهم، أولئك الأكياس. ثم سكت الفتى وأقبل رسول الله، فقال: «يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلت بكم، وأعوذ بالله أن تدركوهن، إنه لن تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا. وما نقص المكيال والميزان في قوم إلا أخذهم الله بالسنين، ونقص من الثمرات، وشدة المؤنة، وجور السلطان لعلهم يذكرون. وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا وما نقض قوم عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذ ما كان في أيديهم. وما حكم قوم بغير كتاب الله إلا جعل الله تعالى بأسهم بينهم» وفي رواية: «إلا ألبسهم الله شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض».
وفي الأصل ذكر ابن إسحاق أن النبي ﷺ بعث أبا عبيدة بن الجراح لدومة الجندل في سرية. زاد في السيرة الشامية على ذلك قوله: كما سيأتي.